الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دراسة / تحليل القصد في مناهج النقد

تحسين عباس

2009 / 11 / 6
الادب والفن



إن المتتبع لآثار النقد في الآونة الأخيرة سيرى أن النقد البنيوي هو الأسلوب المتبع غالباً في المقالات والمجاميع النقدية بعد أن كان النقد ألتأثري ( الانطباعي ) سائداً على الساحة الأدبية فالبنيوية لغة البناء أو الطريقة التي يقام بها مبنى ما . واصطلاحاً تطلقُ على منهج فكري يقوم على البحث عن العلاقات التي تعطي للعناصر المتحدة قيمة وضعها في مجموع منتظم . مما يجعل من الممكن إدراك هذه المجموعات في أوضاعها الدالة . وما يهمنا هنا ما يتعلق بالنقد . إن النقد البنيوي يتمركز حول النص ويعزله عن كل شيء ، المؤلف والمجتمع والظروف التي نشأ فيها ، ويرى أن الواقع الوحيد الذي يقوم عليه الأدب لايخرج عن الخطاب أو اللغة . من هنا تنصب عنايته على طبيعة المخاطبة وآلياتها وما نتج عنها من محاورة الأشياء المحيطة وأدواتها المتجددة وكيفية استخدامها وإخضاعها إلى منطق الحداثة الجديد والعلاقات التي تربط بين هذه الأدوات . فالعمل الأدبي كله دال ، وإذا كانت اللغة هي المادة الأساسية لبناء النص الأدبي التي يستخدمها الكتاب ، فان النقد الأدبي الذي ينحو إلى تكوين لون من المعرفة عن هذه الأعمال اللغوية ، توجـَّبَ عليه أن يرتكز على مقولات علم اللغة ، وان يطلب منه أساسا الإجابة عن السؤال التالي : ماهي اللغة ؟ إذ تتوقف عليه الإجابة عن سؤال أخر هو: كيف يُصنعُ هذا العمل ؟ أي أن العمل النقدي يرتبط مباشرة بالعمل اللغوي ولا يرتبط بالميدان الآخر الذي يحدده سؤال ما هو الأدب ؟ فالتنقيب عن قصديـَّة المفردة يـُمكـِّن الناقدَ أن يحصلَ على الأهداف الأدبية للكاتب ؛ وقد ذهبت مدرسة أخرى في النقد إلى الاعتناء بالفكرة على أنها أكثرُ وجوباً من صياغة اللغة بداعي إن الفكرة عامل الجذب الأول للمتلقي وهذا ما لانراه في المجالس الريفية أوالشعبية مثلاً عندما يجلس متحدثان ليرويا حادثة واحدة فهناك من يجذب المستمع وكأنه يعيشُ حقيقة ً في قلب الحدث وهناك من يحاول الجُلاس تجاهلَ سردهِ ، فمن خلال الأسلوب الفني للغة يُمكنُ تهيئة َالعامل النفسي الجذاب للمتلقي كي يتحققَ الهدف الذي يرومُ إليه الكاتب ، وحتى المدرسة التي ظهرت مؤخراً والتي تجمع مابين اللغة والفكرة فهي تنتمي بنقدها للأسلوب البنيوي لان الأسلوب الانطباعي في النقد يولد حالات كثيرة من الغبن مما يجعل الكثير من الكتاب يعتزلون النقد والنقاد وهذا بدورة يخلق فجوة كبيرة بين الملقي والمتلقي لان المنهج الانطباعي يعتمد على وصف الانطباعات والأحاسيس التي تتركها قراءة النص الأدبي في نفس الناقد ولا ادري إذا لم يتأثر الناقد بالنص وتأثر المتلقي فادى هذا التأثر إلى نيل أهم أهداف الأدب وهو تصحيح الخطأ واثبات الصواب فهل يكون النقد الانطباعي عادلاً في الساحة الأدبية ؟! ، بدلاً من تفسير النص الأدبي في ضوء نظريات علمية والحكم عليه على وفق قواعد وأصول ربما يكون النص بعيداً كل البعد عنها ؛ فالمنهج البنيوي يعتمد على أسسٍ علمية كما جاء في النظرية البنائية لصلاح فضل :
1- المستوى الصوتي حيث تدرس فيه الحروف ورمزيتها وتكويناتها الموسيقية من نبر وتنغيم وإيقاع .
2- المستوى الصرفي وتدرس فيه الوحدات الصرفية ووظيفتها في التكوين اللغوي والأدبي خاصة .
3- المستوى المعجمي وتدرس فيه الكلمات لمعرفة خصائصها الحسية والتجريدية والحيوية والمستوى الأسلوبي لها .
4- المستوى النحوي لدراسة تأليف وتركيب الجمل وطرق تكوينها وخصائصها الدلالية والجمالية .
5- مستوى القول لتحليل تراكيب الجمل الكبرى لمعرفة خصائصها الأساسية والثانوية
6- المستوى الدلالي الذي يشغل بتحليل المعاني المباشرة وغير المباشرة والصور المتصلة بالأنظمة الخارجة عن حدود اللغة التي ترتبط بعلوم النفس والاجتماع ، وتمارس وظيفتها على درجات في الأدب والشعر .
7- المستوى الرمزي الذي تقوم فيه المستويات السابقة بدور الدال الجديد الذي ينتج مدلولاً أدبيا جديداً يقود بدوره إلى المعنى الثاني أو ما يسمى باللغة داخل اللغة .
