الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملح من نوع آخر

لؤي عجيب

2009 / 11 / 5
الادب والفن


صرخ أحدهم " لا تكثر الملح على قطع الدجاج "...
وكان الآخر يهم بوضعها على منقل الجمر الجاهز للشواء ... وانطلقت الضحكات والقهقهات ... أذكر بأنني ضحكت كثيراً ....
سنين طويلة مرت من خلف الذاكرة ، وما زلت أحتفظ بكثير من المشاهد الحية في ذاكرتي . لا أعلم لماذا ضحكنا جميعاً وبقوة .. كان هناك سبب للضحك لكن ربما سقط سهواً من الذاكرة. تراجعت قليلاً للخلف وأسندت ظهري على شجرة سنديان تسلقت الطحالب جذعها وأغصانها وشكلت مع أوراقها القليلة المبعثرة منظراً جميلاً جداً لم يغب عن كاميرتي التي كانت رفيقة دربي الدائم في تلك الأيام. ومع جلسة الرفاق التي كانت تحمل الكثير من المزاح والضحك والقليل جداً من الجد ، قضيت يوماً رائعاً أذكر نسماته كلما أغمضت عيني ، أو ربما أضافت إليه الذاكرة شيئاً آخر من الجمال.. لأن عيني لا تبصر الآن إلا مساحات الرمال الشاسعة.
"بتنّفخ معاي بالأركيلة " ....
" لا شكراً "....
" اسمع مني والله بيطول عمرك " ....
وانطلقت الضحكات من جديد .... وضحكت كثيراً ...
وكالعادة التي رافقتني منذ الطفولة ... أحب أن أتجول وحيداً في الأماكن الجديدة حتى أتمكن من إلتقاط الصور الجيدة كما كنت أراها ... نزلت من فوق التلة واتجهت نحو السفح وامتدت أما ناظري سلسلة الجبال التي تموجت بالإرتفاع والإنخفاض حتى صارت سهلاً أمام البحر الذي يمتد للأفق بمنظره الرائع ... " كم هو نقي هذا اليوم .... ياه ما أروع هذا المنظر ... وكم هو سعيد الذي يستطيع أن يستمتع بهذا الجمال بشكل دائم ... بالرغم من كل الصعاب التي تحملها بين طياتها هذه الضيع النائية وسط الجبال "... هذا ما جال بذهني وأنا في طريق العودة إلى الرفاق الذين بدأت أصواتهم تعلو مع انتشار رائحة الشواء ...
لم نكن الوحيدين في هذا المكان ... كان لدينا الكثير من الرفقة.. حيث انتشر المتنزهون في كل مكان ... وأصوات الغناء ودقات الطبلة و العزف على الناي والصيحات التي تعلو مع الدبكة.... صعدت التلة وكان بعضهم يرش الماء على الآخرين وتعلو الضحكات والشتائم ....
" فيه واحد ناقص "...
" راح يجيب عرق من الضيعة " ....
" معنا عرق وبيرة "....
" ليش بيعرف حدا بالضيعة "...
" لسا ما بتعرف صاحبك قديش حشري .... ما فيه ختيار بالضيع إلا بيعرفه "
وعلت الضحكات من جديد...
" اذكر القط .. بيجيك نط "...
" جبتلكون أطيب عرق في العالم " قالها وهو يهم بالجلوس " اعطونا كاسات " ....
" ليش اشتريت عرق وجايبين معانا "....
" دوق هالعرقات ولحالك بتعرف ، هي شغل أيد من هالضيعة ".....
" بصحة الشباب " وشرب الجميع نخب هذا اليوم الجميل .... الذي بقي في ذاكرتي حتى الآن وضعنا الشواء والسلطات والعرق أمامنا .... ولم تتوقف الضحكات ولا المزاح الذي يتخلله الشتائم التي تثير عاصفة من الضحكات الهستيرية ....
" مالح الأكل " وعلت الضحكات من جديد ... لم أعد أذكر لماذا كانت تثير ضحكاتنا هذه العبارة ... لها مدلول ... لكن ذهب وولى مع الزمن ولم أجده في أي مكان من ذاكرتي ...
" ليش قمت " ....
" شوف هالبنت الصغيرة عم تتفرج علينا ونحنا عم ناكل .. رايح أعطيها جاج " ...
" خد شوية سلطة معاك " ....
" جايبين كولا معاكون " ....
" خود هي علبة كولا اعطيها للصغيرة " ....
كانت تقف قرب الشجرة وترمقنا بنظرات غريبة ... وهي تبتسم ... وتمسك بيدها عود يابس ، ويبدو عليها أنها فتاة مسكينة ... تعيش على عطايا أهل الضيعة هذا ما بدا لي من خلال منظرها المثير للشفقة وثوبها الطويل الذي تلون بألوان الأرض والحشائش ... "أية حياة تعيش هذه الطفلة وسط هذه الجبال الباردة " هذا ما كان يدور ببالي وانا أنظر اليها ....
وضع على الأرض صحن ورقي وفيه رغيف خبز وعليه ثلاث قطع دجاج وصحن السلطة وعلبة الكولا وطلب منها أن تجلس على العشب كي تأكل ... جلست قليلاً ... وأمسكت قطعة دجاج واحدها ووضعتها على الأرض ورشت عليها قليلاً من التراب ....
" ما عاد تتاكل " أخذها من يدها وأعطاها قطعة أخرى واتجه نحونا ... وأنظار الجميع تتجه نحوها ... حاملةً معها الألم والشفقة ... وضعت القطعة الثانية على الأرض ورشت عليها التراب وقضت منها سريعاً .. وبدأت تأكل وتتبسم لنا... منظر كهذا أيقظ الألم النائم بداخلنا منذ أمد طويل ...
" بالظاهر ما فيها تاكل بدون ملح " قالها ونظر إلينا يرجوا أن تعلو الضحكات ...
" هه.. هه.. هه.. هه ... سخيفة متلك " قالها آخر " إذا اشتهيت التراب بحطلك رشة " وعلت الضحكات والقهقهات من جديد .... وبدأت النكت التي لا تُسمع جيداً من أصوات الضحكات العالية .....
وقفت واستدارت هي حاملة معها قطعة دجاج واحدة مملحة على طريقتها دون الكولا وصحن السلطة...









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مشتاق
غريبة عن اهلي ( 2009 / 11 / 7 - 09:11 )
الواضح انك بحاجة لاجازة تزور فيها ضيعتك القصة كتير حلوة والباين من هالقصة انه الغربة تاعبتك كتير وصايرة هي ملهمتك لكتابة هالقصة الغربة سيئة وما فيها شي حلو غير الناس الي بنتعرف عليهم فيها والاشخاص الي عايشين معانا تسلم الايادي على هالقصة

اخر الافلام

.. المغرب.. مهرجان موازين للموسيقى يعود بعد غياب 4 سنوات بسبب ج


.. نون النضال | خديجة الحباشنة - الباحثة والسينمائية الأردنية |




.. شطب فنانين من نقابة الممثلين بسبب التطبيع مع إسرائيل


.. تونس.. مهرجان السيرك وفنون الشارع.. إقبال جماهيري وأنشطة في




.. دارفور.. تراث ثقافي من الموسيقى والرقص