الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من سينتخب العراق .. ؟

طلال احمد سعيد

2009 / 11 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


القوانين الطبيعيه التي تحكم العالم هي انه كلما تقع ازمات اقتصادية واجتماعيه او امنيه او كوارث فأن اول ماينتج عن ذلك هو تغيير في الحكومات والاجهزة المسؤولة عن تلك الاوضاع ، فقبل ايام استقال وزير المواصلات المصري على اثر حادثة تصادم بين قطارين ادى الى مصرع (12) شخصا ، ولو اراد الوزير المصري ان يتمسك بموقفه لوجد عشرات المبررات والاسباب التي ادت الى وقوع التصادم والتي قدتكون خارجة عن ارادته او سيطرته الا ان الرجل احترم نفسه وقدم الاستقالة .
احداث الاربعاء والاحد الداميين هزت العراق من شماله الى جنوبه كما كان لها دويا في كثير من بلاد العالم وحتى في اروقة مجلس الامن الدولي ، اما في العراق بلد المصائب فلم نسمع سوى اتهامات وتراشقات بين المسؤولين كل واحد يلقي باللوم والمسؤولية على الاخر ثم صدرت مطالبات باقصاء هذا الوزير او ذاك المسؤول وهذه المطالبات قد لاتكون ذات جدوى ان لم تتم من خلال معالجة الوضع السياسي العام برمته . لقد بات من المؤكد ان العمليات التي نفذت كانت عبارة عن امتحان عسير للحكومة وللسلطات المسؤولة عن الامن ، فقد جرى العمل والتنفيذ وفق تخطيط محكم وثبت انها ليست عمليات طارئة او عابرة بل هي مؤشر على ان العراق مازال يمر بظروف امنيه خطيرة وان الحكم في البلاد مازال هشا والعملية السياسية التي اعلن عنها بعد سقوط النظام السابق فشلت في تحقيق اهدافها وهذا المؤشر يستدعي اعادة النظر في اساليب الحكم التي سارت عليها البلاد ويلقي الضوء على مدى مسؤولية من امسك بالسلطة وقاد العملية السياسية وجر البلاد الى المزيد من الفواجع والمحن .
الولايات المتحدة التي نجحت في اسقاط نظام صدام حسين بقوة ارادت ان تنطلق من نقطة الصفر لبناء دولة ديمقراطية حديثة على انقاض دولة دكتاتورية حكمت البلاد (35) عاما . لقد تجاهلت الدولة المحتلة الكثير من المشاكل القائمة على ارض الواقع وعملت وسط فوضى عارمة شملت البلاد من اقصاها الى اقصاها واستنادا الى رغبة الولايات المتحدة فقد وضعت جملة من التوقيتات للسير قدما في العملية الديمقراطية واعدت التوقيتات دون النظر الى واقع الامر على الارض العراقية ، فقد كانت هناك حاجة ملحة لمعالجة اثار الحروب والحصار الاقتصادي الذي خلف المآسي ودمر البنيه التحتيه للبلاد وهشم الاقتصاد وشوه كل مظاهر الحياة الكريمة للشعب .
في الوقت الذي كانت الخطوات من اجل (بناء الديمقراطية ) تتسارع كانت مشاكل الشعب بالمقابل تتفاقم فسرعان ما افترشت ارض العراق الميليشيات المسلحة الارهابيه والمشكلة على اسس طائفية ومن خلال ذلك تعطل بناء الدولة واندرست هويتها واصبح الفساد المالي هو المحرك الاصلي وهو القانون الاساسي الذي يحكم البلاد .
لقد صار واضحا من خلال مسيرات السنوات السابقة ان العراق كان بحاجة الى فترة انتقالية معقولة لالتقاط الانفاس ولمعالجة الكوارث التي مرت بالبلاد ، غير ان العمل جرى خلاف ذلك عندما نفذت التوقيتات التي لم تكن منسجمة على الاطلاق مع الوضع العراقي القائم انذاك . بعد ان مرت ثلاثة شهورعلى التغيير بالضبط تم تشكيل مجلس الحكم الذي لم يكن حاكما انما الحاكم الفعلي هو السيد بول بريمر وكان ذلك المجلس يمثل البداية المؤلمة للمشروع الديمقراطي الاميركي حيث انشى على مباديء المحاصصة الطائفية والقومية , في شهر شباط 2004 شرع قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقاليه الذي بدأ العمل به في شهر حزيران من نفس السنه ، والمفترض بذلك القانون ان يمدد لفترة اطول نظرا للحاجة الى تهيه اجواء مناسبه لأجراء الانتخابات وتشكيل الحكومة بطريقة ديمقراطية صحيحة وغيرها .
