الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجنس والقيم المتناقضة في الحضارة الإنسانية الراهنة

حسين عجمية

2009 / 11 / 7
ملف : ظاهرة البغاء والمتاجرة بالجنس


إن الإنتاج المتنوع للفكر والقيم الأخلاقية ونظام المعارف التاريخية ، وظهور الدراسات التحريرية القائمة على تغيير بنية الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنمو الحضاري السريع، وتعميم الإنتاج التكنولوجي والاليكتروني وسهولة النقل الدعائي الموجه والتأثير على مجمل الإمكانيات البشرية، وتوجيهها لخدمة الرؤوس العالمية ، وتقسيم العالم وفقاً للمنحى العام للقوى القائمة على النفوذ، وتعميم النفوذ الإمبريالي لترويج وتسويق البضائع بكل أشكالها وما يرافقها من ظهور علاقات سلوكية في غاية التنوع، نظراً لانعكاس هذا الواقع على النفس الإنسانية ، وتأثير هذا الوضع على العلاقات الجنسية على كامل المساحة الجغرافية للبشر.
فقد ظهرت علاقات حب قائمة على التفاهم وإدراك المصلحة المشتركة، واستطاع كل من الذكر والأنثى أن يتفهم وضع الأخر وإمكانياته ومقدرته العقلية وبنائه النفسي، وتحقيق الانسجام من خلال ظهور علاقات زوجية مبنية عل الاحترام المتبادل، وحل الإشكالات القائمة في الحياة عن طريق المساهمة المشتركة والنشيطة للطرفين، وتأمين حدٌ مقبول من الحرية تخدم كلاً منهما، وتحقق الرغبة المشتركة في تنمية الوعي الذاتي للطرفين، وبشكل ينعكس على الأسرة ويخلق واقعاً أفضل لنمو الطفل بعيداً عن الإشكالات الكلاسيكية المعرقلة للسعادة الزوجية والرابطة الاجتماعية الواقعية.
وفي المقابل نشأت علاقات جنسية فوضوية بعيدة كل البعد عن الالتزام وتحقيق الرغبة المشتركة لطرفين بشكلها الطبيعي ، مما جعل هذه العلاقات عابرة وسطحية بعيدة عن شروط الاستمرار، وتعبر عن نزهة مفرطة في البيولوجية المحضة ، وبعيدة عن الانسجام النفسي والاجتماعي ، نظراً للتأثير السيئ لمجمل الأساليب الدعائية الصادرة عن الأوساط الساعية لتحقيق أعلى قدر من الفوضى الجنسية ، وحرف الإنسان عن مشاكله الحياتية واهتماماته الإنسانية وجره إلى متاهات سلوكية في غاية السطحية واللامسؤولية ، مما يساعد على الإبقاء الأمثل لهذه الأوساط ، وتوسيع نفوذها وتسهيل إمكانية المحافظة على واقع يؤمن لعا الاستمرارية والوجود، وتحقيق أعلى قدر من الربح ، وترويج الإنتاج والفوضى الجنسية وتشكيل خطر على سلامة الإنسان الطبيعي، لتخلق عنده وضعاً مريباً وانعتاقاً تاماً من المبادئ والقيم الإنسانية، فيظهر الإنسان في حياته الشخصية منهاراً خائر القوى ، لا يعرف الاتجاه الحقيقي لمتابعة حياته متجنباً هذا الانهيار، وتظهر الحياة أمامه بنيَةٌ سوداء تبشر بالرعب والحقد، فتنهار قواه العصبية والنفسية ، ويزداد الوهم والوهن في ذاته، وينشأ واقع مقيت يظهر فيه الناس مثل الدمى بدون اتجاه ولا هدف ولا فاعلية ، مما يؤدي إلى نشوء وضع متقلقل يسعى بقواه الفاعلة نحوى الاستقرار، ويبشر بالانقلاب الكبير للتاريخ للمحافظة على المسيرة الإنسانية من الانهيار.
فالحقيقة العلمية تؤكد أن الفوضى الجنسية وعدم الوعي التام والدقيق لهذه العلاقات ، لا يمكن أن تخلق غير إنسان مسلوب العواطف والقيم الأخلاقية مما يجعل جميع الروابط القائمة على هذه العلاقات هامشيةٌ وبعيدة عن الوعي والمسؤولية ، ويصل فيها الإنسان لدرجة الحرمان من جميع الإمكانيات القادرة لتحقيق غايات اكبر وأوسع، وتصبح علاقة الإنسان بالإنسان مبنية على مجموعة من القواعد المنحرفة ألتي تؤدي إلى توسيع دائرة الرعب الداخلي للإنسان، وتشكيل خطراً حقيقياً على بنائه الداخلي ( النفسي والعقلي ) وتفقده إمكانيات العطاء الحر والإنساني.
وبعد أن تتأكد الإنسانية من أن الفوضى الجنسية كارثة حقيقية لعدم تدخل الوعي المعرفي للإنسان في إنسانيته، لتنظيم وضبط الأفعال الجنسية المنهارة لهذا السلوك المنحرف للبشر، وظهور القوى الإبداعية الخلاقة والموجهة لتعميم السعادة لجميع النفوس بعد الإدراك العام لجميع الأبعاد الصيحة للانسجام الإنساني، وظهور التطابق في الوعي الديناميكي لإنسانية الحضارة القادمة ، بعد حذف وإسقاط جميع الوسائل الحالية المكرسة والموجهة لتحقيق النفوذ والسيادة والسيطرة وترك النزعة الإمبريالية العامة، والاتجاه نحو السوية الإنسانية الحقيقية ، وتحقيق معادلة تعاون وتكافؤ القوى الاجتماعية ، وتوازن القيمة الحقيقية للشعوب العالمية في الأخذ والعطاء والوصول إلى النقطة الجوهرية لسيادة الإنسان والطبيعة* ، عندها ينشأ وضع بعيدٌ عن أيِّ توجيه انتفاعي للنوازع الأخلاقية للإنسان، وتصبح هذه النوازع ملكاً للإنسان المنسجم مع مبادئ وأهداف هذه الحياة ، وتصبح العلاقات بكافة أشكالها غاية كمالية كريمة تعطي الإنسان عمقها وحيويتها وحريتها، عندها تصبح العلاقات الجنسية متكافئة ومنسجمة وناتجة عن السوية الإنسانية وإحدى صيغ الإنسانية الدائمة ، ويصبح كل من الرجل والمرأة قادرين على ترك الخطأ في حينه وإقامة علاقات مبنية على الحب والتوازن الأخلاقي التام.

*سيادة الإنسان والطبيعة: لأن العلاقة تبادلية وليست فوقية ، فكما يتحسن وضع الإنسان يجب أن تتحسن الطبيعة المتواجد فيها بالذات.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - إاذا لم تستح فقل ما شئت
أبو الحسن سلام ( 2009 / 11 / 8 - 18:16 )
هذا موجه إلى صاجب التعليق الذي خجل الموقع من نشره، والذي قصر الدعارة على مصر على !!!!


2 - كما لو كنت قد مشيت على تعليق
أبو الحسن سلام ( 2009 / 11 / 8 - 18:36 )
عتقد أن العبارة التي قالها ( ليو تشاوتشي) في بداية عهد الثورة الاشتراكية الصينية مع ماوتسي تونج تصح ردا على ذلك الرأي المسطح الذي علق به شخص ما على مقال فكري محترم لكاتب محترم ، إذ يقول ليوتشتوتشي ، ( عندما تسير في الوحل

( فإن الكثير من رذاذ الوسخ تعلق بمعطفك


3 - كلام جميل كلام معقول مقدرش اقول حاجه عنه
وهدان ( 2009 / 11 / 8 - 19:49 )
ايها الاستاذ حسين انت مبدع في تصورك لمستقبل هذا العالم وابداعك ينجم عن خيال خصب يرى الورود لكنه للاسف يتمنى الا يرى الشوك
سادتي الافاضل هذه هي اليوتوبيا (جمهورية افلاطون) التي لم تتحقق للان الى في ومضات من التاريخ البشري وهي عصر الرسل والتابعين الابرار وهي كما تصورها ماركس في تصوره للشيوعيه والتي لم تتحقق
ايها السيدات ايها الساده ان تغيير الواقع بحاجه الى جهود جباره وواقعيه تقوم في كل مجتمع على حده ويهمنا هنا مجتمعنا العربي الذي هو في ادنى مستويات الفساد في العالم ومنذ خلق الله البشريه وتكونت مجتمعات على سطح البسيطه
اننا بحاجه الى مفكرين مثل الاستاذ حسين يحللون المرض على اساس واقعي وليس مثالي بالنظر الى انفسنا كعرب ومسلمين في الاساس وقبل النظر الى بقية العالم بحاجه لهم ليونيروا الطريق امام من ضلوا وتاهوا في رمال الربع الخالي والصحراء الكبرى
ان التنميه البشريه المستدامه المستمده من الجذور العميقه لواقعنا والضاربه في اعماق الارض كشجرة الزيتون هي طريق جيد للنهوض وهذه ناتجه عن دراسات عميقه ومتراكمه
ان الانحراف الجنسي وانتشار البغاء في العالم العربي هو من الامراض الناتجه عن خلل وظيفي في الجتمع العربي وازدياد هذه الظاهره يدل على تعمق المرض
اي

اخر الافلام

.. شبح -الحي الميت- السنوار يخيم على قراءة الإعلام الإسرائيلي ل


.. الحركة الطلابية في الجامعات : هل توجد أطراف توظف الاحتجاجات




.. جنود ماكرون أو طائرات ال F16 .. من يصل أولاً إلى أوكرانيا؟؟


.. القناة 12الإسرائيلية: إسرائيل استخدمت قطر لتعمّق الانقسام ال




.. التنين الصيني يفرد جناحيه بوجه أميركا.. وأوروبا تائهة! | #ال