الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من داخل القمقم ( 1 )

الحكيم البابلي

2009 / 11 / 6
الادب والفن


تقول الحكمة : "العين التي لا تبكي هي العين التي لا تبصر" .
ليس هناك شيئ يستطيع بناء شخصية الطفل في السنين العشرة الأولى من حياته أكثر من ثنائي الأم والمعلم ، وكما يقول الشاعر : الأمُ مدرسة إذا أعددتها أعددتَ شعباً طيب الأعراقِ . وللأسف الشديد كان العراق وما زال بعيداً بمراحل عن إعداد هذا الثنائي الرائع ، ولهذا رأينا تعاقب أجيال الخيبات والتداعيات لأننا بنينا على رمال وليس على ترسانة كونكريتية كما فعلت بعض الدول الذكية .
يقول المثل الشائع : "خلف كل عظيمٍ إمرأة "، ولا أعتقد أن صاحب المثل كان يقصد الزوجة أو الحبيبة كما قد يتصور البعض ، حيث أنه في العمر الذي يلتقي فيه ذلك الأنسان بحبيبته تكون شخصيته قد إكتملت نوعاً ما ، ولو كان ( طرطوراً ) على سبيل المثال فليس بمستطاع أية حبيبة أن تجعله عظيماً ، ولهذا أعتقد أن المرأة التي تقف خلف عظمته هي الأم ولا أحد غيرها ، إلا في حالاتٍ نادرة . فالأم هنا هي المدرسة الأولى بلا شك ، وبعدها تأتي المدرسة التقليدية بمراحلها المعروفة والتي هي الأساس الكبير "العلمُ في الصغر كالنقش على الحجر" ، وخاصةً في مرحلة المدرسة الأبتدائية .
تأتي المدرسة لتستلم هذا المشروع الكبير المهم ( الطالب ) من أحضان الأم مباشرةً ، فتصقل وتُطور وتُشذب وتُهذب وتُلمع وتُنمي وتُوجه وتُعلم ، ومن آلاف المشاريع المهمة هذه ( الطلبة ) تتكون طلائع الأمة وترسانة المستقبل ، وإذا لم يكن المعلمين - وخاصة في المدارس الأبتدائية - بالمستوى المطلوب ، كان مردود المشروع ربما صفراً أحياناً ، وكلما إزداد عدد الأصفار شحب وجه الأمة وتهالك جسدها . وما أكثر الأصفار في بلداننا الشرقية
***********************
شاهدتُ في التلفزيون الأميركي ( american teacher award ) ، برنامج جائزة أحسن معلم/ة في أميركا ، حيث تم تقديم مجموعة كبيرة من المعلمين بعد تصفيات كثيرة مسبقة ، وتم عرض فلم قصير عن طريقة تعليم كل منهم وتبيان إجتهاداتهم الشخصية وأساليبهم الذكية في سبيل تطوير الطلبة ودفعهم نحو الأحسن وكلٌ في حقله .
في النهاية فاز بهذا الشرف الرفيع - على عموم أميركا - معلمة في أحدى مدارس المعوقين
ولأن الحكمة تقول : "نعثر على المستقبل من خلال الماضي" ، فقد أعادني هذا البرنامج في تلك الليلة الى الماضي البعيد .. لا مقارناً فقط ، بل متألماً الى درجة الخجل من واقعنا المؤسف .
تذكرتُ المعلمين الجيدين - على قلتهم - الذين بذلوا كل ما في وسعهم لتعليمنا وتهيئتنا وتعبئتنا للمستقبل . كانوا بمستوى المسؤولية تماماً .
وكما يتواجد الذهب بنسب صغيرة ممزوجة مع الحجارة الرخيصة في مناجمه ، كذلك كانت نسبة المعلمين الجيدين في مدارس العراق وعلى طول إمتداد القرن العشرين ولأسباب كثيرة أهمها تفشي الفقر الثقافي وعدم تهيئة وتدريب المعلمين بصورة مدروسة ودقيقة لهذه المهنة الخطيرة التي أعتبرها أهم مهنة في أي مجتمع إنساني متحضر ، وأعتقد كذلك أن مدرس الأبتدائية يجب أن يكون حاصلاً على تعليم وخبرة وشهادة وممارسة أكثر من أستاذ الثانوية .
وكم كان أحوجنا يومذاك الى معلمين محترفين ومتفانين في زمنٍ كانت مداركنا من السذاجة بحيث كنا نعتقد أن طن الحديد أثقل بكثير من طن القطن ، وأن فريد الأطرش هو أطرش ويأتي يومياً من مصر ليغني في دار إذاعة بغداد ومن ثم يعود أدراجه الى مصر ، كذلك كنا نعتقد أن الملك لا يتمرحض !!.
كان بعض المعلمين السلبيين الجهلة لا يعرفون الراحة النفسية إلا عن طريق التنكيل بالطلبة المساكين الذين كانوا حقلاً لتجاربهم ، يفرغون فيه كل ردود فعلهم ونقمتهم وخيباتهم الحياتية وعقمهم الأجتماعي ومشاكلهم البيتية .
كان من السهولة جداً لأي معلم أن يتحول الى عقدة نفسية مدمرة في وجدان الطالب ، والى كابوس يطارده طوال حياته ربما !!.
وغالباً ما يكون الطالب ( الضحية ) من عائلة فقيرة الحال ، أو بدين أو بليد أو قبيح الوجه أو خجول أو مخنث أو مصاب بعاهة أو لثغة أو من دين أو قومية أو لون مُختلف . ولم يكن يعرف الحقيقة الكبيرة غير قلائل من المعلمين ، وهي أن هذا النوع من الطلبة كانوا بأمس الحاجة الى المساندة والأهتمام والمساواة ، ولكن ... "لا تسير الرياح كما تشتهي السفن" ..... للأسف .
***************************
في المدرسة الأبتدائية كان مدير مدرستنا واحداً من أعتى مدراء ذلك الزمن ، ومما زاد في شراسته وإستقوائه وعدوانيته هو ضمانه لوظيفته بسبب قرابته لوزير قوي ومتنفذ ، كان يحمل نوع الشخصية ( البيوقراطية ) المتعجرفة التي يتصور صاحبها أنها سلطة منبعثة من سلطة الله .
كان إسمه الأستاذ بهجت ، وكنيته بين الطلبة ( صِكَرْ ) أي صقر ، حيث كان تهديده المفضل ( والله لا أصكركم صكر ) .
كان لهذا المدير عصا مغلفة بالجلد يسميها ( الخاتون ) ، يجلد بها راحة أيدي الطلاب المعاقبين في الأيام الشتائية الباردة أثناء الأصطفاف الصباحي في الساحة المكشوفة للعراء داخل سياج المدرسة ، ثم يأمر الطالب المُعاقب بخلع ملابسه ( النصف العلوي ) ليبقى هكذا مُعاقباً ومرتجفاً برداً وألماً طوال فترة الأصطفاف الصباحي والتي يتخللها أحياناً تفتيش النظافة والهندام وقص الشعر والأضافر وإلقاء المواعظ الفارغة .
أما المعلمين الذين كانوا تحت أمرته فقد حذو حذوه وأخذوا عصيهم الى رقاع المحلة الذي غلفها لهم بالجلد الأسود ، وكما يقول المثل العربي :" بال حمارٌ فأستبال أحمرة " .
كان الأستاذ بهجت يتجول بيننا بغطرسة بالغة كالطاووس أثناء الأصطفاف الصباحي . يديه خلف ظهرهِ ، ورأسه مرفوع بطربوشه العثماني الذي كان يحرص على لبسه في الأصطفاف الصباحي فقط ، وكان يردد بصوته الحاد النبرات : "أنا إبنُ جلا وطلاع الثنايا ..إذا حملتُ الخاتون تعرفوني" .