استمرت الخطى المتسارعه لنقل البلاد الى الحالة التي رسمتها الولايات المتحدة بعيدة عن واقع البلاد فنظمت انتخابات للجمعيه الوطنيه نهاية عام 2004 تلك الجمعيه التي لم تستمر سوى سنه واحدة وفي تلك الفترة شرع دستور دائمي وجرى الاستفتاء عليه في شهر تشرين الاول 2005 دون ان يطلع احد من ابناء الشعب على بنوده او مضامينه ودون ان يطرح للنقاش او الدراسة واقر بصورة مستعجلة ليكون السبب في الكثير من المشاكل التي تعاني منها البلاد الان لكثرة احكامه الناقصة والمتناقضة .
استنادا لاحكام الدستور الجديد جرى انتخاب مجلس النواب في31 -12-2005 ودفع المواطنين دفعا الى صناديق الاقتراع حسب اجندات دينيه وطائفية وقوميه والغريب في الامر انه لا احد من الناخبين عرف اصلا اي من اسماء النواب المرشحين وجرت الانتخابات بالتصويت على الارقام حسب تسلسل القوائم المغلقة وبموجب الانتماءات الدينيه والطائفية ( وهذه كانت ارقى ممارسة للعملية الديمقراطية) وبذلك حصل الشعب العراقي على نواب ( لايمثلون الا انفسهم ) وقد نجحوا بشكل لم يسبق له نظير في الاستحواذ على الرواتب والمخصصات والمزايا والسلف والاراضي بقرارات اصدروها هم انفسهم ، وقد نشر اخيرا قانون يمنحهم وعوائلهم جوازات سفر دبلماسيه لمدة (12) عاما ضمن امتياز جديد لم يتمتع به اي نائب في اي برلمان من بقاع العالم .
انتخابات عام 2005 شكلت على اثرها وزارة منتخبه اطلق عليها حكومة الوحدة الوطنيه ثم اختير لها اسما اكثر جاذبية هو الديمقراطية التوافقيه وهذه الديمقراطية لم يعرف العراقيون عنها شيئا وقد تبين انها صورة كاملة للمحاصصة الطائفة والقومية وعملية لاقتسام الكعكة بين الاحزاب الماسكة للحكم وهي الجماعات الدينيه والاكراد .
الحكومة الجديدة التي تشكلت عام 2006 تضم (33) وزارة وحوالي 10 هيئات غير مرتبطة بوزارة لكل منها طاقم ضخم من المسؤولين والمدراء والموظفين والحمايات اضافة الى المنح والمصاريف التشغيلية والايفادات وغيرها . هذا العدد من الوزارات يؤكد بأن التشكيلة لم تكن قد اعدت طبقا لاحتياجات البلاد انما كانت عبارة عن عملية ترضية سياسية لاطراف عديدة لذا فأن كل وزارة اصبحت ملكا للحزب الداعم لوزيرها ويجري تعيين المنتسبين بناءا على توجيهات ذلك الحزب اما التنسيق بين الوزراء ورئاسة المجلس فيكاد ان يكون معدوما وهناك امثلة كثيرة نذكر منها مشكلة تعيين رئيس الجامعه المستنصرية ومشكلة اقالة مدير العمليات في وزارة الداخلية وغيرها .
العراق اصبح بحق تحكمه فكرة الدولة ( الغنيمه ) كما اطلق عليها احد الكتاب العراقيين فالكل يسعى لانتزاع حصة له او لاعضاء حزبة او كتلته عبر تعينات او تخصيصات او ايفادات وليس بعيدا عن الاذهان المخصصات التي اقرت للرئاسات الثلاث تحت عنوان المنافع الاجتماعيه والبالغه اكثر من (110) مائة وعشرة مليارات دينار سنويا .
الانتخابات القادمة يجب ان تكون نقطة البداية لعراق جديد تفرز نوابا يمثلون الشعب العراقي تمثيلا صحيحا ويحرصون على المال العام فأن تكرار التجربة الاليمة وعودة نفس القوى والوجوه الحاليه الى دفة السلطة لاربع سنوات اخرى هو كارثة جديدة سترهن مستقبل العراق لفترة طويلة وتضعه في مصاف الدول الاكثر تخلفا في العالم . المطلوب مجلس نيابي جديد يعدل الدستور ويضع الاسس الصحيحة والكفيلة للانتقال الفعلي الى مجتمع ديمقراطي عصري مستقل تمثله حكومة مدنيه علمانيه تحرص على تلبيه حاجات المواطنين وتوفر لهم الامن والاستقرار والحياة السعيدة .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الكوفية توشح أعناق الطلاب خلال حراكهم ضد الحرب في قطاع غزة


.. النبض المغاربي: لماذا تتكرر في إسبانيا الإنذارات بشأن المنتج




.. على خلفية تعيينات الجيش.. بن غفير يدعو إلى إقالة غالانت | #م


.. ما هي سرايا الأشتر المدرجة على لوائح الإرهاب؟




.. القسام: مقاتلونا يخوضون اشتباكات مع الاحتلال في طولكرم بالضف