الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليسار والصراع العربي-الاسرائيلي (1)

يعقوب ابراهامي

2009 / 11 / 6
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


بعد قرن من الصراع الدامي بين شعبينا، المتنازعين على قطعة أرضٍ مشتركة، وبعد آلاف القتلى والجرحى والمشردين ، وبعد أن ارتكب كلا الجانبين كل الأخطاء الممكنة (والأفعال المنكرة) ، وبعد أن رقص الدجالون والمشعوذون (من كلا الجانبين) على أشلاء ضحايانا، وبدلاً من التعلم من عبر الماضي والعمل، رغم الجروح والآلام ، من أجل "فلسطين وإسرائيل جنباً إلى جنب" ، يريد الباحث والمفكر العربي عبد الحسين شعبان ("الحوار المتمدن" ، 24.10.09 ) الرجوع بنا إلى نقطة الصفر، وبجعبته "حل" لمأساة الشعب العربي الفلسطيني. هذا الحل هو: أن تتكاتل "جميع مؤسسات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان والنقابات والبرلمانات والاتحادات النقابية والمهنية العربية الإسلامية ، وبالتعاون مع الجهات الرسمية، لحشد جميع الجهود وتكرار ذلك سنوياً لحين يتمكن العرب من إلغاء وعد بلفور وما ترتب عليه من ظلم تاريخي." ولم ينس المحامي شعبان أن يطالب "بريطانيا بالاعتذار بسبب الظلم التاريخي الذي أُلحق بالعرب والمسلمين وبخاصة الشعب الفلسطيني."

ما هو الحل الذي يقترحه اليسار العربي للصراع العربي-الإسرائيلي؟
لم يفصح عبد الحسين شعبان عما يقصده بالضبط ب"إلغاء الظلم التاريخي الذي ترتب على وعد بلفور". قد يعود ذلك إلى أنه ، كما قال، "لا يريد هنا مناقشة تاريخ القضية الفلسطينية". وهذا أمر يؤسف له. لأن الغموض الذي يعتري موقف اليسار العربي من الصراع العربي-الإسرائيلي يضر بقضية العمل من أجل تسوية عادلة للنزاع ويخذل اليسار الصهيوني في اسرائيل في نضاله من أجل دحر اليمين الإسرائيلي.
أحمدي نجاد أيضاً يريد "إلغاء الظلم الذي لحق بعرب فلسطين". (ناهيك عن "حزب الله" وأسامة). نحن نعرف بالضبط ما يعنيه أحمدي نجاد بذلك. هل هذا هو أيضاً ما يعنيه عبد الحسين شعبان؟ هل هذا هو أيضاً ما يريده اليسار العربي؟ نحن لا نعتقد ذلك طبعاً. ولكن إذا كان اليسار العربي يفهم من "إلغاء الظلم الذي لحق بعرب فلسطين" غير ما يفهمه أحمدي نجاد، لماذا لا يقول ذلك صراحة، بلغة واضحة لا تقبل اللبس، بلا لف أو دوران؟

