الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حزبنا الشيوعي وآفاق اختراق الشارع الاسرائيلي، نحو السلام والمساواة والعدالة؟!

دوف حنين

2009 / 11 / 8
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


* حضورنا في الشارع اليهودي ضئيل وغير مرض. أهو عداؤنا للصهيونية وحربجيتها؟! ربما، لكن كيف؟ ألا نقول أن هذا الموقف مصلحة للمواطنين اليهود أيضا؟ إذن ما العمل؟ كيف ننطلق بقوة أكبر بلا الوقوع في فخ الانغلاق أو الهرولة في منحدر "الاجماع"؟!
* بمخاطبة المجتمع لا بمعاداته وبترجمة فكرنا وخطابنا إلى حلول عملية لهموم الناس.. بأن نظل كتيبة طلائعية لا تتراجع فتفقد طلائعيتها ولا تمعن بالتقدم فتفقد صلتها بجيشها
* تجربة "المدينة لنا جميعا" نموذجا.. *


الذكرى التسعون لتأسيس الحزب الشيوعي في البلاد، تحمل الكثير من المعاني والدلائل إن كان على المستوى السياسي العام أو على المستوى الشخصي الفردي لكل منا. فلكل واحد منا الآمال والذكريات ولنا أيضا الحكايات عن نضالات الجيل الأول، هذه التي نهلها البعض منا في الأسرة. إنني اليوم أستذكر حكايات أبويّ عن مجابهتهما ومجابهة رفاقهما الشيوعيين العرب واليهود للانتداب البريطني والنشاط السري ضده، وعن محاربة الحركة الصهيونية، فكرها وممارستها، عن الوقفة الشجاعة ضد النكبة والتشريد، ومن ثم النضال العنيد من أجل احترام حق الشعب الفلسطيني بتقرير المصير، ومن أجل المساواة والعدالة في اسرائيل. الذكرى الـ 90 فرصة لاستذكار عدد لا ينضب من التضحيات البطولية التي قام بها الرفاق الجنود المجهولون في كل بلد وبلد، وهي بلا شك مناسبة لمراجعة مئات المواقف التاريخية المفصلية التي اتخذها الحزب، وقد تطرقت إلى عدد منها في سلسلة من المقالات التي نشرتها في آذار ونيسان الأخيرين تحت عنوان "90 عاما على الحركة الشيوعية في البلاد.. مواقف حزبنا الشيوعي في امتحان التاريخ"، إلا أنني هذه المرة سأحاول معالجة قضية اختراقنا للشارع الاسرائيلي، ومخاطبة الأغلبية اليهودية والتأثير عليها نحو السلام والمساواة والعدالة.



* لماذا هذا الحضور الضئيل؟! *حزبنا الشيوعي آمن دائما بالنضال الأممي اليهودي العربي المشترك انطلاقا من تحليله الطبقي للصراع ويقينه أن المصالح الحقيقية لشعوب المنطقة لا يمكنها إلا أن تكون مشتركة. وعلينا الاعتراف أننا ومنذ الانشقاق في العام 1965 نعمل بين الأغلبية اليهودية بصعوبة بالغة وأن حضورنا ضئيل وغير كاف بالمرة.
لهذه الحقيقة أسباب موضوعية وذاتية يجب مراجعتها بعمق. السبب الأول برأيي هو مواقفنا المبدئية الجريئة التي ميزتنا على مر العقود، فقبل قيام اسرائيل، عملنا بكل حدة على مجابهة الصهيونية، فكرا ونهجا، حاربنا الصهيونية وأفكارها القومجية العنصرية التي هدفت إلى نهب الأراضي من أصحابها العرب بحجة "تحرير الأرض" وإلى ملاحقة العمال العرب وطردهم بحجة "العمل العبري" ووقفنا ضد مخططات التهجير والترحيل والنكبة وبعد قيام الدولة تجندنا بكل القوة ضد العدوانية الاسرائيلية، وكنا الصوت الأول الذي ينطلق من قلب اسرائيل ضد العدوان الثلاثي على مصر في العام 1956، وضد حرب 1967 وضد حربيّ لبنان، الأولى في العام 1982 والثانية في العام 2006، وما زلنا نرفع صوتنا ضد الاحتلال واستيطانه وجرائمه في المناطق المحتلة، بما في ذلك العدوان الأخير على غزة قبل نحو عام.
هذا إلى جانب دورنا التاريخي بتنظيم وقيادة الجماهير العربية في البلاد وتصدينا إلى جانبها للحكم العسكري ومؤامرة مصادرة الأرض وهدم البيوت وخوض كل المعارك ضد التمييز ومن أجل المساواة القومية والمدنية التامة.
هذه المواقف والمعارك من أجل السلام والمساواة مواقف مشرفة نفاخر بها وليس لنا ما نخجل به ولا تعيبنا اتهامات اليمين لنا بأننا ننشغل بقضايا الفلسطينيين فمناصرة الشعب المحتل شرف كبير وكذلك مجابهة الظلم والتمييز.. ولو كانت الظروف طبيعية لكانت هذه المواقف مصدر دعم لحزبنا بين المواطنين اليهود لكن الظروف مغايرة في الواقع الاسرائيلي، إذ تمكنت الصهيونية من تذويت ذاتها في وعي اليهودي الاسرائيلي المتوسط وكأنها جزء من هويته الطبيعية وليس على أنها أيديولوجية عنصرية، وباتت كل مواجهة مع الصهيونية ومخططاتها وبرامجها العسكرية تدمغ فورا وكأنها "معاداة لليهود". لكننا نحن نسبح ضد التيار ونفاجئ الاسرائيلي المتوسط إياه، إذ نقول له: نعم إننا نهتم بجارك الفلسطيني وبحقوقه لكن هذا ليس كل شيء فنحن نهتم بك أنت أيضا، ذلك أن إحقاق حقوق الشعب الفلسطيني وإنصافه هو الضمانة الوحيدة للاستقرار في المنطقة، الذي هو مصلحتك!
إنني ألمس مدى سطوة الصهيونية بشكل شخصي فأنا أعيش في بيت مشترك إلى جانب عشر أسر أخرى. واحدة يمينية للغاية وبقية الأسر ألتقي مع أبنائها في المظاهرات المختلفة ضد الحروب أو بقضايا اجتماعية. هذه الأسر تميل إلى اليسارية بتفاوت معين لكنها كلها تعتبر نفسها صهيونية ومجرد التفكير بغير ذلك أمر غير ممكن بالنسبة لها، فما العمل ما دمنا نرغب بالتأثير والتأثير لا يكون إلا بتغيير آراء هؤلاء الناس ولا مجال لاستبدالهم بمجتمع آخر؟



* ما العمل؟ بلا درب وقيم لا حق للحزب بالبقاء.. ولا جمهور! *هنا يجب دائما الحذر من الوقوع في واحد من الخطأين الفادحين اللذين قد يسقط إليهما أي حزب سياسي: الخطأ الأول هو خطأ الانغلاق، خطأ التحول إلى فرقة "دينية" متزمة منغلقة دون أي أفق بالعمل أو أمل بالتأثير. والخطأ الثاني يكون بالتنازل عن الدرب أو القيم لا لشيء إلا لكسب الشعبية وود الجمهور، هذا ما حدث لدى المنشقين عن حزبنا في العام 1965، وليس صدفة أن اندثروا فبلا الدرب والقيم لا حق للحزب بالبقاء والحزب الذي يستعد للمساومة على دربه وقيمه من أجل الجمهور سيفقد قدرته على اجتذاب الجمهور لأنه سينتقل إلى اللعب في ملاعب لا تلائمه، فمثلا لا مكان للأحزاب الشيوعية الأممية في الملاعب القومية العنصرية ولا أمل لها بالانتصار هناك!
ما العمل إذن؟ أعتقد أن حزبنا قد أورد جوابا واضحا وكافيا بمنتهى النضج في مؤتمره الـ 18 حين قرر إقامة الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة كإطار لتوحيد المناضلين من أجل السلام والمساواة والديمقراطية وفق برنامج سياسي واضح المعالم. حزبنا حينها قرر وفق دراسته للظروف الموضوعية أن العداء للصهيونية لا يعني عداء لكل من يرون بأنفسهم صهيونيين، بل وقال أنه مستعد للتعاون معهم ومع كل من يخالفونه الفكر والأيديولوجيا طالما تطلبت النضالات السياسية ذلك.
في هذه المرحلة، يطرح السؤال، وفق الظروف الموضوعية اليوم: هل المعاداة للصهيونية يجب أن تكون الشرط المسبق للتعاون مع أي كان أم أننا نريد لها أن تكون النتيجة لخوض النضالات المشتركة؟ إن كان الجواب أننا نريدها شرطا مسبقا فليس لنا إلا الاكتفاء بأوساط مبدئية ومثابرة في المجتمع اليهودي وأنا لا أقلل من قيمتها لكنني أرى أن موقف حزبنا في المؤتمر الـ 18 إياه كان صحيحا بعدم الاكتفاء بالتحالفات الضيقة وفتح المجال للتعاون حتى مع صهيونيين وخوض النضالات العادلة التي نتفق عليها معهم. إننا نريد استغلال هذا اللقاء من أجل تغيير شيء ما بتفكيرهم والتجربة تثبت أننا قادرون.
وهنا سأنتقل إلى الحديث عن تجربتي الشخصية في العام المنصرم، ففي هذه الأيام يكون قد مر عام كامل على الانتخابات المحلية، والتي خضت بضمنها الانتخابات لرئاسة بلدية تل أبيب يافا من قبل حركة "المدينة لنا جميعا"، هذه برأيي تجربة مثيرة تستحق الدراسة في هيئات الحزب، لأنها أثبتت أن القدرة على التأثير والاقناع مشتقة من القدرة على ترجمة مبادئنا وفكرنا إلى حلول لمشاكل الناس اليومية، وقد تمكنا في هذه الحركة من وضع برنامج عمل مبني على أجندة يسارية واضحة استقطبت جماهير كبيرة من صفوف اليمين. ولم تكن هذه مجرد انتخابات محلية، إذ فتحت الصحافة صفحاتها ومواقعها للهجمة التحريضية ضدي، والتي أدت بها النائبة شيلي يحيموفيتش من حزب العمل الدور الأكبر بتلفيق "التهم" ضدي محذرة من دعمي لأنني مناهض للصهيونية، أدعو إلى رفض الخدمة العسكرية ولا أقف احتراما للنشيد القومي "هتكفا"، كل من صوّت لي وللحركة تعرض لهذه الدعاية التحريضية ومع ذلك خرج على الاجماع وصوت كما أملى عليه ضميره وهذا لم يكن بسبب صفات خارقة للمشرحين إنما لأننا تمكنا من وضع الحلول الحقيقية العادلة وفق رؤيتنا اليسارية. والنتيجة كانت بحصولنا على 46 ألف صوت هي أكثر من 35% من الأصوات، هذا رغم نجاح رئيس البلدية المنافس رون حولدائي على ضمان دعم الأحزاب الكبرى: العمل، الليكود، كديما، شاس، وميرتس إلى جانب حصوله على دعم قوائم محلية كبيرة كقائمة الشباب وقائمة المتقاعدين، ورغم تمكنه من خوض الحملة بميزانيات ضخمة فيما كنا نحن مجموعة من النشطاء المتلهبين حماسة وقد خضنا الانتخابات بلا أي دعم خارجي وبميزانيات متواضعة للغاية وحصلنا على خمسة مقاعد لتكون حركتنا الأكبر في مجلس تل أبيب-يافا المحلي.



* المدينة لنا جميعا: مواقف غنية بالدلائل؟! *
اليوم، بعد مرور عام كامل أستطيع أن أؤكد أن نجاحنا لم يكن موجة عابرة وأن للحركة قواعد راسخة بين الجمهور وبخاصة بين الشباب والشرائح الاجتماعية المستضعفة التي منحتنا في الانتخابات أغلبية مطلقة.
هذه الانتخابات كانت بالنسبة لي تجربة مثيرة ومن بين المواقف التي لن أنساها موقفان غنيان بالدلائل: الأول يتعلق بالميزانيات والقدرات رغم شحها. رون حولدائي غمر مفارق الطرق في تل أبيب باليافطات العملاقة الملونة، كنا نعرف أن خلف كل يافطة ألوف الشواقل دفعت لاستئجار موقعها وفي المقابل قام العشرات من نشطاء "المدينة لنا جميعا" بطرق ألوف الأبواب في تل أبيب ويافا محدثين أبناء الأسرة عن الحركة الفتية ويقترحون عليهم تعليق يافطة الحركة ومرشحها للرئاسة، دوف حنين، على الشرفة. في النهاية كانت راياتنا ترفرف على ألوف الشرفات ووصلنا من ناحية الحضور إلى تساو بالظهور مع حولدائي مع فارق كبير: خلف كل واحدة من يافطاته ألوف الشواقل وخلف كل واحدة من يافطاتنا أناس من لحم ودم يعبرون عن موقفهم الحر.
الموقف الثاني كان بجولتي الانتخابية في سوق "محنيه يهودا". لم يكن من الطبيعي أن أصل إلى هذا المكان الذي يعتبر معقلا لليمين المتطرف. لكن ما لم يكن طبيعيا بالمرة هو الاستقبال الدافئ الذي حظيت به، فلم "أحظ بأي حبة بنادورة فاسدة" كما حظي جنرالات كبار في الجيش! لم يكن هذا سحرا ولا مخدرا. أعرف جيدا أن هؤلاء تعرضوا للدعاية المناهضة لي بسبب موقفي من الصهيونية لكن إيجاد حلول لمشاكلهم اليومية كان أهم بالنسبة لهم.



* استشراف للمستقبل: تفاؤل رغم صعوبة الظروف.. *أفكر أحيانا: أين صوّت هؤلاء في الانتخابات البرلمانية؟ وأين كانوا خلال العدوان على غزة؟ لقد عادوا بأغلبهم إلى أحضان الإجماع القومي الزائف من إنتاج الآلة الصهيونية المؤسساتية. لكنني مع ذلك متفائل. متفائل لأننا عندما وقفنا من اليوم الأول بنفس الجرأة التاريخية المعهودة ضد العدوان على غزة كنا قد وجدنا إلى جانبنا في تل أبيب نسبة كبيرة من نشطاء وقادة الحركة الذين لم يكن من المفهوم ضمنا أن يشاركوا بنشاط من هذا النوع، وأنا واثق من أننا لو تمكنا من تمرير كافة ناخبينا بعملية التسييس التي مرها شركاؤنا النشطاء بها لكان التغيير أكبر. متفائل لأننا قادرون كل الوقت على تسييس المزيد من النشطاء ولأن الجبهة تمكنت رغم الأجواء العدوانية والحرب من مضاعفة قوتها في الشارع اليهودي بثلاث مرات. متفائل لأنني عندما كنت أسافر أيام الحرب وبعدها بعدة أسابيع في الباصات كان يوجه إلي المسافرون تهما قاسية حول موقفي من الحرب، وكأنني لا أهتم بأطفال سديروت بل وأبيح دمهم، كل مشوار في الباص كان يتحول إلى حلقة بيتية. صحيح، لم أستطع إقناع الجميع بصحة موقفي لكنني في الأغلبية الساحقة من المواقف تمكنت من إشعال عدة أضواء حمراء وعلامات استفهام لدى المسافرين الذين صاروا يثقون أن من يقف على رأس حركة تهتم بدراسة ابني وصحته وبتشغيلي بظروف ملائمة لا يمكن أن "يكون خائنا"!
إنني متفائل لأننا أثبتنا بكل وضوح أن قوتنا في أحد الشارعين، اليهودي أو العربي، لا يمكن أن تأتي على حساب قوتنا في الشارع الآخر، بالعكس، فقوتنا بكل من الشارعين تعزز الأمل والثقة في الشارع الآخر. ولأننا قادرون على أن نكون الكتيبة الطلائعية في الجيش، شريطة ألا نتراجع لئلا نفقد قيمتنا الطلائعية وألا نفقد الاتصال بمن هم وراءنا لئلا نفاجا بإيجاد أنفسنا وحيدين منعزلين.. لهذه الأسباب كلها فإنني أرى بموضوع اختراقنا للشارع الاسرائيلي وبتجربة "المدينة لنا جميعا" أمرا هاما يستحق المعالجة المتأنية العميقة نحو المزيد من الدعم والقوة لحزبنا ونهجنا..









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البنتاغون يعلن البدء ببناء ميناء مؤقت في غزة لإستقبال المساع


.. أم تعثر على جثة نجلها في مقبرة جماعية بمجمع ناصر | إذاعة بي




.. جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ


.. ما تأثير حراك طلاب الجامعات الأمريكية المناهض لحرب غزة؟ | بي




.. ريادة الأعمال مغامرة محسوبة | #جلستنا