الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الباججي و يا مغرب ، خرب

هادي الخزاعي

2004 / 6 / 7
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


أفادتنا التجربة، أن الأنسان الذي يسعى لفعل الخير ومنفعة الناس لوجه الله، لا ينتظر ثمنا، حتى لوكان بسيطا، بل أنه يذهب أبعد من ذلك كثيرا، فيضحي بأشياء عديدة، تصل أحيانا الى حياته، كي يكون وفيا لقناعاته التي قاعدتها فعل الخير، لاسيما أذا كان هذا الأمر يتعلق بمصير شعب هذا الأنسان ووطنه.
الدلالة هنا تاريخية، ومجيرة بأسم ملايين البشر، ممن ضحوا بأنفسهم من أجل قيم أنسانية متفق على أصالتها، أو وطنية أشترك الجميع على تزكيتها. وظاهرات أضرحة الجندي المجهول التي لا يخلوا منها بلد، جزء من وفاء وعرفان بتضحيات أولئك المجهولين الذين لا يخلون من الأسماء طبعا، ولكنها حكمة التضحية ليس ألا.
وفاعل الخير، كما ترسخ في أذهاننا، وهج بلا ملامح، تلامس فعله دون أن ترى منه خنصرا، وتخضر بذاره دون حقل، سوى الضمير والذاكرة، فينموا لا يتنازعة النسيان، أو الأمحاء. ولنا من الأسماء العراقية الكثير، تلك التي آثرت الخير للناس على حساب مصلحتها هي، فأعطت ولم تأخذ، ووهبت دون أن تطالب.
بعد السقوط المريع للنظام الدكتاتوري البائد، أنفتحت أبواب الساحة السياسية العراقية على مصاريعها بعد أن كانت حكرا على شمولية الحزب الواحد الأحد، ذاك الأحتكار الذي مرغ كرامة العراقيين ـ ليس كلهم طبعا ـ في وحل فضلات الخنازير، فصاروا كالجذام، يفر منهم العدو والشقيق، فسبتوا في ضيمهم، وقبلوا على مضض قطيعة الأخرين لهم، فأستكانوا معبأين بالصمت والأنتظار لفرج لابد آت.
بعد أنفتاح تلك الأبواب نهض الضمير العراقي من رماده كالعنقاء، ردت له الحياة، وتسابق الجميع رغم العثرات والأخطاء، الى البناء، ووضع البلاد على سكة السلامة، وأتفقوا على أن لا مناص من الحرية والديمقراطية، أذا
أريد للعراق أن ينهض من القاع الذي اورثته له شمولية عمياء، ليس لها من لغة غير لغة المسدس الأعمى والمقصلة الخرساء.
حالة التوافق التي شكلت قاسما مشتركا في مناهج خيارات القوى السياسية العراقية التي عارضت الحكم الشمولي، طمئنت العراقيين على ان الخير آت، وأن اليوم أفضل من الأمس ، وأن غدا أفضل من اليوم. مبعث هذا الأطمئنان بني على الخطوة الناجحة التي أرساها مجلس الحكم الأنتقالي، بدورية رئاسته. لقد عرفنا من تلك الخطوة الرائدة، كيف تمارس الديمقراطية قبل أن تكتب، ولمسنا التوافق والأيثار من نجاح تلك الممارسة، رغم الأخطاء والهفوات التي سعى البعض جاهدا لتكريسها على انها ليست بأخطاء أو هفوات. وأزداد تعلق العراقيين ـ ليس كل العراقيين طبعا ـ بهذا النهج والمنهج، وأعتباره الحلقة المفقودة في شريعة العراقيين، التي تتطلب التشديد في ممارستها، فبدون الحرية والديمقراطية لا ينهض العراق.
هكذا كان الدرس، حين حلت لحظة خيارات التكليف لرئاسة العراق. شخصيا أنتمي لقوة سياسية عراقية فاعلة بمنهجها وتأريخها، وهذا يتطلب مني أن أحكم تمنياتي بالأنحياز الى القوة التي تمثلني، الا أني أجلت هذا الأحتكام لحين خروج العراق من أزمة التعقيد الذي اوقعنا بها الأحتلال ومن
نفق العتمة الذي يدفعنا اليه رعب الرهاب المنفلت دفعا.
قناعة الخيارات في مجلس الحكم الأنتقالي حطت على السيد غازي الياور، دون السيد عدنان الباججي. وقد صفقنا للسيد الباججي أكثر من رئيس جمهورتنا ، السيد غازي ألياور، لأن السيد الباججي ذكرنا بخالد الذكر، رئيس السودان السابق " عبد الرحمن سوار الذهب "، الذي وعد فاوفى، فصار مثلا للأيثار من أجل وطنه وشعبه. لقد فهمنا أعتذار السيد الباججي على أنه جزء من الفضاء الديمقراطي الذي بشرنا به نفسه، ولم يدر بالخلد أن هذا الصرح الدبلوماسي يضمر غير ما يعلن، فحديثه في المؤتمر الصحفي الذي عقده بعد أنتهاء خيار السيد ألياور، كان هاديء وغير مخدش، وفيه من الدبلوماسية ما ضاعف من قناعتنا به، ولكن بمجرد ما حطت الطائرة العسكرية الأماراتية الخاصة التي نقلته من بغداد الى أبو ظبي، حتى تغيرت لغة الحكمة والتجربة الى لغة التجريح والتسفيه بأعضاء مجلس الحكم، وكأنه لم يكن واحدا منهم قبيل ساعات من وصوله الى عاصمة الأمارات.
لقد كان الباججي في المقابلة المتلفزة التي أجرتها معه فضائية العربية غير السيد الباججي الذي تعودناه متوازنا سلسا، يغري حديثه بالأنتباه والأقتناع, ويفرض على سامعيه أيمائة الرضا. لقد كان متوترا، حانقا على زملاء الأمس في مجلس الحكم، تسري في عروق أجاباته نظرية المؤامرة، ناسيا بأنه يجب أن يكون مقنعا، ومتمكنا من عواطفه وأنفعاله، لأن أمامه مشوار طويل من رحلة الديمقراطية ذات النكهة العراقية. لقد كان باديا عليك الحنق يا سيدي من زملائك الذين شاركتهم الطاولة المستديرة التي أتسعت لكم جميعا رغم الأختلافات العديدة في وجهات النظر، ولكنكم جلستم حولها أكثر من عام، ويا له من عام صعب، تداولتم فيه واتفقتم ونقضتم، هل أذكرك كيف الغيتم القرار رقم 137محمين بغطاء الديمقراطية، لم نسمع اي ملاسنة معلنة أو رفض لمجلس الحكم من لدن زميلكم الذي كان مسؤولا عن ذلك القرار. لقد كنت يا سيدي في تلك المقابلة المتلفزة مع العربية غير مقنعا على الأطلاق، ولا تليق بشخص كان يطمح ولا يطمع أن يكون رئيسا لعراق جديد بكل شيء، لقد كنت أشبه، ويا للأسف، بذاك الذي ينطبق عليه مثلنا العراقي الذكي " يا مغرب ، خرب " .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا.. مظاهرة في ذكرى النكبة الفلسطينية تندد بالحرب الإسرائ


.. مسيرة تجوب شوارع العاصمة البريطانية لندن تطالب بوقف بيع الأس




.. تشييع جثمان مقاوم فلسطيني قتل في غارة إسرائيلية على مخيم جني


.. بثلاث رصاصات.. أخ يقتل شقيقته في جريمة بشعة تهز #العراق #سوش




.. الجيش الإسرائيلي: دخول أول شحنة مساعدات إنسانية عبر الرصيف ا