صراع قومي وليس صراعاً دينياً:
عبد الحسين شعبان يتكلم عن " الظلم التاريخي الذي لحق بالعرب والمسلمين" ويدعو إلى تكاتل جهود "الاتحادات النقابية والمهنية العربية الإسلامية".
لا نستطيع أن نفهم لماذا ينجر مفكر يساري وراء القوى الظلامية (في كلا الجانبين) ويحاول إقحام الدين في صراع هو صراع قومي في جوهره.
تاريخ النزاع العربي-الإسرائيلي مليء بمحاولات القوى الدينية المتطرفة ، من كلا الجانبين، لتحويل الصراع من صراع قومي إلى صراع ديني. ولا نستطيع القول أنهم لم يسجلوا في ذلك نجاحات كبيرة (انظروا إلى ما يجري في غزة أو إلى ما يفعله "المستوطنون" المتطرفون اليهود في الخليل وباقي الأراضي المحتلة) .
ولكننا نتحدث هنا عن اليسار وعن واجبه في التصدي لمحاولات قلب الصراع إلى صراع ديني وفي هذه النقطة بالضبط فشل المفكر اليساري شعبان.
هل يعتقد المثقف والمفكر اليساري العربي عبد الحسين شعبان إن "الدفاع" عن "الأقصى" ، مثلاً، من قبل الجماعات الظلامية الإسلامية، يخدم قضية الشعب العربي الفلسطيني؟ وما الفرق بين هذا "الدفاع" المزعوم عن "الأقصى" و"الدفاع" المزعوم عن "الهيكل" من قبل الجماعات الظلامية اليهودية؟
ولماذا يحاول المفكر اليساري شعبان أن يجند المؤسسات الإسلامية بدل أن يقول لهم بصراحة ووضوح و بلا لف أو دوران: لا دخل لكم في هذا الموضوع. هذا صراع قومي وليس صراعاً دينيا ؟ً.

وجهان لقصة واحدة:
عبد الحسين شعبان "لا يريد مناقشة تاريخ القضية الفلسطينية". ولكن هذا لا يعطبه الحق في سرد نصف "القصة" وإخفاء النصف الثاني وهو دور الرجعية العربية في خلق مأساة الشعب العربي الفلسطيني.
يقول شعبان: " تتوجت الجهود الدبلوماسية الصهيونية والدولية لإصدار الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم ،181 المعروف بقرار التقسيم، والذي تم على أساسه إنشاء دولة “إسرائيل” في 15 مايو/ أيار ،1948 ومن ثم بدأت عمليات التوسع والقضم لكامل فلسطين عبر حروب واعتداءات لا تزال مستمرة حتى الآن".

هل هذه هي كل القصة؟ هل هذه هي كل الحقيقة؟ إليكم النصف الثاني من الحقيقة الذي يخفيه شعبان:
في عام 1948 وافقت القيادة اليهودية في فلسطين على قرار هيئة الأمم المتحدة القاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين : دولة يهودية وأخرى عربية (نذكر هنا إن موافقة القيادة اليهودية المعتدلة على قرار التقسيم قد جوبه بمعارضة شديدة من جانب العناصر القومية المتطرفة في الحركة الصهيونية التي كانت تريد "كل فلسطين"، تماماً مثل "قرائنهم" في الجانب الآخر).
وفي 15 أيار 1948، على أثر انسحاب القوات البريطانية من فلسطين، أعلن ممثلو المواطنين اليهود في فلسطين ("اليشوب") عن قيام دولة اسرائيل : دولة يهودية ديمقراطية ، في الجزء المخصص لها وفقاً لقرار التقسيم.
قرار التقسيم وقيام دولة اسرائيل حظيا بتأييد القوى التقدمية في العالم. وفي "وثيقة الإستقلال" التي تعد الأساس القانوني لقيام الدولة ، والتي كان من بين موقعيها ممثل الحزب الشيوعي، جاء ما يلي:
"إننا نمد يد السلام وحسن الجوار لكل الدول المجاورة وشعوبها وندعوهم إلى التعاون والعمل المشترك مع الشعب العبري المستقل في أرضه. إن دولة إسرائيل مستعدة لأن تقوم بدورها في العمل المشترك من أجل تقدم الشرق الأوسط كله.
"إننا ندعو أبناء الشعب العربي مواطني دولة إسرائيل لأن يساهموا في بناء الدولة على أساس المساواة التامة في المواطنة وعلى أساس التمثيل المناسب في كل أجهزة الدولة."
(لكي نزيل أي مجال للشك نؤكد أننا لا ندعي إن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة سارت وفقاً لما جاء في "وثيقة الإستقلال". على العكس من ذلك تماماً، وهذه إحدى المعارك التي يخوضها اليسار الصهيوني الإسرائيلي، سوى أننا هنا في مجال البحث عن ظروف قيام دولة اسرائيل.)

