الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مازال سياسيو الحكم في العراق يغوصون في بول بريمر !

جمال محمد تقي

2009 / 11 / 5
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


في اخر خطاب له قبل مغادرته العراق وتسليم مفاتيحه لغرفة عمليات مشتركة تقوم اركانها الاربعة على قوائم لا تتغير بتغير الاسماء والالقاب ـ السفير الامريكي المتربع على قلب المنطقة الخضراء ، قائد القوات الامريكية في العراق ، ممثل عن قوات النخبة العراقية وهي قوات معدة ومجهزة للاعمال القتالية والاستخبارية الخاصة يشرف عليها الامريكان جملة وتفصيلا ، ممثل معتمد من الادارة العراقية المدنية ـ تكلم بريمر بخطاب مطول ولاول مرة ـ حسب مقاييس الخطابات الامريكية التي لا تطيق المقدمات الطويلة ـ ومتلفز بثه على ابناء بلده الثاني بعبارات مؤثرة ، ذكرتهم بمآثر سانتا كروس الامريكي الذي جاء ليوزع الهدايا على المنتظرين ، وكيف انه وفي طريقه لتسليمهم هداياهم قد خلصهم والى الابد من الوحش الذي كان كابسا على انفاسهم ، ولم ينسى بريمر ملاحظة السفير البريطاني له بان يضمن خطابه بعض الكلمات العربية لان وقع ذلك سيكون اكثر تاثيرا عند العراقيين فهم يهيمون بلغتهم ، وفعلا فقد وقع خطابه بابيات اثيرة من الشعر العربي في وداع بغداد وصوبيها ، وبالعربية ليؤكد للمشاهدين والمستمعين مدى مصداقية مشاعره الفياضة نحو العراق والعراقيين ، وحسنا فعل عندما لم يبكي وهو يقول للعراقيين : باي ، لانه لو فعل لكان لكلماته مفعول قراء مواكب عزاء الحسين ، وحينها سيكون اللطم والبكاء هو سيد الموقف ، الذي لا يريده بريمر الا مفعما بالتفاؤل والانطلاق والثقة بالمستقبل الذي اصبح مضمونا ، وان تغير السفراء والحكام !

في كتابه عامي في العراق ، الذي جاء بعد ان تأكد للجميع ان عملية تحرير العراق وقبلها عملية محاصرة العراق هي اكبر عملية نصب واحتيال في التاريخ ، في كل تاريخ العلاقات الدولية !
كتب مذكراته وبعض يوميات السنة التي قضاها حاكما مدنيا عاما للعراق كل العراق ، وكان الكتاب عبارة عن خطاب اخر ، وهذه المرة من وراء الحدود ، ومن مجمله وظروفه يستشعر القاريء النجيب ان هناك روح تبريرية ناعمة تسود ساحته خدمة لساحة من استخدمه ـ ادارة بوش ـ اي انه ينفض يده واياد من معه من اغلب الجرائم الشنيعة التي ارتكبت بحق دولة العراق وشعبها ، ملقيا بالمسؤولية على اغلب الجماعات العراقية التي كانت تحمل ماركة المعارضة المصرح بها امريكيا والمسجلة عند البنتاغون لاغراض الخدمة والتقاعد ، فهي كانت تعمل برواتب وميزانيات ممولة من الحكومة الامريكية ، الكتاب يصب في تحميل رموز المعارضة وتحديدا اعضاء مجلس الحكم كل تفاصيل المصائب الكبرى التي حصلت !
كان بريمر كغيره من الغربيين لا يكثر من التقبيل اثناء الاستقبال والتوديع ، واغلب اعضاء مجلس الحكم كانوا من العارفين بهذه الحقيقة ، ولكنهم مع ذلك كانوا يتقصدون تقبيله وبقوة وبعضهم من فمه ـ كما كان يفعل السيد بحر العلوم مثلا ـ وكانهم يريدون التاكيد له على عراقيتهم التي لم ينسوها رغم تجنس اغلبهم بالجنسيات الغربية !
بريمر كان يضحك في سره من حالة وحركات النفاق السياسي والاجتماعي والكذب والغش الذي يخر من نجوم مجلس الحكم الذي شكله هو بنفسه ـ فاذا كان رب المجلس في الدف ناقر فشيمة اهل المجلس الرقص ـ طبعا الرب هنا هو بريمر نفسه ، رغم انه ناقر على طريقته ،، لقد ذكر وفي اكثر من موقع من مذكراته تلك على ان بعضهم كان يقرض البعض الاخر عندما يكون احدهم بخلوة معه ، او عندما ينفرد به بعضهم ، فالحكيم لا يطيق علاوي ، والجلبي لا يطيق الصميدعي ، وهلمجرى ، ويقول ايضا انهم كانوا ملكيين اكثر من الملك في كل شؤون الاجتثاث والحل والتسريح والتفكيك والدفع باتجاه الاسراع بشرعنة ما يحصل وباي وسيلة كانت ، وفعلا كان هناك شبه اجماع بينهم على ذلك وكانهم يريدون تحطيم كل شيء قائم ليقيموا بانفسهم وميليشياتهم مقامات جديدة ، وهنا كانت دعوة السيستاني هي الاكثر قبولا في تكريس شرعية ما اتخذناه من سياسات وقرارات واجراءات ، وذلك من خلال جر الناس للانتخابات والاستفتاءات لتكون هي الشماعة التي نعلق عليها موضوعة الشرعية فيما جرىويجري !