لحد اليوم لم أشاهد شخصية حياتية تقاربه في الشبه خلقةً وأخلاقاً غير شخصية ( مدير السجن ) في فلم ( سجين الكاتراز ) والذي مثل دور السجين فيه الممثل الشهير كلنت إيستود .
ربما كان الأستاذ بهجت يريد أن يُربي ويخرج جيلاً من المخصيين إجتماعياً ونفسياً حين كان يتفنن في خلق الطرق الخبيثة للحط من قيمة الطلاب وإذلالهم وكسر شموخهم ومعنوياتهم وتدميرهم نفسياً ، ولا أشك أبداً أنه نجح مع الكثيرين من هؤلاء المساكين . أقذر وأحط طرقه تلك كانت رفضه لتوسلاتنا وطلبات أهالينا المكرورة الملحاحة من أجل نزح مراحيض قسم الطلبة الممتلئة الخزان ، بينما كان هو يتمتع وهيئة المدرسين وبعض طلبته المدللين بمراحيض خاصة ونظيفة في بناية الأدارة ،
كان يستكثر علينا حتى حقنا في التمرحض ، وربما كان يعتبره ترفاً !! ، لأنه كان يُذكرنا دائماً بأن الوطن بحاجة الى ( زلم خشنة ) على حد تعبيره ، وكان يزعق في مسامعنا كل صباح "إخشوشنوا فأن الترف يزيل النِعَم" !! وكأن حبس الغائط في جسد الطلاب سيؤدي بالتالي الى خشونتهم !! .
وكغيره من المسؤولين في طول البلاد وعرضها كان يحاول تطبيق تعاليم وأحاديث بطرق سلبية مغلوطة غرضها التنكيل بالضعيف
كانت ساعات الدراسة تبدو أطول وتمر على بعضنا بألم ونحنُ بين حاقنٍ ( الذي يحبس بوله ) وحاقب ( حابس الغائط ) ، وأذكر هنا ملاحظة رائعة كنتُ قرأتها في كتاب ( مدارات صوفية ) للراحل هادي العلوي يقول فيها : ( أن الأسلام كان قد نهى القضاة عن ممارسة القضاء وهم حاقنون ، لأن هذا يُربك أحكامهم ويُعرضها للخطأ ) ، فكيف بطلاب صغار في الأبتدائية ولعدة ساعات في اليوم ؟!! ، حيث كان ذلك يسبب عرقلة في تفكيرنا وتركيزنا على مادة الدرس ، وكثير منا كان يتبول ويتغوط أينما إتفق و ( بالختلة ) . أحد الطلبة تغوط داخل الصف الدراسي أثناء تواجد بقية الطلبة في ساحة المدرسة أثناء فترة الدقائق العشرة بين حصةٍ وأخرى . البعض الأخر كان يتسلق سياج المدرسة الى الجانب الأخر المهجور ليعملها ويعود بسرعة البرق قبل أن يكتشفوا جريمته المُنكرة . وقد عوقب الكثير من الطلبة الذين تم القبض عليهم متلبسين بالجرم المشهود !!، كذلك تم إرسال الكثيرين الى بيوتهم قبل إنتهاء الدوام الرسمي .. يأكلهم خجلهم لأنهم فشلوا في سباق الماراثون لأطول مدة ممكنة لحبس الغائط !!، أنا وأخي الكبير كُنا نمتنع عن تناول وجبة الفطور في البيت كي لا نضطر لأستعمال المراحيض خلال ساعات الدوام المدرسي ، وكان الجوع مؤلماً أكثر بكثير .
كانت كل شكاوي الأهل وتهديداتهم الشفهية والتحريرية لأدارة المدرسة ووزارة المعارف تمر عبر "الى حيث ألقت رحلها أم قشعم" .
*******************************
زارنا ذات يوم مفتش وزارة المعارف عبر زيارته التفقدية السنوية لكل مدرسة . وأثناء الأصطفاف الصباحي راح يسألنا عن أحوالنا ويتفقد راحتنا وإحتياجاتنا ، تبرع بمستقبله أحد الطلبة ( الوكحين ) وكان أكبر منا حجماً وعمراً لأنه من المخضرمين بسبب سقوطه كل سنة في إمتحان البكالوريا للصف السادس المُنتهي ، وقال لحضرة المُفتش بأننا جميعاً بخير وعافية وفرحين ولا يعوزنا أي شيئ أبداً ( بصاية الله وصاية السيد المدير ) والذي سماه ( صقر الحق ) ، ولكننا ياسيدي المفتش لا نمانع لو أصريتم على فتح المراحيض بعد نزحها وتنظيفها ، ولا نمانع كذلك في الحصول على الكتب المجانية التي تقررها لنا مجاناً وزارة المعارف ، وسأعمل جاهداً على منع أي طالب من رفضه للصوبات ( مدافئ ) النفطية المتنقلة لغرف الدراسة الباردة ، كذلك ومن باب الأدب والأصول سنقبل ما تقرره الوزارة من (لابجينات وطوبة ) للفريق الرياضي لكرة القدم ، كذلك لن نمانع أبداً لو أحببتم إرسال معلم للغة الأنكليزية للصف الخامس والسادس حيث سيتم إمتحاننا في نهاية السنة باللغة الأنكليزية إن إتقناها أم لا .
كان المفتش يبتسم بعد أن إلتقط رسالة الطالب المشفرة ، ثم أعقب وبطريقة ساخرة قائلاً بأن حالنا تشبه أحوال عشيرة شمر التي يقول فيها المثل "إنها بخير ولا تعاني إلا من شحة الخام والطعام وقلة الخرجية" .
بعد أيام تم فتح المراحيض ونحنُ بين مهلل ومكبر ، وقد أحسسنا بالترف الحقيقي الذي كان يقصده الأستاذ بهجت ، وبدأنا أخي الكبير وأنا نستمتع بوجبة الفطور قبل ذهابنا الى المدرسة كل صباح ، وقام طلبة الصفين الخامس والسادس بأكتشاف مجاهل وغابات اللغة الأنكليزية بقيادة معلم الرياضة الذي كان يجهل حتى أصول وقواعد اللغة العربية . أما بقية طلباتنا فقد نُسِبَت الى قائمة الكماليات والبطر
********************************
كان الأستاذ بهجت أبيض البشرة أحمرها ، ذا أنفٍ أقنى وعينين سوداوتين منطفأتين كعيني سمك القرش ، طويلاً نحيفاً نزقاً إنضباطياً حاد المزاج والصوت ، كانت صفاته أقرب الى صفات الضابط الأنكليزي منها الى المعلم العراقي
كان لئيماً وطالما إستهدف بلؤمه الطلاب الفقراء من أبناء العوائل المسحوقة طبقياً وإجتماعياً ، بينما كان يتودد لدرجة الأذلال لكل من كان إبن غنى أو مركز أو جاه ، وعليه تماماً ينطبق قول أبو حيان التوحيدي : "ما تعاظم أحدٌ على من دونه ، إلا بقدر ما تصاغر لمن فوقهِ ".
********************************
كان ( سمير ) أحد الطلبة وإبن ضابط كبير في الجيش الملكي يومذاك ، محط إهتمام وحب وتملق المدير والهيئة التدريسية .
كان سمير يرفع العلم كل يوم سبت أثناء الأصطفاف الصباحي ، وهو الذي يردد الأناشيد والقصائد ، وهو مراقب الصف ، ودائماً وأبداً الأول على الصف ، ولم نكن نعرف هل كان ترتيبه الأول دائماً لتفوقه وإجتهاده بحق .. أم لمجاملة وخنوع للسيد الوالد ؟!. وحتى لو كان لأجتهاده ... فلم لا ؟ وكل الظروف الأيجابية تحيط به وترعاه وتحضره ليكون سيداً على أقرانه في المستقبل بشكلٍ من الأشكال وبصورة من الصور ، فمجتمعنا العراقي والعربي كانا وما زالا يحضران دوماً لدراما الحاكم والمحكوم والظالم والمظلوم والراكب والمركوب .
وطبعاً في كل صف من الصفوف ، وكل مدرسة من المدارس كان هناك ( سمير ) بأسم مختلف و "ماكو زور يخلة من واوي " .
وبعكس كل هذا الحب والدلال والأهتمام كان الأستاذ بهجت يعادي وبشدة الكثير من الطلاب المغضوب عليهم وبصورة علنية ومُستهجنة ومُلفتة للنظر . كان جزء كبير من عدائهِ قد إنصب على رأس طالب مسكين نسيتُ إسمه لأن السيد المدير كان دائماً يكنيه تحقيراً بأسم ( باروخ ) . وباروخ هو إسم يهودي ويقابله في العربية إسم ( مبارك ) وفي الآرامية إسم ( بريخو أو بريخة ) ، وليس مثل العرب والعراقيين أناسٌ يستهويهم التنابز بالألقاب !!.
كان باروخ هذا طويلاً نحيفاً بهزال ، دميماً تحتل وجهه عدة ثآليل ( فالول ) كبيرة ، رث الثياب يلبس طوال موسم الدراسة لباس الرياضة الأسود القصير مع ثوب مخطط وبلوزة صوفية مثقوبة عند العكسين ، كان لباس الرياضة الأسود هو لباس أغلب الطلبة الفقراء يومذاك وربما لحد اليوم !!.
كل تلك الصفات جعلت باروخ موضع تندر وتسفيه المدير وهيئة التدريس وإنتقلت كالعدوى الى غالبية الطلبة الذين كانوا يتحلقون حول باروخ وهم يهزجون ( سمير فوك المنارة ... وباروخ جوة الطهارة ) ، وهو أمرٌ مُحزنٌ حقاً ومؤسف عندما ينقلب المرء ضد صنوه تعاطفاً مع القوي !!!. ولم يكن هؤلاء الصغار يمثلون بعملهم ذاك إلا كبارهم .. " فالولد على سر أبيه يكبر" .
ذات يوم تشاجر باروخ مع طالب آخر وضرب أحدهما الأخر ، كان أمراً إعتيادياً يحدث بين الطلبة كل يوم وهم يتناقرون كما تتناقر الديكة ، ولكن باروخ لم يكن محبوباً من قِبَلِ آلهة المدرسة ، وكما يقول المثل العراقي العامي : ( مكروهة وجابت بنية ) !!.
في الأصطفاف الصباحي لليوم التالي ظهر الصكر وبيده الخاتون التي كنا نعتبرها نذير شؤم . وقف الصكر وسط الساحة وبأعلى صوته راح يُلقي على أسماعنا محاضرة في التربية والمُثل العليا والوطنية ومكارم الأخلاق ، فكان "كتلك العاهرة التي تحاضر عن الفضيلة " . بعدها راح يُسَوِد تأريخ باروخ المدرسي ، ناعتاً إياه في نهاية قائمة الأتهامات بالغباء والكسل والفوضوية والقباحة !!، تماماً كما تُتلى الأتهامات قبيلَ تنفيذ حُكم الأعدام .
وكما في الأفلام السينمائية ، كانت هناك دقيقة صمت متعمدة لأشاعة الرهبة فينا ، كان الصكر خلالها يُشمرُ عن ساعديهِ بطريقة ذكرتني بوالدي وهو يُشمر عن ساعديهِ كلما أراد ذبحَ بعض دجاجاته في أيام الأعياد والعطل الرسمية .
بعدها نوديَ على إسم باروخ الذي تقدم وهو يسحل خطواته المتباطئة وفي عينيه نصف المفتوحتين حزنٌ شفيفٌ يشبه غُبش صباحات الخريف .
تقدم ذلك الكائن الموجوع ، ولن أنسى ما حييتُ وجهه الحزين وعينيه المتوسلتين وهو يرمقنا من تحتِ حاجبيه طالباً عوناً لم نكن نملكهُ ، تقدم خطوات أخرى على مهل وكأنه يريد أن يوقف الزمن ، ثم وقف أمام السيد المدير الذي طلب منهُ أن يبسط راحة يديهِ لينال عقابه .
إمتنع باروخ أن يأتمر ، شبك ذراعيه فوق صدرهِ وهو يهز رأسه رافضاً يميناً ويساراً ، وإنفجرت دموعه وعلا نشيجه المتقطع القادم من عمق تداعياته وتوحده أمام قطيع الذئاب . كان يعرف تماماً ما هو مقدمٌ عليه ، وأعتقده كان قد قرر مع سبق الأصرار وقف تلك الأجتياحات الملحاحة لكيانه الأنساني وكرامته المثقوبة
المُهانة بلا سبب ، كانت قد أصابته حالة من العزة رغم علمه المسبق بحجم الخسارة التي ستلحق بهِ ، وكان يبدو مصراً على صعود الصليب رافضاً أن يحني رأسه مرةً أخرى ، وكما يقول جبران خليل جبران :
وفي الزرازيرِ جبنٌ وهي طائرةٌ ................. وفي البزاةِ شموخٌ وهيَ تحتضرُ .
وبأعلى صوته صرخ الصكر ووجهه يتمعر غضباً : هم أكو واحد منكم يلومني ؟ ،
ثم إنهال بالخاتون على جسد باروخ الذي راح يحمي وجهه بيديهِ وبعد لحظات من المقاومة ثارت ثائرتهِ وإنتزع العصا من يد الصكر وهو يصرخ بجنون وقذفها بقوة خارج أسوار المدرسة ثم هرول الى باب المدرسة الخارجي وهو يصرخ بمرارة مغادراً المكان الى الأبد . ولم يكن يُسمع في ساحة الأصطفاف بعد ذلك غير صوت بكاء الطلبة الصغار العمر وهم يشهقون كمَّن شرق بماء .
بعد أيام صدر قرار الهيئة التدريسية بطرد باروخ لما تبقى من السنة الدراسية .
إشتغل باروخ في معمل الثلج القريب من المدرسة ، ورفض بشدة بعد تلك الحادثة أن يُكلم أو يحيي أي طالب ينتمي لمدرستنا ، فالجروح العميقة تحتاج الى زمنٍ طويل كي تلتئم .
وإن كانت جروحي النفسية التي سببتها تلك الحادثة لم تلتئم بعد ، فكيف بالأحرى هي جروح ذلك الأنسان الضحية ..... باروخ ؟!!.
اليوم وبعد أكثر من خمسين سنة على تلك الحادثة نقرأ كل يوم عن الحالة المُزرية التي وصلت إليها مدارس العراق ونتسائل : هل حقاً هناك من يلوم الشعوب في تعثرها على الطريق الوعر الذي أوجده حكامها الأنانيين ؟؟ .
تحياتي
********************************
قريباً ( من داخل القمقم 2 )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - السيد الكاتب الحكيم البابلي المحترم
قارئة ( 2009 / 11 / 6 - 15:31 )
محزن الحديث عن جروح الماضي بعد أن حفرت مجراها في حياتنا ,هل يكون الحديث عنها في الأدب اٍلا لتنشيط جهاز المناعة ضد آثارها الخبيثة التي تطال حتى من طمأنينة الحاضر ؟ أليس لوناً من التطهّر والانعتاق من القلق ؟ لعل ذكرانا المؤلمة نعمة تجاه مصائب الآخرين , وأن تكون أنت على هذا القدر من العافية العقلية فهذا يعني ارادة الانسان أقوى من ظروف الحياة . ماذا يخبئ القمقم يا علاء الدين ؟


