الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تلفزيون الواقع المرّ

نسرين طرابلسي

2009 / 11 / 8
حقوق الانسان


لعبة الألعاب العالمية، وأقصد السياسة، كانت وماتزال تتدخل في حياتنا ابتداء من حقِّ الحياة وانتهاء بحق الموت. وحين قامت ثورات تطالب بحقوق الإنسان المفقودة كلِّها، أكدت أن الإنسان سلب نفسه تلك الحقوق وأكل حقَّه في تلك المبادئ.
شيء أكيد أن الحروب الأهلية المتفرقة التي تحدث هنا وهناك بمختلف مسمياتها تقوم بشكل غير منظم على الإطلاق، بسبب شعور جماعةٍ ما بأن الفوضى تعمُّ الحياة وأن الحرية والعدالة والمساواة معان مجردة أكثر من اللازم. فما معنى الحرية وأنت معتقل، وما معنى العدالة وأنت جائع، وما معنى المساواة ورأسُ مالك أنت وأهالي قريتك في حسابِ السَّاسة قنبلة ومقبرة جماعية!!
أنا شخصيا لم أعد أعرف ولا أحد يعرف على وجه التحديد إلى أين سيمضي بنا هذا التنظير الفضفاض لحياتنا دون أن تكون لنا كلمة حقيقية نستطيع صهرها وصبّها في الوقت المناسب في أذني العالم. نحاول كسالمون انتحاري العبور عكس تيار الشرق الأوسط الجديد، بينما غدا الاتفاق على رأيٍ واحد حول شخصٍ واحد مستحيلاً. تصحو في الصباح مثلا وأنت مؤمن بفكرة المقاومة في مواجهة كل القهر الذي يمارَس عليك في بيتك وعملك ووطنك من قوى لا ينفع معها العناد، ويُثلج صدرك أن يضطلع شخص ما بالمهمة في بقعة ما على الأرض، فتحبه وتناصره سرّا وتتابع أخباره بالتُقيةِ طبعاً، لأن مجاهرتك بذلك تثير سخرية آخرين منك ومنه، فتناحر ظلّك وتكظم ثورتك وينهار جهازك العصبي والمناعي، وتتدفق الأمراض على جسدك من الاكتئاب النفسي حتى الكولون العصبي، تنام على قهر وتستيقظ على قهر وبطلك الذي تمثلته واخترته لأحلامك مستهدف بشتى أنواع السلاح من الشتيمة إلى الاغتيال.
رأيتُ الحربَ تنتقل من أرض المعركة إلى التلفزيون ومنها إلى البشر، ورأيت الناس يتقاذفون بالتصاريح والاتهامات كل واحد مسمر أمام القناة التي تعطيه جرعةً أكبرَ من التخدير حتى أصبحنا ورقة محروقة في لعبة محسومة لصالح السلاح. متنا كمن مات من الأطفال والنساء والشباب والشيوخ، هم أصبحوا شهداء بلغة البعض وقتلى بلغة آخرين، ونحن فقط "مشاهدون".
المشاهدات الإعلامية لميدان الحرب المدمر، هي الصور الأخيرة التي تطفو على السطح قبل النوم، وهي الغشاوة الأولى التي نفرك عيوننا منها قبل الصحو ولا تزول أثناء النهار. عجوز هربت بكيس الأدوية، رضيعة أخرجوها من تحت الأنقاض ومصاصتها تتدلى على صدرها، أب ينصت لأنين عائلته تحت الركام، أدخنة سوداء متصاعدة، ألعاب مقطعة الأوصال معفرة برماد الأبنية مضرجة بذعرِ الأطفال الأخير، صغيرات يكتبن رسائل مسمومة على رؤوس الصواريخ، نساء يصرخن بهتافات الصمود وساسة يبكون على موائد المفاوضات، شريط أخبار عاجلة يمر سريعا بين الحدقتين، موتى وقتلى وشهداء ونيران التصاريح تزداد ضراوة، الديكتاتور لم يقض عليه الإضراب عن الطعام بل المشنقة، وأعوانه فشلوا في أدوارهم في مسلسل المحاكمة البطيئة، ملاجئ لأطفالٍ مكبلين بالأصفاد، عبوات ناسفة، سيارات مفخخة، انتحاريون، ومجلس الأمن لا يعرف بعد الفرق الشاسع بين المقاومة والإرهاب..
في تلفزيون الواقع المرّ نحن فقط "مشاهدون" لا نملك حتى حق التصويت لمن يقف في دائرة الخطر. ستتصاعد وتيرة الحقد بين الناس، وتنشقُّ عن كل دينٍ ألف طائفة، وعن كلّ طائفة ألف مِلّة، مادامت ستارة الظلم مسدلة على شرفة الإنسانية، ونوافذ العدالة زرقاء، والملاجئ السفلى مكتظة بصامتين ينتظرون غارة الرحمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسائل إعلام إسرائيلية تتناول مخاوف نتنياهو من الاعتقال والحر


.. تونس.. مظاهرة في مدينة العامرة تدعو لاجلاء المهاجرين غير الن




.. إخلاء مركز للمهاجرين في تونس ومظاهرة لترحيلهم ورفض توطينهم


.. الأمم المتحدة: دارفور معرضة لخطر المجاعة والموت




.. آلاف الإسرائيليين يتظاهرون للمطالبة بإبرام صفقة تبادل فورية