أما قيادة الحركة الوطنية العربية في فلسطين فقد رفضت قرار التقسيم، وتحت شعار "كل فلسطين للعرب" أضاعت كل فلسطين. و باسم "إنقاذ فلسطين"، أعلنت الأنظمة الرجعية العربية، الإقطاعية والملكية، المتعاونة مع الإستعمار، الحرب لإحباط مشروع التقسيم ومنع قيام دولة إسرائيل، ، فكانت النتيجة نكبة الشعب العربي الفلسطيني وتشريده.
(مرة أخرى، نحن لا نريد هنا "تبرئة" ساحة الجانب الإسرائيلي وإخفاء "حصته" في المسؤولية عن "النكبة").

من المسؤول عن تأخر الدول العربية وانعدام الديمقراطية فيها؟
المثقف والمفكر اليساري العربي عبد الحسين شعبان يعرف الجواب على هذا السؤال. إقرأوا إن كنتم لا تصدقون:
"خلقت بريطانيا طبقاً للتصريح “الوعد” بؤرة نزاع دفعت منطقة الشرق الأوسط أثماناً باهظة بسببها، من مواردها البشرية والمادية، فضلاً عن ذلك أصبحت هذه البؤرة سبباً في شن الحروب والعدوان وتهديد السلم والأمن الدوليين وفي المنطقة، ناهيكم عن تعطيل التنمية والديمقراطية، بالانشغال بالتسلح، وتبديد الثروات، الأمر الذي جعل المنطقة مرجلاً يغلي باستمرار ويهدد بالانفجار".

"البؤرة" ، إن كنتم لم تفهموا حتى الآن، هي دولة اسرائيل (هل هناك من القراء من يذكر "دولة إسرائيل المزعومة"؟). هذه "البؤرة" هي المسؤولة عن تأخر الدول العربية وانعدام الديمقراطية فيها. وكل إنسان عاقل يعرف ماذا يجب أن يكون مصير " بؤرة" كهذه.
هل هناك دفاع عن الرجعية العربية خير من ذلك؟
هل عبد الحسين شعبان مفكر يساري أم إنني مخطئ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لايمكن التعميم
عبد الكريم البدري ( 2009 / 11 / 7 - 02:36 )
ألأستاذ يعقوب
تحية
لايمكن اخذ مقالة السيد شعبان على انها تمثل كل اليسارالعربي. كما لايمكن ان نتصوران اليسارالصهيوني كما اسميته يمكنه ان يكون قادرا على صنع قرارفي يوم من الأيام ولو استطاع ففي تقديري انه سينحازبنسبة معينة لقضيته اكثرمن القضية الفلسطينية. واود ان اذكرالجميع هنا ان الظلم لم يقع وحده على العرب الفلسطينيين لابل على اليهود سكنة البلدان العربية الذين اجبروا على ترك بيوتهم واملاكهم ووظائفهم وحتى نظالهم. الم تكن انت من المناضلين الذين سجنوا في سجون العراق لفترات؟ من اجل ماذا؟ الم يكن ذلك من اجل رفاهية الشعب العراقي الذي هو جزء من الشعوب العربية؟ ايستطيع السيد شعبان ان ينكرذلك؟


2 - دولة اسرائيل
يساري حقيقي ( 2009 / 11 / 7 - 06:57 )
يعلم السيد يعقوب أننا لوحقنا وجرى اضطهادنا لأننا وافقنا على قرار التقسيم 47 وهو يفضل أن يتناسى ذلك من أجل ألا يعترف بأن مطالبة اليهود بكيان لهم في فلسطين جرى التقاطه من قبل الدول الامبريالية واستخدامه في حماية مصالحها . كل الحروب التي خاضتها اسرائيل ضد العرب كانت لحماية مصالح الامبريالية ولا علاقة للشعب اليهودي بها وهو ما صرح به أرييل شارون في حربه على لبنان . دولة اسرائيل تحالفت مع الرجعية العربية ضد الشعوب العربية بخلاف ما تعهدت به وثيقة الاستقلال . لو لم تخدم اسرائيل الإمبريالية بدم ابنائها ولم تعاد الشعوب العربية لأمكن حل النزاع قبل عشرات السنين ووفرت المال والدماء عليها وعلى العرب . على الابراهامي أن يعترف بذلك ويتفهم عدائية شعبان وغير شعبان