2 - لا أعرف ماذا أقول ؟
شامل عبد العزيز ( 2009 / 11 / 6 - 16:38 )
تحياتي أيها الحكيم الرائع .. منذ 50 عاماً وأنت تسرد رؤية وكأنها يوم أمس ..نقلت لنا صورة ماسأوية بأسلوب رائع جعلتني اتوقف كثيراً امام كل ما جاء في مقالتك وأستحضرتُ جزءاً منه في السادس الأبتدائي ولكن بعد سنين من أيام دراستك .. لان مدير مدرستي كان يحمل عصا ولكن ليست كعصا الخاتون .. المهم كانت النتيجة أقل تأثيراً على نفسي من تأثيرها عليك ..
أنا شاكر لفضلك سيدي ..
أتمنى ان تمحو الأيام ما تبقى من أثر في نفسك وأن تكون مدارسنا بالمستوى المطلوب من أجل طفل يكون رجلاً في المستقبل
تقديري واحترامي ايها الرائع


3 - تراجيديا متألقة
صلاح يوسف ( 2009 / 11 / 6 - 17:20 )
عزيزي الحكيم، تحياتي وتقديري لك على هذا المجهود الطيب. فقط هل لي أن أسأل: هل قام النازيون في البلاد التي احتلوها بجلد الأطفال وتوقيفهم عرايا لينهشهم البرد ؟؟؟؟ ندمر كرامة الأطفال ثم نتساءل بغباء لماذا هزمتنا الأمم ؟؟؟ لماذا لا نطالب بالمحاكم الشعبية لهؤلاء المجرمين ؟؟؟ لقد تركنا ثلة من الجهلة والأغبياء تتحكم بمصير الوطن مستقبله، فجاءت النتائج منسجمة تماماً مع المقدمات. التعليم العربي يهدف إلى محو التفكير المستقل وتربية الإذعان وطاعة الأمر وتدمير الطموح والرغبات والميول. إنه عمل تراجيدي ضخم وإبداعي بكل المقاييس.
تحياتي للكاتب


4 - رائع
عبد القادر أنيس ( 2009 / 11 / 6 - 17:23 )
قصتك رائعة هذه المرة، وليس لي إلا أن أشكرك على المتعة التي وجدتها وأنا أقرأها.
شخصيا ترأست لفترات طويلة جمعية أولياء التلاميذ حيث درس أبنائي، وقد لاحظت أن الأسرة والأولياء عموميا يلعبون دورا محوريا في تردي أو تحسن العلاقات في المؤسسات التربوية. للأسف، خيبة أملي كانت كبيرة لأن الأولياء لا يشعرون بالحاجة إلى التقرب من المدرسة وحضور الاجتماعات ونسج علاقات وثيقة مع المعلمين وتشكيل لوبي ضروري لو وزنه المؤثر على سير المدرسة . لعل هذه اللامبالاة نجدها أيضا في عزوف الناس عموما عن المشاركة الإيجابية في حياة المجتمع، وهو ما تعنيه كلمة المواطنة والمجتمع المدني.
يبدو أن لكل مجتمع المدرسة التي يستحقها.
تحياتي مرة أخرى للحكيم.


5 - يا ترى ما الذى يختبئ داخل القمقم !!
فاتن واصل ( 2009 / 11 / 6 - 17:32 )
الأستاذ الفنان المؤرخ الحكيم البابلى .. تداعت امامى الذكريات ذكرى مدرسة الدين التى كانت تعاقب طفلة تعجز عن حفظ القرآن فتضربها أمام زميلاتها لحبها لحصة الألعاب وعشقها للرقص الإيقاعى .. وتهددها بدخول النار وبئس العذاب .. ومدرسة الحساب التى تمسك بعصا وتدق فى طرفها قطعة كاوتش بطول الكف وتضرب بها البنات على أرجلهن الصغيرة لأنهن لم تستطعن الحل الفورى لمسألة حسابية أو أن ينطقن وبسرعة حاصل ضرب عددين من جدول الضرب وهناك مدرسة التاريخ الطيبة الحنون التى تمرض فجأة وتموت تخرج طالبات المدرسة جميعا عن بكرة أبيهن إلى جنازتها ..... المدرسين والمدرسات يؤثرون فى حياتنا ولا ننسى ما يفعلونه فينا .. لو يعلمون كم لهم من تأثير لتوخوا الحذر وفكروا مئات المرات قبل أن يفعلوا أو يتفوهوا باى شئ .. اليوم وبعد هذه الجرعة من التداعيات تسببت فيها أنت بقمقمك السحرى وخرجت علينا يسبقك ضباب الماضى لا يسعنى سوى أن أقول لك فى إنتظار باقى حالة الخروج من القمقم لعله يخرج ما فى دواخلنا من آلام وبقدر أستمتاعى بكلماتك بقدر ألمى لحال أبنائنا وبلادنا


6 - نص جميل
رعد الحافظ ( 2009 / 11 / 6 - 18:13 )
للهِ درّكَ يا حكيم
من أين تأتينا بتلك الأمثال والتعابير ؟ ثم تبكينا وأنتَ تستعد للتوقف عن الكلام المباح
بالَ حمارٌ ..فأستبالَ أحمرة , يالهُ من مَثَل ينطبق على المنافقين المهللين والمباركين لكبيرهم مثلما كانوا ومازالوا في بلادنا يفعلون ..لا أعرف الفرق بين البشر.. الى هذا الحدّ يصل؟
هنا أي خطأ بسيط في حق التلميذ , تجد الدنيا كلّها تتصدى للمعلم حتى الصحف تلتقي الطالب وأهلهِ وتسألهم عن مشاعرهم وصدمتهم
لكن من أين لك كلمات حاقن وحاقب وقد كنتُ أطنّ نفسي متمكن لغوياً ؟
بالنسبة لنسخة فلم الكاتراز التي شاهدتها أنا , ليست التي تحدثتَ عنها , فهي حديثة نوعاًما
وليس بين الأبطال كلينت إيستوود الممثل والمخرج العملاق
ذكركَ لأم قشعم , سأستعيرهُ إن سمحت مستقبلاً في مقالاتي , لكني سأضيف عليهِ لمساتي حتى لا تتهمني بالسرقة الادبية دون ذكر المصدر..سأقول بدلهِ أمّ قثم....هل توافق ؟
مثالكَ عن عشيرة شمّر (هي بخير ولا ينقصها سوى المال والخام والطعام ),ذكرنّي بكلام
صديقي وليم , كان ينكّت معنا كثيراً , كن يقول لأكثرنا دمامةً : انتَ كنتَ لتصبح ملك جمال العالم ..لولا خلفتكَ , (يعني لولا شكلكَ القبيح ),بالنسبة لي كنتُ أحبّ الموسيقى لكني لا أعرف حتى النقر على الدف..في حفلاتنا الكل يعزف


7 - ردود للورود ......... # 1
الحكيم البابلي ( 2009 / 11 / 6 - 19:04 )
سيدتي العزيزة قارئة
تحية عطرة
أتفق معك على أن بعض ذكرياتنا المؤلمة هي نعمة بالنسبة لمصائب الأخرين . أحس أحياناً بأنني محظوظ مقارنةً ببعض الرفاق والأخوة الذين إبتلعتهم دوامة العدم
أما عن الأرادة ، فهي السلاح الوحيد الذي قد يجده الأنسان في حوزته عندما يفقد كل شيئ أ وإن ام يحسن إستعماله .... فالدوامة فاتحةٌ فاها وتنتظر
وعن سؤالك : ماذا يخبئ القمقم يا علاء الذين ؟
في القمقم حكايا وعبر وعبرات ، أحاول أن ألتقط الصور التي حولي لأتعرف من خلالها على معالم العالم الحقيقي الواقعي من خلال صفاء دمعة الأنسان
شكراً لحروف فكرك الجميل
براعم تعليقاتك تجد محلها المناسب دائماً في حقول الناس الطيبين
تحياتي
***************************
يا عزيز الروح ويا بعد عيني .. شامل
تحية طيبة
نعم يا صاحبي ... عندما تكون حالة ( المشاركة الوجدانية ) هي بوصلة النفس البشرية ، فالذاكرة تكون من الدقة بحيث تبدو أصغر تفاصيل المأساة بحجم شاشة السينما سكوب
الذكريات مدمرة بمطارقها أحياناً ، لكنها مريحة عندما نحولها الى كشافٍ لروية الحاضر والمستقبل ، وهذا ما فعلتُ بها
شكراً لمرورك أيها الصديق .... نورتنا
تحياتي
***************************
الصديق صلاح يوسف
تحي


8 - ردود للورود ...... # 2
الحكيم البابلي ( 2009 / 11 / 6 - 19:57 )
الصديق عبد القادر أنيس
تحية طيبة
جميلٌ أن تكون أفكارك وحروفك في زيارتي اليوم سيدي
حتى هنا في المهجر اللا أبالية سيدة الموقف دائماً عندما تتعلق الأمور بحرص المهاجرين الشرق أوسطيين على متابعة مسيرة أطفالهم في المدارس
وهم لا يدركون بأن مهمة المعلم لا تكتمل إلا بتعاونهم معهُ . ولكننا سيدي من أشلاء مجتمعٍ إن لم يكن قد مات فهو يحتضر ، والمثل يقول في الأهمال : ( المال السائب يؤدي الى السرقة ) ، والمال هنا يشمل حتى أطفالنا طبعاً ، وإن لم نحرص على مستقبلهم فهي الفاجعة التي لن تؤذي سوانا وأوطاننا بالتالي
شكراً لمرورك سيدي
تحياتي
**************************
السيدة والصديقة فاتن واصل
تحية عطرة لصاحبة الأفكار الأنيقة
( ضرب البنات على أرجلهن الصغيرة ) الذي تكلمتِ عنهُ يسموه عندنا في العراق ( فَلَقَة ) ، واحدٌ من المظالم التي كانت موجهة لتحطيم كيان مستقبل الوطن من خلال تحطيم كبرياء وشموخ الطالب وإعتداده بنفسهِ ، والفلقة من النقاط المذكورة في (من داخل القمقم 2 ) والتي سأنشرها قريباً
في جعبتي ذكريات لا تُنسى ، وخطايا لا تُغتفر لبعض المعلمين الذين كانوا ( يفشون خلقهم ) في براءة الطالب المسكين ، وكما قال زميلنا د. صلاح يوسف فأن بعضهم يستحق المحاكمة والعقاب ،


9 - كم هي جميلة ذكرياتنا
دوسر ( 2009 / 11 / 6 - 20:24 )
السيد فنان الوصف ----- حكيم بابل
للمرة الثانية تأخذنا فوق حصانك المسحور لنزور الماضي بافراحه وأتراحه
انت فنان مبدع في الوصف . ودقيق في رسم الشخصيات المختلفة وأكثر دقة في تصوير اللحظات الحاسمة عندما تتأزم الأمور في القصة
لا أعرف لماذا لم نقرأ لك في السابق . أين كنت ؟
سؤالي هو هل كان الطربوش من اختراع المصريين أم اهل الشام لأنه ليس للعراقيين الذين كانوا يلبسون السدارة التي تشبه العسكرية ؟
مرحاض مدرستك لم يكن الوحيد الذي لا يعمل . ولو أقول لك عن المرحاض في مدرسة القديمة ستكفر بالحكومات كلها كلها . وشكراً على المضحك في مشاكل المرحاض المدرسي لأن مواضيعك جداً حلوة . شكراً أخي


10 - ردود للورود ..... # 3
الحكيم البابلي ( 2009 / 11 / 6 - 22:04 )
الصديق الوفي رعد الحافظ
تحية وسلام واشواق
المثل القائل : ( بال حمارٌ فأستبال أحمرة ) هو حقيقة في طبائع الحمير ، والظاهر أن بعض البشر يشتركون معهم في بعض العادات عندما يحاولون تقليد من يعتبرونه قدوة لهم حتى وإن كان قدوة سيئة ، وهكذا نرى تأليه بعض الناس من قِبَل من لا فكر لهُ من الناس . وفي الأنكليزية لهم مثل مُختلف ولكنه بنفس المعنى
monkey see monkey do
أما عن إستعمالاتي لمفردات اللغة العربية,والتي أعجبك بعضها ، فهي نتيجة لعادة قديمة وممارسات طويلة جداً في فتح قواميس اللغة كل ليلة ولمدة ساعة واحدة بحثاً عن اللأاليئ ، وقد علمني إياها الأستاذ قدوري ، ذلك المعلم القدير في درس اللغة العربية في المدرسة المتوسطة ، والذي لو كان كل معلمي العراق أو حتى نصفهم على شاكلته لكنا اليوم من الدول الواقفة على أقدامها وليس النائمة على خيباتها

يوجد 3 أفلام عن سجن الكاتراز الأميركي ، واحد منهم للممثل كلنت إيستود ، وهو أحسن الثلاثة بحق ، أنصحك بتأجيره ومشاهدته ... تحفة
وكيف سأتهمك بالسرقة الأدبية أيها الطيب ؟ الأمثال والحِكَم في متناول الجميع وليست حكراً على أحد ، وهي حصيلة تجارب وأفكار وتفاعل الشعوب ، وقد وجدت أصلاً لخدمتنا
أكثر سبب جعلني اُشبه الأستاذ بهجت ( الصكر ) بالضا


11 - ردود للورود ....... # 4
الحكيم البابلي ( 2009 / 11 / 6 - 23:08 )
السيد دوسر المحترم
تحية طيبة
ربما يكون وصفي الدقيق ورسمي للشخصيات المختلفة ناتج عن خبرتي البسيطة في الكتابة المسرحية والأخراج والتمثيل . التعامل مع الشخوص المسرحية يحتاج الى دقة متناهية في التفنن بأظهار معالم تلك الشخصية الى حيز الوجود وبصورة تختلف عن الشخصيات الأخرى المتباينة ، العمل المسرحي يعطينا دائماً مفاتيح لكثير من المغلقات الحياتية
أما عن السدارة .. فقد إشتهرت في العراق لأن الملك فيصل الأول لبسها فقلده الشعب ، حتى إنها سُميت بالفيصلية
أما الطربوش فقد أصبح شعاراً للرأس بعد إصلاحات مراد الرابع سنة 1623.م
في مصر والشام يسمونه طربوش ، وفي العراق يقولون ( فينة ) لأن الكلمة مأخودة من فينا عاصمة النمسا
، وأهل الموصل يسموه ( فيس ) للدلالة على هذه الأسطوانة الحمراء التي إختارها السلطان شعاراً للرأس بعد أن أعجبتهُ وهي على رأس غانية بلغارية
أول من أدخل صناعة الطربوش الى مصر كان محمد علي باشا الكبير سنة 1808. م
كلمة طربوش مأخودة من الفارسية ( سربوش ) وتعني : غطاء الرأس
شكراً سيدي على مرورك
تحياتي


12 - من ( خارج ) القمقم
فارس أردوان ( 2009 / 11 / 7 - 04:06 )
قال أحدهم : إذا ذبلت زهورُ الخير .. نبتت أشواك الشر
أخي الحكيم البابلي
من خلال تصويرك الرائع للجلاد الذي يعتقد بأنه إنسان ومربي ، والذي دمر وإغتال انسانية وبراءة باروخ البرئ ، جعلتنا ننبش ذاكرتنا مستعيدين ذكريات الدراسة الأولى . ولحسن حظي لم أمر بما مَررتَ به في دراستي الأبتدائية
من الصف الأول الى الرابع كنت في مدرسة مختلطة كل كادرها التعليمي من النساء ، كانت سنوات جميلة وعذبة وإنسيابية جداً ، لم يكن بيننا لا حاقن ولا حاقب ، والغريب أنني لا أذكر سوى أسماء زميلاتي من البنات ، سمر وفوزية وإلهام
كانت سمر شريكتي في الرحلة المدرسية ، فتاة سمراء جميلة ، وكانت المفضلة عندي
العجيب أنني لا أذكر أسماء الطلاب الذكور أبداً
في الصفين الخامس والسادس كنت في مدرسة النبراس للبنين بعد أن تم فصلنا عن البنات لخوف المسؤولين من الأختلاط في تلك المرحلة العمرية
كان مدير المدرسة الأستاذ عبد الله الخاصكي ، رحمه الله أسمراً قصيراً بشوشاً عطوفاً ويحبنا ويرعانا كأولاده ، كان يلاعبنا ويضاحكنا كلما رأنا ولا أذكر أبداً أنه ضرب أي طالب
كان يحمل معه مسطرة خشبية صغيرة يهدد بها فقط وأحياناً يلسعنا بذؤابتها بصورة محببة ، ولهذا لم تكن مسطرته مصدر تهديد لنا
عزيزي الحكيم
مشكلة المدار


13 - ردود للورود ........ # 5
الحكيم البابلي ( 2009 / 11 / 7 - 09:10 )
الصديق فارس أردوان
تحية طيبة
أعجبني عنوان تعليقك ( من خارج القمقم ) وهو رسالة مشفرة بحد ذاته
أحسد مدارس طفولتك ، وهي المدارس الحقيقية التي يتمنى أي طفل مهما قلت مداركه على أن ينتمي لها ، مختلطة ها ...؟ هذا ترف ، ولا ألومك على تذكر أسماء الحلوات الصغيرات ... سمر وفوزية وإلهام ، أن مجرد تذكر أسمائهن يقول لنا أشياء كثيرة تفي كتاباً كاملاً ....... أه يا صاحبي .. كم هو مقموعٌ ومفجوعٌ ومنكلٌ به ... إنسان الشرق الأوسط هذا ؟!! ، فقط لو يعرف العالم حجم الفجيعة في داخل الشرقيين !!! ، تباً للشرق ، ولقوانينه وعقليته وحكوماته وأديانه ووجوده حتى .... ومع كل هذا لا زلنا نبكيهِ كوطن وخيمة وأم
أحياناً أتمنى لو أقدر بطريقة ما أن أسلخ كل ذكرياتي التي تتجمع على شكل عصبٍ مشدود لا يريد أن يهدأ ... ولكن ليس لي كبير خيار
أسعدتني حروفك المشمسة من خارج القمقم
تحياتي


14 - حلاوة يا سيدي حلاوة
زهير دعيم ( 2009 / 11 / 7 - 12:34 )
اخي الحكيم البابلي ؛ قرأت الكثير من سيّر الحياة لكتّاب كبار ، ولا اخفيك ان قلت ان ما خطّه قلمك لا يقلّ عنهم جمالا وذوقًا وجمالية ان لم يفقهم.، فلغتك جميلة قريبة من القلب ، انسيابية ، هامسة الوقع..اعدتني يا رعاك الله (الله)..الى ايام الصّبا فقلت سقى الله تلك الايام وذكرها بالخير
اذكر اخي نصّا لست اذكر اسم كاتبه لدرس في الكتّاب ومعلم شرس رأى طفلا بل طالبا من طلابه يلهو بشيء ما اثناء الدرس فجُنّ جنون المعلّم واقسم اغلظ الاقسام انه ميت لا محالة ، وعندما اقترب من الطالب الصغير لعقابه وجده يحمل شيئا ما ، فسأله ماذا في يديك فقال الطفل مرتعشًا : حلاوة ...حلاوة يا سيدي حلاوة .
فضحك المعلم وقال هامسًا : هاتِ قطعة منها.
اخي البابلي دام قلمك ينزف ابداعًا

لك محبتي من الجليل


15 - طيب الروح زهير دعيم
الحكيم البابلي ( 2009 / 11 / 7 - 14:55 )
شكراً أبو الزوز الورد
رسالتك أفرحتني .... أفرحك الرب المحب الذي تعبد
اؤمن بعمق بأن الكلمة الحقة التي يكتبها صاحبها بعد أن تحترق بين ضلوعه هي الكلمة التي تهز وجدان القارئ وتغزو عمقه ، وأحاول دائماً أن أترك بصمة فكر إنساني تضغط برفق على حواس من يقرأني منبهةً إياه الى قباحات هذا العالم التي ربما لا نستطيع إيقافها ، لكننا حتماً نستطيع عدم المشاركة في الأمعان في تقبيحها ، وهذا هو واجب الكلمة الحقة ، ومتى إستطاعت الكلمة توعية إنسان واحد بما يحدث ، يكون الكاتب قد حقق هدفه
أشكر تعاطفك مرة أخرى ، ورغم سوء التفاهم الصغير الذي حدث بيننا في السابق فأنا أعرف يقيناً أي قلب كبير تحمل بين ضلوعك . مودتي وحبي
تحياتي


16 - المهاجر الساكن، في المضحك المبكي
سردار أمد ( 2009 / 11 / 7 - 20:52 )
سيدي العزيز الحكيم البابلي... من الجميل أنك لا زلت تحتفظ بكل تلك الذكريات والمعلومات والأحداث بالرغم من مرور السنوات الكثيرة عليها وعلى مغادرتك للغرب.
طريقة سردك لأحداث وعيوب وتناقضات المجتمع كانت مضحكة أحياناً، ونحن تعودنا دائماً أن نقرأ بحزن، ثم أنها كانت تخفي بين طياتها الكثير من المعاني... مشاكل طبقية.. مشاكل تربية وتعليم... مشاكل فساد.. ألخ.
شكراً لك على التعبير والإحساس والوصف والتحيات لك ولجميع الزملاء


17 - حكمة الزمن في الضاحك الباكي
الحكيم البابلي ( 2009 / 11 / 7 - 21:22 )
أخي الكريم سردار المحترم
نعم ... أصبت الهدف ، وهذا ما أحاول طرحه من خلال كتاباتي ، مشاكلنا ومعاناتنا الأجتماعية ، وهي طبق الأصل من الحقيقة الضاحكة الباكية ، وهو شعار المسرح العالمي ، وشعاري في كل أعمالي الكتابية والمسرحية التي أبنيها على حكمة ( يضحك الطير من شدة الألم ) ، ولم يضحك ألماً أي طير في العالم بقدر طير الشرق الأوسط المُبتلي بكل فجاجات العالم
تمنيتك وكل الصحبة الطيبة في ليلة مسرحية مع واحدة من مسرحياتي في السنوات الماضية والتي أفتخر بها على الدوام لأنني أستطعت من خلالها أن اُسعد قلوب بعض الناس وأزيل الهم عن نفوسهم ولو الى حين ، وهنا تكون سعادتي
أحبكم جميعاً وأشكر الموقع الجميل لأتاحته الفرصة لنا جميعاً كي نعرف بعضنا ونتواصل من أجل خير شرقنا المعذب
تحياتي


18 - عودة.. للمعّلم
رعد الحافظ ( 2009 / 11 / 8 - 01:29 )
إنشغلنا عن موضوعكَ العزيز بمقالات كثيرة يزخر بها هذا الموقع المتمدن , لكنّي كنتُ أودّ إعطاء لقطة صغيرة عن تصّرف المعلم في السويد مع الأطفال التلاميذ , ليستطيع القاريء فهم أحد أسباب تقدّمهم ..وتخلفّنا...المستمر
المعلم أو المعلمة في السويد لو حضر في مجتمعنا لأطلقوا عليه تسمية فيلسوف ..لماذا؟
أولاً معلمة الصف تستمر مع الطالب ما لايقل عن 3 سنوات وتدرسه معظم المواد المختلفة مثل الانكليزية والسويدية والرياضيات والأس أوو (ربّما تعادل الاجتماعيات عندنا ),1
ثانياً المعلمة كي تحصل على شهادتها , تدرس وتمتحن ضمن موادها دروس في علم النفس والتربية ونظريات مختلفة في ذلك
ثالثاً المعلمة قريبة من الطالب بحيث يحكي لها عن أيّ مشكلة تواجهه في الحياة او حتى داخل أسرته..ناهيك طبعاً عن الاخصائية التي تلتقي كل طالب في فترات مختلفة لتسألهُ عن راحته ولعبه ونظام حياته وكونه سعيد أم لا ؟ متفائل أم لا؟ حتى قلّة اللعب عند الطالب يحظى بأهتمام المعلمة والاخصائية ويكلمون الاسرة ليسالوا عن السبب
هناك فحص دوري لأسنان الاطفال في العيادات الخاصة..مجاناً طبعاً..ليست هذه المشكلة
لكن المشكلة أحياناً أولياء أمور المهاجرين ينسون الموعد مع الطبيب
حالياً تقوم المدرسة بأرسال تبليغ وتذكير للأهالي بموعد الا


19 - بين الصكر والبغل قاسم مشترك
زيد ميشو ( 2009 / 11 / 8 - 02:19 )
وما أن وصلت بقرائتي بهذا السرد الجميل إلى الحابق اللعين ( الكلمة المهذبة للخروج الموضوع تحت الإقامة الجبرية ) حتى تذكرت واحداً من عقدي في مدرسة الرازي الإبتدائية / المشتل . وكان أول يوم دراسي لي في تلك المدرسة والتي نقلت إليها من مدرسة مايوحنا الحبيب وشتان بين الثرى والثريا . وبينما كنت أعاني من الذي أتضح إسمه - الحابق - ولم أعد أحتمل . فقلت لنفسي ، أذهب وأشكي أمرك لأستاذ قاسم أبو العربي قبل أن يفتضح أمرك علناً صوتاً وصورة ورائحة .إلا إنه خذل طلبي للمرة الأولى وأعادني حيث كنت أجلس .وقبل أن تخرج الأمور من تحت السيطرة المركزية ذهبت له مرة أخرى متشكياً متذللاً ، ففاجئني براشدي حيدري ونعتي بإبن الـ .... هربت حينها إلى البيت وأنا أغرق بدمعي . إلا إنني لاأخفي القاريء سراً ، فقد كان للكف سحره العجيب ، ولم تخرج بطني لأكثر من ساعة بعدها
ومنذ تاريخه ولغاية اليوم وأنا متحمرن في اللغة العربية
وفي مادة الإنكليزي والجغرافية والعلوم كان لي ذكريات أخرى أخف منها وطأتاً
وكانت النتيجة خروجي عن الطاعة لأصبح من أكثر الطلاب شغباً بعدماً كنت أكثرهم أدباً
بينما كانت خبرة السيد فارس أردوان إيجابية فصدمت بها ، إسم المدرسة التي ذكرها مدرسة النبراس للبنين وهي في العراق وأسم المدير الأستاذ عبد ا


20 - ردود للورود ............... # تاهت السالفة
الحكيم البابلي ( 2009 / 11 / 8 - 07:37 )
العزيز رعد ..... صباح الخير
ما موجود في أميركا لخدمة الطالب يجعلني أغار ، ويقول المثل العراقي : ( اللي ميغار حمار) يا أخي لو كان الطالب في بلداننا له كل هذه الجنات ... لكان أبدع ووصل القمة
المقارنة مضحكة ومبكية ، وكم كنت أتمنى لو ولدت في بلد كهذا ، ولكن الشيئ الذي ينسيني همومي هو أنني أنقذت أطفالي لأنهم ولدوا كلهم في أميركا ، وأحياناً عندما يكونون جالسين قربي أفكر : كم من الفرح في رؤوسهم وكم في رأسي ؟
ومع كل ذلك أصر أحياناً على الأنزواء في غرفة مكتبتي ، وأروح أستحضر الزمن الميت ، وأبتعد أبتعد أبتعد مخترقاً 50 عاماً لأحط كالطير في ساحة مدرسة الحرية وأقف مع بقية أخواني التلاميذ ونسمات الصبح الشتائية تلفح وجوهنا الصغيرة ، أحيط كل هؤلاء الفقراء المقرورين بنظراتي وأمد ذراعيَ لأحتضنهم جميعاً وأهمس في آذانهم : أحبكم وإلى الأبد
تحياتي
***********************************
السيد زيد ميشو الورد
تحية ومحبة وسلام
أضحكتني بذكرك بغل مدرستكم ، صدقني أستطيع تأليف كتاب سميك عن المعلمين السيئين الذين درسونا ، ولكن هذا لم يمنع تواجد بعض الرائعين بينهم
كثير من السذج اليوم يلومون الشعب العراقي وينتقدونه ويعيبون قسوته وجهله وتخلفه ونفاقه وحربائيته !!!، ولكن .... هل أحد من

اخر الافلام

.. اختيار الناقدة علا الشافعى فى عضوية اللجنة العليا لمهرجان ال


.. صباح العربية | نجوم الفن والجماهير يدعمون فنان العرب محمد عب




.. مقابلة فنية | المخرجة لينا خوري: تفرّغتُ للإخراح وتركتُ باقي


.. فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمين علي | اللقاء




.. بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء خاص مع الفنان