الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الموقف الأمريكي من الاستيطان ما بين الطاكتيك و الاستراتيجية

إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي

(Driss Jandari)

2009 / 11 / 5
السياسة والعلاقات الدولية


صدر مؤخرا موقفان متناقضان للإدارة الأمريكية ؛ فيما يخص مسألة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ وقد عبرت رئيسة الدبلوماسية الأمريكية (هيلاري كلينتون) عن الموقفين معا بشكل متزامن .
فقد أشادت في القدس بموقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؛ الذي رفض شرط وقف الاستيطان للبدء في المفاوضات مع الفلسطينيين؛ و في مدينة مراكش المغربية أثناء مشاركتها في منتدى المستقبل؛ عبرت عن موقف مناقض لموقفها السابق؛ وأكدت للعرب و الفلسطينيين؛ بأن موقف إدارة أوبا ما من الاستيطان واضح؛ وأنها تدعم وقف الاستيطان؛ كشرط مسبق للبدء في المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
و لعل قراءة متسرعة للموقفين من شأنها أن تغطي عنا الوجه الحقيقي للقضية؛ إن المسألة هنا لا ترتبط بتناقض في مواقف الإدارة الأمريكية؛ أو عدم الثبات على موقف واضح؛ كما قد يبدو للوهلة الأولى؛ و لكن هذا التناقض الظاهر يخفي أكثر مما يعلن .
أولا من بين الأمور الواضحة؛ و التي يجب أن يأخذها العرب -و الفلسطينيون على وجه الخصوص- بعين الاعتبار؛ هو أن الاستراتيجية الأمريكية واحدة؛ سواء مع جورج بوش أو مع باراك أوبا ما؛ لأن صنع القرار السياسي في أمريكا لا يرتبط بالأشخاص؛ بل بالمؤسسات.
ثانيا تعتبر إسرائيل الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط؛ فهي التي تحمي مصالحها؛ و تؤسس وجودها في منطقة غنية بالثروة النفطية؛ التي تعتبر محور الصراع العالمي .
و اعتمادا على هذه المعطيات؛ يمكن أن نستنتج مسبقا الموقف الأمريكي؛ بخصوص جميع القضايا؛ التي تعتبر إسرائيل طرفا فيها؛ فصانع القرار الأمريكي سينحاز بالضرورة للحفاظ على علاقات متينة مع حليفه الاستراتيجي؛ و هو بذلك يسعى لدعم مصالحه؛ التي تعلو على أية مصالح أخرى .
و في علاقة بالقضية الفلسطينية؛ و قضية الاستيطان ضمنها؛ يبدو من الواضح مسبقا؛ بأن الإدارة الأمريكية لن تسعى أبدا إلى فرض أمر الواقع على حليفها الاستراتيجي؛ ضدا على مصالحها؛ خصوصا و أن هناك قضايا شائكة في المنطقة؛ من حجم الملف النووي الإيراني؛ تبقى الولايات المتحدة في حاجة إلى الحليف الاستراتيجي؛ لمساندتها في أية قرارات مستقبلية؛ سواء ارتبط الأمر بالحل الدبلوماسي أو العسكري .
من هذا المنطلق و اعتمادا على هذا التحليل؛ يمكن أن نصف ما يجري الآن و ما سيجري مستقبلا بخصوص القضية الفلسطينية؛ من حديث حول إطلاق المفاوضات أو وقف الاستيطان... يمكن أن نصف كل ما يجري بأنه جعجعة بلا طحين؛ أي تكرار ممل للخطابات الفارغة؛ لكن من دون تحقيق أية نتائج؛ و إذا حدث و تحققت أية نتيجة فيجب أن تخدم المصالح الأمريكية في المنطقة أولا و أخيرا؛ و هذه المصالح تمر بالضرورة عبر الحليف الاستراتيجي .
لذلك يجب ألا نغتر بما تروجه الإدارة الأمريكية من أوهام؛ ترتبط بحل القضية الفلسطينية؛ عبر وقف الاستيطان و إطلاق مفاوضات الحل النهائي؛ و دعم قيام الدولة الفلسطينية المستقلة... لأن كل هذه الجعجعة تدخل في إطار طاكتيك مرسوم مسبقا من طرف صناع القرار الأمريكي؛ لربح الدعم العربي و الإسلامي للوجود الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط؛ و كذلك لربح رهان كبير لم يتحقق طوال عقود من الزمن مع حكومات إسرائيلية أقل تشددا بكثير من الحكومة اليمينية المتطرفة الحالية؛ و هو رهان التطبيع العربي الإسلامي الكامل مع الكيان الصهيوني؛ و منحه الشرعية الكاملة في التواجد كدولة فوق القانون و الشرعية في منطقة الشرق ألأوسط؛ رغم ما يمارسه من وحشية وعدوانية و جرائم حرب في حق مواطنين عزل؛ أطفالا و نساء و شيوخا؛ في خرق سافر لأبسط معايير حقوق الإنسان .
و لعل هذا هو الهدف القريب الذي يسعى صناع القرار الأمريكي إلى تحقيقه؛ خصوصا في ظل انقسام فلسطيني غير مسبوق؛ و صراع محاور بين مجموع الدول العربية/الإسلامية؛ التي من واجبها الدفاع عن قضية العرب و المسلمين الأولى.
إن الغاية تبرر دائما الوسيلة في التفكير الأمريكي عموما؛ و في الاستراتيجيات الأمريكية لا خروج عن هذه القاعدة؛ و تبقى الغاية طبعا هي دعم إسرائيل حتى و لو كانت ظالمة؛ ليس بردها عن ظلمها –كما هو الشأن في المنطق الإسلامي- و لكن بدعم هذا الظلم؛ و تزويره أحيانا ليصبح هو عين العدالة؛ و كل هذا طبعا يخدم الغاية الاستراتيجية الكبرى؛ و في نفس الآن يبرر الوسيلة .
قد يستغرب القارئ من حدة التشاؤم؛ الذي نبديه بخصوص الموقف الأمريكي الداعم بشكل لا مشروط للكيان الصهيوني؛ لكننا نطمئنه بأننا لا نبدي تشاؤما؛ بقدر ما نطالب بتغيير نمط التعامل مع الولايات المتحدة؛ و ذلك عبر الانتقال من التواصل الأخلاقي السائد؛ الذي يقوم على مفاهيم لا ترتبط بالسياسة؛ إلى نمط جديد من التواصل يقوم على سياسة المصالح المشتركة؛ التي تتقن إسرائيل نهجها؛ وعبر هذا التواصل القائم على المصالح يمكن أن نربح الكثير في الموقف الأمريكي؛ و من هذا الشيء الكثير قد نربح على الأقل تراجعا عن الدعم المطلق لكيان عنصري و متطرف؛ لا يقبل به منطق القرن الواحد و العشرين .











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يترأس اجتماعا بمشاركة غالانت ومسؤولين آخرين


.. متحدث باسم حماس لـ-سكاي نيوز عربية-: إسرائيل ما زالت ترفض ال




.. بعد فشل الوساطات.. استمرار التصعيد بين حزب الله وإسرائيل| #غ


.. المراكب تصبح وسيلة تنقل السكان في مناطق واسعة بالهند جراء ال




.. الشرطة الهولندية تعتدي على نساء ورجال أثناء دعمهم غزة في لاه