الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرب من الواقع الى الصورة

احمد ثامر جهاد

2004 / 6 / 7
الادب والفن


تناولت مجموعة من الأشرطة السينمائية الأمريكية – متباينة الجودة – أجواء الحرب العالمية الثانية ، ما سبقها من أحداث وما لحقها من نتائج ، بوصفها الكارثة الأخطر التي كادت أن تنهي العالم إلى الأبد .وقد ركز معظمها على معالجة قصص درامية تقليدية تقف عند حدود التشويق والإثارة واستعراض التقنيات الفنية . فكان أن فوّتَ هذا المطلب التجاري فرصة احتفاء المشاهد بهذا الجهد أو ذاك بمعزل عن الاتجاهات الإعلامية المهيمنة على سائر الصناعة السينمائية الأمريكية . ولوحظ على غالبية هذه الأشرطة أنها تكرر ذات التوجه النمطي الذي حفلت به أشرطة هوليودية أخرى ، بشكل يجعل من الصعب على المتلقي التغاضي عن صياغة تفسير سديد للتشابه الملحوظ في حكايتها وأسلوبها ومحتواها ، طالما أننا أمام شريط أمريكي طويل يعيد – على نحو ملل – الخاتمة نفسها وهي تحذر دائما من معاداة الغرب أو التشكيك بقيمه ، مهما بدا واقع الاستجابة مريرا أو محبطا للجميع !
وإذا كان جمهور السينما - من بين الفنون الأخرى – هو العالم بأسره ، فلا غرابة أن تدور عجلة هذه الصناعة العملاقة على صراط المفاهيم المعولمة وبوحي منطقها الخاص . فأهمية السينما اليوم تعادل كونها اكبر وسائل العصر الحديث تأثيرا وجماهيرية في ميدان ثورة الاتصالات المرئية . ولأجل أن تنجح هوليود في مسعاها ذاك عمدت بخبرتها الطويلة إلى توفير جميع التسهيلات العملية الممكنة من تقنيات متقدمة واستوديوهات حديثة وسيناريوهات ملائمة لطموحاتها ، مستندة إلى ارتباطاتها الوثيقة مع شركات استثمارية شهيرة تقدم الدعم الكامل لها خلال عمليات الإنتاج والتسويق والدعاية بحسب الأولويات والمهمات الموضوعة . هذا بالإضافة إلى ما تحتاجه تلك العملية المعقدة من رهانات فنية خاصة تشتمل على نجوم ومخرجين معروفين يمكن أن يضمنوا النجاح التجاري بأرباح مأمولة .وبالرغم من كل تلك الحسابات المنطقية والمهنية ، قد لا يبدو النجاح السينمائي أمرا منطقيا يسيرا يمكن التكهن به على نحو دقيق ، فثمة قضايا عدة لها طابعها النسبي المتغير تحكم علاقة الجمهور بالفيلم السينمائي وتحدد ما ينتج عنها من تقلبات متباينة . وللاقتراب من هذا التصور يمكننا التدليل على ذلك بالمقارنة بين الفشل الفني والتجاري لشريط أمريكي باهظ الكلفة مثل ( بيرل هاربر ) وبين النجاح الساحق لشريط بسيط الإنتاج والتنفيذ أخرجه مجموعة من الشباب الهواة كشريط رعب ليس إلا ، ذلك هو فيلم ( مشروع الساحرة بلير ) الذي حققت شهرته الفائقة في الأوساط الفنية والجماهيرية على حد سواء صدمة حقيقية اضطرت المؤسسات السينمائية والإنتاجية إلى إعادة النظر في كل حساباتها وآلياتها المتبعة !
أما بخصوص الموسم السينمائي الحالي ، فقد وجدنا ان الدوافع التي تقف وراء صناعة الأشرطة الحربية ذات المنحى التاريخي وتدعم شيوعها وهيمنتها على شاشات العرض السينمائي ليست مما يصعب إدراكه ، فحقيقتها بعيدة كل البعد عن العفوية أو المصادفة ، مع ان ( الصورة ) تحاول ادعاء البراءة والحياد فيما تعرض ، وقد يتهيأ لها ذلك أحيانا بما أوتيت من جملة مؤثرات وغوايات هي في المحصلة جزء لا يتجزأ من طبيعتها التعبيرية . لكن قراءة دقيقة للخط العام لتلك الأفلام التي تزامن ظهورها في السنوات الأخيرة مع التوجه السياسي الأمريكي على مسرح الأحداث الفعلية ، ستكشف لنا أهدافا أخرى وراء هذا التوجه الذي جعل من تناول السينما لموضوعة الحرب – بدلالاتها المختلفة – موسما سينمائيا جديدا يعيد إلى الأذهان تأكيدا أمريكيا مفاده : ان الحرب لم تنته بعد ، الخصوم فقط هم من يتبدّل من حين إلى آخر ، ذلك التأكيد اقرب إلى التعبئة الأيديولوجية التي توجه القنوات السياسية والفنية والثقافية الوجهة التي تريد تبعا لمرمى مصالحها .