ترى هل تغير الوضع بعد مرور اكثر من نصف عقد على تجربة بريمر في العراق ؟
لا اعتقد ان هناك عاقلا يمكن ان يجيب بالايجاب !
فمازال اعضاء مجلس الحكم هم انفسهم في واجهة الحكم في العرق مع بعض التغيرات غير المؤثرة هنا وهناك ، من مجلس الرئاسة الى الوزراء الى البرلمان الى ـ المفوضيات والمحاكم الجنائية ولجان التخصص ـ الى جانب كون ميليشياتهم هي ذاتها تتقاسم الجيش والشرطة والوظائف ، ومازال اهم سر من اسرار تاخرها في اقرار وانجاز القوانين هو الوقت الذي تتطلبه عمليات المحاصصة في ريع كل خطوة يمكن ان يخطوها البرلمان او مجلس الوزراء او مجلس الرئاسة !
حتى مسودات القوانين المفصلية المقرة والتي لم تقر بعد كقانون النفط والغاز بل وحتى الدستور الدائم المستفتى عليه ـ نسخة مفصلة لقانون ادارة الدولة ـ وكلها كانت قد اعدت سلفا في اثناء تاسيس كيان الدولة الجديدة وحكم مؤسسها الفعلي بريمر!
المنطقة الخضراء واساسات السفارة الامريكية الجديدة ، والتاكيد على مبدأ الكوتا التوافقية ، كلها ـ منجزات ـ بريمرية !
مختصر مفيد ان من قال عملية سياسية بريمرية لم يخطأ قطعا ، بمعنى ان بريمر هو الغائب الحاضر في الهواء الذي تتنفسه تلك العملية المشوهة !
عليه فان سياسيو العراق ما زالوا وبهمة عالية يسبحون ويغوصون بما فاض عليهم به من شخات نافورية ترطب كل مفاصلهم وتلافيفهم الممنونة اصلا لبول ـ بريمر !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيضانات عارمة تتسبب بفوضى كبيرة في جنوب ألمانيا


.. سرايا القدس: أبرز العمليات العسكرية التي نفذت خلال توغل قوات




.. ارتقاء زوجين وطفلهما من عائلة النبيه في غارة إسرائيلية على ش


.. اندلاع مواجهات بين أهالي قرية مادما ومستوطنين جنوبي نابلس




.. مراسل الجزيرة أنس الشريف يرصد جانبا من الدمار في شمال غزة