3 - إلى يساري حقيقي (رقم 2
يعقوب ( 2009 / 11 / 7 - 11:29 )
رجعت إلى مقالتي مرة ثانية ولم أجد فيها كلمة واحدة تناقض ما تقوله أنت . قد لا أستعمل أنا نفس التعابير وهذا طبيعي
يؤلمني أنك تقول إن يعقوب -يفضل أن يتناسى- موقف الشيوعيين العرب من قرار التقسيم وهذا غير صحيح إطلاقاً
كنت أريد أن أكتب عن ذلك في حلقة قادمة ولكني أقول ذلك الآن
لقد سجل الشيوعيون العرب في فلسطين والعراق وسائر البلدان العربية الأخرى صفحة من أمجد الصفحات في تاريخهم عندما أيدوا قرار التقسيم وعارضوا الحرب التي شنتها الأنظمة العربية الرجعية


4 - اليسار الصهيوني
عبد المطلب ( 2009 / 11 / 7 - 21:05 )
اخر نكته اتحفنا بها الابراهامي انه يوجد للصهيونيه يسار،و النقطه الاخرى ان الصراع هو صراع قومي فقط فلماذا تناسي حقيقه ان اسرائيل هي يد الامبرياليه في الماضي و يد النظام الراسمالي الجديد في الحاضر ضد قوى و حركات التحرر الوطني في المنطقه ولا دخل للدين او القوميه في هذا الصراع الا باقل من القليل ، و ما تفسير الكاتب للحمله الشعواء التي قامت بها قوات الاحتلال ضد الماركسيين الفلسطينيين عشاه حرب 67من عمليات اعتقال و خطف و حبس اداري و ابعاد قسري للدول المجاوره هل لان الصهيونيه يساريه ام لان الماركسيين يمثلون المتعصبين القوميين العرب نصارى و مسلمين.
يتجاهل الابراهامي الكثير في محاوله لافهام القراء ان الرجعيه العربيه الرافضه لقرار التقسيم هي سبب النكبه متجاهلا ان الصهاينه رفضوه ايضا و لنرجع للتاريخ:جاء في قرارالتقسيم تشكيل لجنه خماسيه لتنفيذ القرار و لمقاطعه الاطراف لهذه اللجنه،شعر الاعضاء بالاجماع انه لا بد من القوه العسكريه لتامين التقسيم فتقدموا بمشروع قرار لمجلس الامن لارسال قوات عسكريه لتامين دقه التقسيم و لكن القرار احبط بفيتو امريكي!(هل لان الصهاينه ارادوا اكثر مما اعطاهم قرار التقسيم ؟)حسب قرار التقسيم للقدس وضع خاص مما استدعي تشكيل لجنه خاصه لوضع الانظمه و القوانين و هيئه الحكم الم


5 - إلى عبد المطلب
يعقوب ( 2009 / 11 / 7 - 21:28 )
-لم أقل - صراع قومي فقط
قلت، وهذا اقتباس، صراع قومي في جوهره

اخر الافلام

.. نشرة خاصة على فرانس24 حول نتائج الجولة الأولى من الانتخابات


.. فيضانات تضرب بلدة نواسكا الإيطالية وتتسبب بانهيارات ارضية




.. اتفاقية جنيف: لا يجوز استغلال وجود الأسير لجعل بعض المواقع أ


.. نتائج الانتخابات الأولية: فوز المرشح الغزواني في انتخابات ال




.. صورة لـ-بوتين مع قلب أحمر-.. تقطع خطاب زعيم حزب الإصلاح البر