من جهته لا يفتأ الجمهور السينمائي يقارن باستمرار بين ما يراه اليوم على الشاشة وما خلد في ذاكرته من أشرطة مميزة ، خاصة النماذج الكلاسيكية الشهيرة التي جمعت بين المتعة والمصداقية والجودة الفنية ، اعتمادا على سيناريوهات أدبية لخصت تجارب أجيال عدة خبرت واقعة الحرب وأجادت التعبير عنها بوسائل مبدعة . ومثلما تمثل الحرب موضوعا كبيرا يلهم الأدباء والفنانين ، تعامل السينمائيون معها بجدية فائقة ودأب إبداعي ، فقد تلاحقت سينمات مختلفة ( روسية وإيطالية وفرنسية ويابانية ) في تناول قضية الحرب العالمية الثانية من زوايا عدة طارحة مواقف متفاوتة تؤشر غالبيتها إلى الأثر العميق الذي تركته الحرب على واقع الحياة الإنسانية آنذاك .
وفي الوقت الحالي تحاول بعض التجارب السينمائية الجيدة الخروج من نطاق البضاعة الهوليودية وتقاليدها النمطية القاتلة ، في محاولة منها لتمثّل تراث السينما الكلاسيكية من ناحية البناء أو الإيقاع أو المناخ الأدبي بشكل يمنح العمل السينمائي أصالة تعبيرية وملمحا إخراجيا مبدعا . ضمن هذا الاتجاه يمكننا رؤية شريط ( المريض الإنكليزي ) للمخرج " انطوني منغيلا " كخطوة سينمائية فذة استطاعت ببراعة تطويع النص الأدبي في صورة سينمائية غنية الإيحاء والدلالة . كذلك فعل المخرج ( ترينس مالك ) مبتكر الشعرية الفائقة في مواجهة الموت المجاني في تحفته السينمائية ( خط احمر رفيع ) ، وقبلهما البناء الدرامي الرصين والمؤثر في شريط المخرج جون بورمان (أمل ومجد) أواخر الثمانينات ، والأمثلة تتسع .
إن العودة إلى روح الأفلام الروائية الطويلة بإنتاجها الضخم وشخصياتها العديدة تمثل في جانب من جوانبها مرتكزا أساسيا للشروع من جديد في جذب المتفرجين إلى هذا النوع من الأشرطة بعد عزوف حاصل سببته تبدلات ومسارات واقعية أخرى . وهنا يتعالى ثانية السعي إلى إعادة قراءة وقائع الماضي طبقا لصلتها بالحاضر وبحدس الأخطار المتوقعة ، ويستحوذ على اهتمام الغالبية . لكن العين المبصرة تبقى - بكل الأحوال – قادرة على الإحاطة بمديات الموسم السينمائي عبر تحليلها للإشارات المبثوثة في هذه الأفلام وقراءتها بحذر شديد . فسينما الحرب ، ومن دون مبالغة ، هي مما يمكن وضعه تحت مصنف نظري مهم يبحث العلاقة بين السينما والأيديولوجيا .. ولنتذكر الأشرطة الكثيرة التي تتحرك موضوعاتها على خطوط التماس مع التاريخ الواقعي للبشر ، القريب أو البعيد .
أصبحت أشرطة عدة يعرفها الجمهور مثل ( إنقاذ الجندي رايان ، العدو عند الأبواب ، حرب هارت ، بيرل هاربر ، قيثارة الكابتن كوريللي ) وأخرى غيرها ، تتطلب من المتلقي عناية خاصة ، تتوقف على مدى الاستجابة لضرورة تحليل المواقف والشخصيات وتأويل الغايات والإشارات الجمالية في خطابها السينمائي ، لاسيما أنها ذات تضليل يجري تعميمه كمقدمة لتخليق وعي مشوه يطابق الصورة المعروضة ويقف عند حدودها من دون أدنى مساءلة عن الكيفيات والسبل الكفيلة بارتحال ثيمة الحرب من الواقع إلى الصورة أو العكس .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال