الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المقامة التكريتية

جمعة كنجي

2009 / 11 / 5
كتابات ساخرة


المقامة التكريتية
إلى صدام قبل إعدامه..مع الاعتذار الشديد لأهل تكريت وحلاقيها..

كان يا ما كان..
يا سادة يا كرام!
بعد وفاة الرجل المريض، حكم العراق الانكليز.. وسلفا ً عن سلف، اتفقوا جميعاً على هدف: نشر الإملاق، في كل البيوت والأسواق. ولتحقيق هذا الهدفِ، لم يدعوا الأمور تجري بالصدفِ، كان ديدنهم كسب الأعوان، من كلِ جهةٍ ومكان، فإذا ما غادروا البلاد، يكونوا قد ضمنوا لعامة الشعب الانقياد.
وعاش في تكريت حلاق، اشتهر بالفجور والنفاق. قال احد كبار الاستعمار، إذا كسبنا الحلاق، فإنه ملاق، وسوف يتحفنا بالأخبار. أخذوا يترددون على ذلك الجبان، ليشذب رؤوسهم، ويحلق شواربهم وهم في غاية الاطمئنان. كان يعمل في دكان الحلاق ولد، لا يناظره في الوسامة آخر في البلد.. وبمرور الأيام ، مال إليه انكليزي ابن حرام!. قال الانكليزي في نفسه:" لو أمطرت هذا الحلاق بالنقود- وهو منافق حسود- فإنه لن يرد لي طلبا ً، وقد يحققُ لي مأربا ً!".
شرع الانكليزي يترددُ على الدكان في الأسبوع مرتين، ويدفع في كل مرة روبيتين، وهو مبلغ يكفي معيشة عائلتين.
سأل الإنكليزي الحلاق ذات يومٍ، ولم يكن عندهم أحد من القوم:" إذا بحتُ لك ما في صدري، فهلْ تحافظ على سري؟".
أجابَ الحلاق: " كيف أستطيع أنْ اعصي أمركَ؟.. بُح ْ لي مَا في صَدركَ!"
قالَ الانكليزي ابن الحرام:" أنت يا حلاق فطين ابن فطين، واعلم أن رغبتي لا تلين!".
بادله الحلاق نظرة بنظرة، وعرفَ على التو قصده، وقال له باحترام وتؤدة: " يا مستر، مهلا ً، مهلا ً.. ينبغي أنْ تدفع كثيرا ً، فما تريدهُ يبدو خطيرا ً، واعلم أن حصتي هي ضعف حصة الولدِ، لو انتشر الخبر في البلدِ، القوم سيقضون علينا لا محالة، سلاحهم، في مثل هذه الحالة، هو الكالة!". قال ابن الحرام: " أنا للنقودِ دافع، فهل الولد قانع؟ أينَ ترى- يا حلاق- أن تجري الوقائع؟!".
قال الحلاق: " في هذا الدكان، بكل سور وأمان".
اقفل الحلاق الدكان على الانكليزي والولد وجالَ جولة قصيرة في البلد.
كانَ يقابلُ دكان الحلاق بزاز، اشتهر بالزهد والتقوى بين الناس، علم البزازُ بالحقيقةِ، قالَ في سرهِ:"اللهم اكفِنا شرَّ هذه الأعمال الشنيعةِ..!" تكرر الحادث وتكررَ، قررَ البزاز ألا ّ يبوحَ بالخبر ِ. رجل مثله مسكين.. كيف يستطيع أن يقف في وجه ظالمين؟".
قال الراوي:
يا سادة يا كرام!..
بعد أعوام، قرر الانكليز الانسحاب من العراق بعد أن جعلوه في غاية الإملاق.
قال جهابذتهم:"ابحثوا عن الأعوان في كل زاوية ومكان، فهم جديرون بأن نوليهم من بعدنا الحكم والسلطان". استقر رأيهم على عدد من المأجورين، ممن لا ذمة لهم ولا دين. استدعوا الحلاق، قالوا له: "أنت يا صاحب الأخلاق، جدير أن تكون من سلاطين العراق.. أينَ ذلكَ الولدِ، سوفَ ننصِبهُ حاكماً في هذا البلدِ؟!".
أوصى الانكليز مأجوريهم بنشر الفساد، واضطهاد المخلصين من العباد، ومعاملة الناس معاملة القطيع، وقطع ِ رأس كل ما لا يطيع. حين تربع السلطان الحلاق على الكرسي، أطمأن لأنه حاكمه ظالم قاس. وهكذا رضي الانكليز بهؤلاء وانسحبوا بعد أن ضمنوا لأنفسهم الولاء.
في أول يوم من الحكم، قرر الحلاق أن يتخلص من كل عدو وخصم.
قال الحلاق: " البزاز يعرفُ سرنا، يستطيع فضحنا. ليَمتْ مخنوقا ً، ليراهُ الناس مشنوقا ً!" .. استدعى الحلاقُ البزاز قال: " أنتَ يا بزاز، كثير الابتزاز، تثير الفرقةِ تنشرُ الشغب بين الناس!".
قال البزاز:" أنا إنسان - يشهد الله- مستقيم، عن الحق لا أريم، أغمضت عيني حينما رأيت الفحشاء، أنت تعرف قصدي يا من جعلك القدر من الوجهاء، أطلق سراحي، لا تنكأ جراحي، لقد تحملت الكثير، أنا رجل فقير، لا اعرف الابتزاز، لا شأن لي بإثارة الناس".
قال الحلاق: " أنتَ، إذن، تعيرني، بكشف السِّر تصارحني! خذوه للحاكم، ليكن عبرة لكل قادم!".
أمرَ الحاكم بشنق البزاز البريء، أتوا له بجلاد دنيء.. حينما علم البزاز الحقيقة، لم يبقَ بينهُ وبينَ الموت سوى دقيقة تحسر على مصيره ومصير البلاد، نظرَ مليا ً إلى وجهِ الجلادِ ثم هتفَ بصوتٍ حكيم، فيه عبرة لكل فهيم:
لا بارك الله في هؤلاء المستعمرين! قادتهم لواطون، وسلاطينهم قوادون، وحكامهم" منا...".

جمعة كنجي
10/3/1982








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس


.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل




.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة