الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أهو تدريس بالعربية أم تدريس للعربية ؟

الطيب أمكرود

2009 / 11 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


لا يتجادل اثنان في كون العربية الكلاسيكية لغة أجنبية في عموم شمال افريقيا ، فرغم ترسانة القوانين وخضم القرارات الجائرة والأموال الطائلة التي صرفت وتصرف على التعريب ، وانعاش اللغة العربية الكلاسيكية ، لا تزداد هذه الأخيرة إلا ركودا وانتكاسا إلى الوراء ، فالعربية الكلاسيكية أو الفصحى لا يتحدثها أحد في هذه البلدان والتي على رأسها المغرب إلا في قاعة الدرس ، المسجد ، ولا تتداول إلا خلال نشرات الأخبار في القنوات الإذاعية والتلفزية التي تروج للفكر الرسمي الذي يتخذ منذ الإستقلال اللغة العربية لغة رسمية للمغرب والمغاربة الذين للإشارة لا تشكل لأحد منهم لغة أما ، بل أن جهات سياسية معروفة بعدائها الشديد لأمازيغية المغرب سعت ولا زالت تسعى لاستصدار قوانين تحظر استعمال الأمازيغية في الأماكن العامة تمهيدا لإبادتها كما تم في ليبيا .
فالمغاربة بنسبة مئة بالمئة لا يتحدثون العربية الكلاسيكية نهائيا إلا في المحطات التي أتيت على ذكرها آنفا ، والحقيقة التي لا غبار عليها ، ولن تستطيع شعارات المتأدلجين مهما اختلفت تياراتهم وتوجهاتهم تغييرها وطمسها ، الحقيقة هي أننا نحن المغاربة ، نتوفر على لغات أم خاصة بنا نجملها كالآتي :
- نسبة تزيد عن الستين بالمئة تتتحدث الأمازيغية بتنويعاتها اللهجية المختلفة ولا علاقة لهام بعربية كلاسيكية أو دارجة إلا عند ضرورة قصوى فرضتها الإختيارات السياسية لمن استولوا على زمام الأمر كالتقاضي ، التعليم ، ، بل أن داخل هذه النسبة أزيد من الثلثين لا تتقن إلا الأمازيغية خصوصا من لم تسنح له فرصة مغادرة مسقط رأسه من النساء والأطفال .
- نسبة من المغاربة تتحدث الدارجة المغربية فقط ، أو الدارجة المغربية والأمازيغية ، خصوصا في المدن الكبرى التي استقبلت وفود المهاجرين من المناطق الأمازيغية ، والدارجة المغربية للإشارة مجال توارد بين العربية الكلاسيكية لغة القادمين من الشرق من العرب والأمازيغية لغة السكان الأصليين ، حيث أن العربية وبعد زحف أهلها على شمال افريقيا ، ومع مرور الزمن تحولت إلى منظومة لغوية محلية تتضمن اللسانين الأمازيغي والعربي ( الساروت ، خيزو ، تيغراد ، تانجارت ...) وهذا موضوع آخر .
- يتحدث سكان المناطق الجنوبية انطلاقا من كلميم لهجة هي أيضا مجال توارد بين الأمازيغية لغة السكان الأصليين والعربية لغة الوافدين من بني حسان وبني معقل وبني جرش ...( اوراغ يطلق على داء اليرقان ، أركاج = أركاز ، أكندي ، أمشقف ...)
علما أن أزيد من خمسين سنة من فرض العربية بقرارات سياسية وقوة عسكرية لم تفدها في شيء ، وأزيد من عشرين سنة من التعريب لم تفد المغاربة في شيء ، بل أن انتكاساتنا متوالية ، وما ترتيبنا في كل التقارير الدولية إلا خير دليل .
وبعيدا عن العاطفة ،والخلفيات والمرجعيات الإيديولوجية ، والنزعات الإثنية الإقصائية ، والأساطير والخرافات التي أضحت عند البعض مسلمات والمبررات الواهية من قبيل كون العربية لغة للقرآن والله والجنة وما شاكل من أوهام تعطيها الشرعية لإبادة ما سواها من اللغات ، رغم أن الله نفسه قذ قال في محكم كتابه " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم " وقال أيضا " إن في اختلاف ألسنتكم وألوانكم لآية " ، فلم يذكر الله تعالى أن الإسلام الحقيقي هو إسلام العرب أو من تعلم العربية ، ولا يمكن أن نحجب شمس الحقيقة بغربال الإيديولوجيا القومية الإسلاموية اللتان تمتحان من معين القومية الآسن ، القومية التي ناصرت العربي ضد الفارسي رغم كون كليهما من المسلمين لأزيد من ثماني سنوات ، والأصولية الدينية التي تناصر حماس ضد فتح ... القومية التي انطلق منها صدام الذي نعرف مصيره جميعا ، فقصف الأكراد بالكيماوي في حلبجة سنة 1988بعد أن فشل في تعريبهم وهنأه القوميون العرب ومنهم بعض المرضى من المغاربة ، صدام الذي جرجربلاد فارس إلى حرب استمرت ثماني سنوات وناصره العرب ...
بعيدا عن كل ما ذكر ، وصونا للأمانة العلمية ، وتشبتا بالمواثيق والمعاهدات الدولية ، نؤكد أن التشبت بالعربية الفصحى ، والدعوة إلى إحياءها ، أو فرضها ، محض مضيعة للوقت ، ولا نجد له مبررات في بلد في المغرب تركيبته السكانية يعرفها الجميع ، لا يشكل منها العرب إلا القليل ، وإن وجدوا ، فلغة أهل الدار أولى ، فلا يعقل أن نطالب بفرض العربية أيضا في أمريكا بحجة تواجد بعض العرب بها ، ولا يتقبل عقل سوي أن نطالب باسم الدين بإقرارها لغة للتدريس ، فرغم كون الفرس ، الأفغان ، الباكستانيين ، الأندونيسيين ، الماليزيين ، ومليار ونصف المليار من سكان العالم المسلمين لا يشكل منهم العرب الأقحاح إلا بضعة عشرات الملايين ، ويشكل الباقون الأغلبية ، لهم لغاتهم ، هوياتهم ، ثقافاتهم وحضاراتهم ، ، لغاتهم يدرسونها ويدرسون بها ، يتحدثون بها في كل المحافل ، ولكن لا يتحدثون ابدا العربية ، إلا خلال بضع دقائق يتطلبها تأدية الصلاة بالسور القرآنية ، بل أن الخطب الدينية ، وحلقات الوعظ والإرشاد ، كلها تقام باللغات المحلية ، ولا نجد بينهم من يدعو إلى تعريب التعليم أو الإدارة أو الحياة العامة على غرار ما يحدث في المغرب خصوصا وبعموم شمال إفريقيا ، ففي إيران مثلا ، لا يتحدث الناس إلا الفارسية ، ولا يتعلم الأطفال إلا بالفارسية ، وعندما يتوجه قادة إيران إلى العالم ، يتحدثون لغة الشعب والشارع والقيادة : الفارسية ، ولا يجد الفرس أدنى حرج في استعمال لغتهم التي ورثوها عن أجدادهم في كل المحافل والمنتديات ، فهل يحدث نفس الشيء هنا ؟
إن دعوات إحياء اللغة العربية ، ومساعي فرضها بالقوة تارة وبالحيلة أخرى ، مع توظيف الديني والإيديولوجي بقوة ، وهي أمور تزوق بها جرائد ومنابر إعلامية كالتجديد والمصباح صفحاتها ، دعوات لا تجد لها أي سند في الواقع ، فالواقع والوقائع والتقارير الدولية والمحلية ومعطيات الواقع كلها ، أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن سياسة التعريب القسري لم تنتج إلا هدرا وفشلا دراسيا ، ومآلها الفشل الذريع ، وقد فشلت فعلا ، فما الجدوى من المطالبة من جديد بالتدريس بالعربية الفصحى ؟ في بلد لا وجود به للفصحى إلا في خطب الجمعة ونشرات الأخبار الركيكة التي لا يكاد يفهمها حتى مقدموها ، والخطب الرسمية ، أما ماعدا ذلك ، في الشارع ، في البيت ، في السوق ، في القسم ، وفي كل مكان ، لا يتحدث المغاربة ، ولا يستعملون ، ولا يتعلمون من أمهاتهم إلا المنظومات اللغوية التي أتيت على ذكرتها قبلا ، علما أن كل البلدان الناجحة ، البلدان التي انطلقت فعلا ، وأراد حكامها ومنظروها لشعوبها الخير ، الأمم التي تحترم نفسها ، والشعوب التي تتطلع إلى المستقبل ، تنطلق من ذواتها ، من خصوصياتها ، من حضارتها ، ومن هويتها ، لا ترسم إلا لغات شعوبها ، ولا تدرس لشعوبها إلا لغاتهم وبلغاتهم ، طبعا مع الإنفتاح على لغات العلم القوي اقتصاديا وسياسيا وعسكريا وثقافيا وهي أمور يفتقدها العرب ...
فلننطلق إذن من ذواتنا ، ولنؤسس مشاريعنا التربوية على مقوماتنا المحلية ، بعيدا عن المسلمات التي لا تجدي نفعا ، فالعربية حتى في مهدها مصيرها الزوال ، فقد زالت قبلها العبرية وهي لغة لكتاب مقدس لا يقل أهمية عن القرآن وهو التوراة ولم تحيها إلا جهود وتضحيات أبناءها ليس بفرضها على العالم ، ولكن بإحيائها بين ذويها ، واندثرت اللاتينية لغة العلم والفنون ، ولم يتبق منها إلا بضع ترانيم تردد بالكنيسة أيام الآحاد ، وانقرضت الآرامية وغيرها من اللغات ، فقط لأن شعوبها تخلت عنها ، فكيف بنا أن نطالب شعبا بترك لغته وحضارته وثقافته وهويته ، واحتضان لغة وحضارة آخرين ؟ وهل يا ترى سيقبل العرب في عقر ديارهم أن تفرض الأمازيغية لغة رسمية رغم كونها لا تتحدث من قبل أحد هناك ؟ وهو حال العربية الكلاسيكية هنا .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عموما ممتاز, استاذ الطيب امكرود
عبد الله بوفيم ( 2009 / 11 / 5 - 20:33 )
صدقت عندما قلت أن الله عز وجل لا تفاضل لديه بين اسلام العربي والأعجمي, وصدقت إذ قلت أن اختلاف الألسن والألوان دائم إلى يوم الدين, ولا يمكن أن يكون البشر عامة على لسان واحد, اشكرك على استدلالاك بالآيات القرأنية الدالة على ما ذكرت اعلاه
نعم صدقت لكنك حين تنبأت بزوال اللغة العربية كنت حالما ولم تبن تنبأك على حقائق علمية, وقارنت بين العربية والعبرية, وشتان بينهما
العبرية منطوية على نفسها, ودينها يغلب عليه الطابع العرقي بالدرجة الأولى, لكن الدين الاسلامي الذي تحمله اللغة العربية دين العالمين, ولا يعرف فضلا لعربي على أعجمي, ولا لأبيض على اسود, الدين الاسلامي ينتشر في الكون عامة, وتصحبه اللغة العربية حيث حل, تصحبه ولو للظهور في الأماكن التي ذكرتها من المسجد والقسم والمحكمة وغيرها
المهم هو أن اللسان الأمازيغي في المغرب من المستحيل أن ينقرض, ومن يحلم بذلك فهو واهم, كما يكون واهما من يظن أنه سيحد من نفوذ اللغة العربية في المغرب وفي العالم أجمع

اخر الافلام

.. مطعم للطاكوس يحصل على نجمة في دليل ميشلان للمطاعم الراقية


.. فاغنر تتكاثر في ليبيا وتربط بين مناطق انتشارها من السودان إل




.. الاستئناف يؤكد سَجن الغنوشي 3 سنوات • فرانس 24 / FRANCE 24


.. روسيا تتقدم في خاركيف وتكشف عن خطة لإنشاء -منطقة عازلة- |#غر




.. تصعيد غير مسبوق بين حزب الله وإسرائيل...أسلحة جديدة تدخل الم