وبهذه النقاط نستطيع أن نحد من مستوى وقوع الغبن على الكاتب إلا في نقطتين الأولى التي تدرس المستوى الصوتي والأخرى التي تدرس المستوى الصرفي فنحن نعلم أن هناك تفاوتاً ملحوظاً في العقل الموسيقي أو ما يسمى بالإذن الموسيقية بين ناقدٍ وآخر وعليه يمكننا تفادي هذه الثغرة بوضع متخصص موسيقي يعقـِّب بتذوقه للموسيقى الباطنية الناتجة من جناس الألفاظ بعد الناقد المختص فهذه النقطة لها تأثير مباشر على المتلقي في الجانب النفسي كما هو ملاحظ في الأسلوب القرآني وما تحدثهُ الآيات في نفس القارئ في مختلف الإرشادات والمواعظ والوعد والوعيد ؛ أما المستوى الصرفي فقد انشقت منه آراء منها ما تقول بتجديد المشتقات ولو على حساب الميزان الصرفي في نحت مصادر جديدة ليس لها جذور في اللغة بداعي الحداثة والخروج عن العرف الأدبي ولا نرى في ذلك حجة كما سنتطرق لحل بعض المشاكل، وآخرون يقولون بجمع المعنى المتضاد في مفردة واحدة كما في ( لحن وتلحين من لحنَ ولحـَّنَ) فقد استخدمت هذه المفردة إشارة لمن خرج عن موسيقى الحركات النحوية في رفع منصوب أو جر مرفوع أو نصب مجرور وكذلك لمن خرج عن ميزان الصرف أي أنها الخروج السلبي عن قوانين اللغة ونفس المفردة تطلق على من رفع المستوى الصوتي في الشعر أي جمـَّل القراءة عن طريق الموسيقى وهذا ما لا يمكن تثبيتهُ منطقاً لغوياً يعتـدُّ بهِ فكيف يصبح الخروج عن نقطة الصفر يمينا كالخروج عنها يساراً -1 هل تساوي +1 ؟! ولو أنهم رجعوا للجذر الحقيقي للفعل المختص بالموسيقى لوجدوا مصدراً معبراً وهو ( نغمَ ونغـَّمَ ومنه أنغام وتنغيم حتى نحصل على اسم الفاعل المشتق من نغـَّمَ وهو مـُنغـِّم ) وقد انشقت في اللغة مدرستان الأولى التي تعتدُّ بالمبدأ الاعتباطي لدي سوسير والثانية التي تعتد بالمبدأ ألقصدي لابن جني وابن فارس ودروستويه وقد تلاهم حديثاً مؤسس النظرية الموحدة للغة عالم سبيط النيلي عموماً فهذا الاختلاف قد يُحلُّ من خلال دقة الجناس اللفظي للموسيقى الباطنية للحروف في النص الأدبي .
لكنَّ بعض النقاد والباحثين يرى أن للمنهج البنيوي ايجابيات وسلبيات . أما الايجابيات فالمنهج يفرض على القارئ دراية ًفي متطلبات اللغة إذ انه من الصعب – مثلاً- على قارئ الرواية الجديدة أن يكون مجرد هاوٍ للمتعة والتسلية . أو أن يكون غير ملمٍ بقواعد اللغة وفنون البلاغة ولكن هذه النقطة بالذات لا تضمن كثرة القراء وبالتالي سوف تحدُّ من انتشار الأدب مما يؤدي إلى خلق نوعاً من الأدبية المحدودة ( الارستقراطية ). لكنها يمكن أن تعالج من خلال أسلوب الناقد إذا استخدم اللغة البيضاء الخالية من الاصطلاحات المعربة في مقالهِ النقدي وبذلك يستطيع إيصال معلوماتهِ العلمية بشكل بسيط ومبسط . ومن ايجابياتهِ أيضا تهذيب عادات القارئ المتلقية بحيث يشارك مشاركة ايجابية وفعالة في تصور إمكانات النص وتوقع الحلول المختلفة للقضايا الفنية من أسلوب الناقد في اقتناء البدائل المعروضة لهذا يقول احد النقاد البنيويين العرب (( ليست البنيوية فلسفة )) لكنها طريقة في الرؤيا ومنهج في معاينة الوجود . وأما سلبيات المنهج البنيوي فأهمها التجاوز المتعمد لعالم القيم الذي ينشأ فيه الكاتب ويتأثر بهِ ، مهما حاول التجرد منه أو الترفع عليه في إنتاجه الأدبي ، لان اللغة نفسها مجموعة من الرموز الاجتماعية وأداة للتخاطب والتواصل . كما أن تجاهل عالم القيم يقضي على النقد البنيوي باستبعاد كل المضامين الأخلاقية والجمالية التي لا يمكن أن يخلو منها أي عمل فني من المستوى الرفيع. ( كمال ابو ديب ) في جدلية الخفاء والتجلي . وهذا ما لا ينطبق على نصوص الكتاب الذين يجردون نصوصهم من الانتماء القومي والعقادي فأحاسيسهم انطلقت من مفهوم إنساني بحت ومن ثـَم َّ أن النصوص التي خرجت بهذه الطريقة هي التي تنال أكثرَ عدد من القراء لأنها تخاطب جميع الانتماءات بصيغة عامة .

تحسين عباس








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الطفل اللى مواليد التسعينات عمرهم ما ينسوه كواليس تمثيل شخ


.. صابر الرباعي يكشف كواليس ألبومه الجديد ورؤيته لسوق الغناء ال




.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة الخميس


.. مغني الراب الأمريكي ماكليمور يساند غزة بأغنية -قاعة هند-




.. مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت