الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جفاف ..قصة قصيرة

أحمد الجنديل

2009 / 11 / 8
الادب والفن



خطواته تتسع نحو المقهى الصغير ، تدفعه رغبة جامحة للوصول إليه ، مبتغاه الحصول على قدح من الماء البارد ، الساعة تُعلن الواحدة ظهرا ، خرَجَ لسانه دون إرادته فمَسَحَ شفتيه ، أحسّ بجفافهما ، التفتَ إلى الشارع العريض ، كانت الشمس تغمره بحرارة لا تطاق ولا أثر للحياة فيه ، وضعَ قدمه على إسفلت الشارع ، لفحته موجة الريح اللاهبة وهي تطفح بذرات الرمال الجافة ، أزعجه كثرة اللسعات التي نالت وجهه ، وضعَ كفيّه على كامل وجهه واجتاز الشارع بصعوبة بالغة ، صفير الرياح يسلبه فرصة سماع أنفاسه اللاهثة ، وقعَ نظره من خلال تشابك أصابعه على الفندق الفخم الذي أمامه ، رآه أصفر اللون بفعل كثافة الغبار ، اجتهد في توحيد أفكاره ، أراد دفع عزيمته إلى أمام ، أن يعيد تجربة التماسك ، لم يفلح في كلّ ذلك ، اعتراه هاجس التشظي ، وجدَ رأسه فائضا عليه ولا يصلح حتى منفضة لأعقاب السكائر ، هواء بارد وصَلَه من الفتحة الأرضية لبوابة الفندق عند اقترابه إليه ، أراد الجلوس قليلا لعله يتوحد في هذا المكان ، فاجأه أحد حرّاس الفندق بإشارة جافة تأمره بالابتعاد ، استدار مسرعا إلى جهة الزقاق ، راوده الأمل من جديد بالوصول إلى المقهى ، دلف إلى الزقاق ، اصطدمت عيناه بواجهة المقهى المغلقة ، حاولَ البصاق عليها ، ليس في فمه ما يبصقه ، كان فمه محشوا بالجفاف ، بدأت الرياح تميل إلى الاعتدال ، لم يكن أمامه غير الرجوع ، اجتاز حاوية القمامة الإسمنتية ، مرّة أخرى قذفه الزقاق إلى الشارع العريض ، سيارة سوداء فارهة وحركة من حرّاس الفندق ، كان عليه التوقف ، حرس الفندق يتقافزون كالجرذان المذعورة ، فازَ أحدهم بفتح الباب ، نزلَ وجه ينضح بالعافية ، حملَ أحدهم مظلّة كبيرة فوق رأس القادم ، أحدهم شرّع باب الفندق ، ضحك ضحكة جافة وهو يقترب من صاحب الحفاوة ، بينهما ثلاث خطوات لا غير ، التقت نظراتهما داخل هذه المسافة القصيرة ، الضيف واقف كالطاووس ، أحسَ بظهره يأخذ استقامته ورأسه يتعالى بشموخ ، بدَتْ من الضيف ابتسامة جافة تلقفها بنظرة صارمة ، ابتعدت المسافة خطوات ، التفت الضيف إليه ، اكتست الريبة وجوه الواقفين ، ابتلع الفندق الجميع وأغلقت الأبواب ، ولم يعد أثر للحياة في الشارع العريض سوى ظهره المنتصب ورأسه المرفوع وسط محيط الجفاف .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
عبد القادر الدباغ ( 2009 / 11 / 9 - 06:25 )
قصة قصيرة تدخل في باب المنلوج الداخلي الساخن أبدى فيها الكاتب الكبير الجنديل مهارة فائقة في صياغة المنلوج .
زرع في جسد القصة شواخص تستوقف القارى وتدخله الى عالم الاجتهاد ( التفت الضيف اليه ، اكتست الريبة وجوه الوقفين ) هل ثمة علاقة سابقة بين بطل القصة والضيف الذي دخل الفندق ؟ ولماذا أخذ ظهره بالاستقامة ورأسه بالشموخ ؟ هل هي ردة الفقراء عندما يشعرون بالظلم أمام الاغنياء ؟ أم ماذا ؟
هذه الاسئلة وغيرها تجعلنا نقف أمام قلم مبدع طالما استمتعنا بروائعه ..
شكرا للجنديل على هذا الأفق الواسع الذي ينطلق منه وشكرا للحوار المتمدن الذي منحنا فرصة قراءة هذا القلم المقتدر الجميل .


2 - تعليق
ليلى الشيباني ( 2009 / 11 / 9 - 13:29 )
قصة اذا صحّ تسميتها بالمقطعية ، تتناول حالة نفسية لظرف طارى ،تتمتع باسلوب سلس وخالية من الترهل وتحمل بين طياتها أسئلة مبهمة .
لا أعلم بالضبط لماذا قفزت الى ذهني رائعة كافكا ( المسخ ) وأنا أقرأ ( جفاف ) . قصة رائعة وجميلة .


3 - تعليق
عبد الرحمن عبد العزيز ( 2009 / 11 / 9 - 19:17 )
قصة مشوقة وممتعة وهي تتناول حالات الاحباط والخيبة التي تعقبها حالة من الرجوع الى الوضع الطبيعي ، جميعنا نعاني أحيانا من حالات انغلاق ذاتي وكآبة لكن سرعان ما يثيرنا مشهد أو نستفيق على صدى كلمة لنعود الى أوضاعنا الطبيعية ...انها حزمة من ارهاصات داخلية واعتمالات نفسية صاغها قلم محترف .

اخر الافلام

.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص


.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض




.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة