الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ظاهرة الافلاس السياسي

جهاد الرنتيسي

2009 / 11 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


التفكير نوعان " حالة ابداعية " تبقي على ارتباطها مع جوهر المعطيات ، و تتفتق عن رؤى جديدة ، تصوب الخطأ ، وتنير الدروب المعتمة ، و" آلية نمطية " سرعان ما تضيق بها قوالبها الجاهزة ، ليكتشف اصحابها بؤس ادواتهم ، ومحدودية خيالاتهم ، ويجدون انفسهم في مواجهة وقائع ساهموا في تغييبها ، بقصد او بغير قصد .

وفي الوقت الذي يواجه " الاول " ما يشبه الطمس المبرمج في الحياة السياسية العربية تكفي خفة " الثاني " لدفعه بقوة الى السطح دون ان توفر له الديمومة وقوة الاقناع .

فالقراءات الفهلوية للاحداث رهينة لحظتها ، تتآكل في المنعطفات ، وتراوح تحت رحمة قوة و ضعف ذاكرة المتلقي .

وغالبا ما يغلف مثل هذه القراءات ، قدر من الادعاء ، وهامش من الشعارات التعبوية ، التي لا تخلو من تفسير مؤامراتي ، يراهن على التفكير الغريزي لانسان العالم الثالث .

يلتفت العاملون بالسياسة وصناع الراي العام الى مثل هذه التفاصيل ، بين الحين والاخر ، الا انهم لا يتوقفون عندها ، مع وصولهم الى ما يمكن اعتباره صيغة للتعايش معها .

لكن التفاصيل تتخطى احتمالات " التجاوز " و " الصمت " في ظل تنويعات خطاب قوى وشخصيات سياسية اردنية ، وعلى ضوء صدمة الوعي التي احدثها الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال لقائه وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلنتون في ابوظبي ، واعلان عزوفه عن الترشح لفترة رئاسية ثانية .

فقد اعاد عباس الى الاعتبار الحقائق التي سعى اعلام " الخنادق " و " الصيد في الماء العكر " لتزييفها ، مستفيدا من التناقضات الداخلية الفلسطينية ، والقلق الرسمي الاردني على مدى العامين السابقين .

ولدى الحديث عن الحقائق المزيفة تتبادر الى الذهن طبيعة علاقة قيادة السلطة الوطنية الفلسطينية مع المشروع الوطني .

فالمعروف عن عباس ورفاقه في القيادة التاريخية للحركة الوطنية الفلسطينية انهم اصحاب المداميك الاولى في المشروع الوطني الذي يمر بازمة حادة نتيجة عوامل داخلية وخارجية يعيها جيدا المتابع لتطورات الاحداث .

ولا يخفى على الراغب بقراءة علمية ، بعيدة عن الاهواء ، وسوء النوايا ، وما يصاحبهما من علل التفكير والتحليل التحولات التي احدثتها ذهنية عباس في اداء السلطة و صورتها لدى الاخر .

فالمؤشرات الممكن التقاطها بمجرد توفر التفكير الهادئ البعيد عن الانفعالية تقود الى تفسير عقلاني واحد ، جوهره سعي القيادة الفلسطينية الى فتح افاق الاستقلال من خلال توفير البنية التحتية والاعتراف الدولي للدولة الفلسطينية ، ومجمل هذه المؤشرات والشواهد يستحضر جوهر ثوابت موقف الزعيم الراحل ياسر عرفات لدى رفضه مقترحات كلنتون الزوج في كامب ديفيد .

ومع ظهور بوادر فشل مشروع الدولة المستقلة ، انحازت رموز السلطة الفلسطينية الى مصارحة شعبها بتقلص روافع تنفيذ الاستراتيجية المعمول بها ، وتزايد احتمالات العودة الى خيار الدولة ثنائية القومية ، التي كانت عنوانا سابقا للنضال الوطني الفلسطيني ، الامر الذي لقي تقديرا لدى الشارع الفلسطيني ، ممثلا بفصائله ونخبه ومثقفيه ، وظهر هذا التقدير واضحا في الالتفاف حول الرئيس عباس ومطالبته بالترشح لولاية رئاسية ثانية.

قد تكون مثل هذه الخطوة مبعثا لتشفي العدميين ، وتشكيك المشككين ، واقتناص الحجج ، وان تكشفت في المقابل عن وعي فلسطيني باهمية المكاشفة ، و المراجعة ، واعادة النظر بالاهداف والشعارات حين تقتضي الضرورة .

فالمنهج الذي اتسع حضوره مؤخرا في بعض الاوساط السياسية والاعلامية الاردنية امتداد لمسيرة طمس وتشويه الحقائق التي مهدت على مدى العامين الماضيين لتزيين وتسويق ممارسات مدمرة لقضية الشعب الفلسطيني .

وبفعل هذا المنطق تحول انقلاب حماس على الشرعية في قطاع غزة الى ممارسة ديمقراطية بامتياز .

كما اصبح الارتهان غير المبرر ، لقوى اقليمية ـ توظف بؤر التوتر ، ومن بينها المعادلة الداخلية الفلسطينية ، في تنفيذ اجندات قومية ، تتعارض مع المصالح العربية ـ تعبيرا عن نزوع وطني .

ويقود المنطق التضليلي اصحابه الى وضع الاصرار الحمساوي على ادارة الظهر للمصالحة الوطنية في اطار الحرص على الثوابت الوطنية دون أي اعتبار للانقسام الذي تتضاعف انعكاساته على القضية الفلسطينية مع مرور الزمن .

في بعض الاحيان تأخذ افرازات ازدواجية المعايير شكل التواطؤ الذي يضفي على عملية التضليل بعدا برمجيا .

فالمسكوت عنه ما بعد انقلاب غزة في مرمى البصر و يفوق امكانيات التجاهل و الصمت .

الا ان التستر على الممارسات التي تقوم بها الحكومة المقالة ما زال قائما رغم كل مظاهر تكريس نموذج قندهار الطالبانية في القطاع .

ويأخذ تجاهل " طلبنة " غزة منحى الجهل بمعطيات الصراع عند وضعه في سياقات عملية التضليل المبرمجة .

فالحديث عن صفقة محتملة بين السلطة الوطنية واسرائيل ـ مثلا ـ يتطلب بالدرجة الاولى استعدادا فلسطينيا لحلول على شاكلة الدولة المؤقتة يقابله استعداد اسرائيلي لمثل هذه الخطوة .

لكن السلطة الوطنية الفلسطينية لم تتوان على مدى العامين الماضيين عن اعلان رفضها لمثل هذا الحل الذي بقيت حركة حماس الاقرب اليه بطرحها فكرة الدولة المؤقتة .

ومن ناحيتها استمرت حكومة اليمين الاسرائيلي المتطرف في فرض الامر الواقع على الارض، ورفض الالتزام بمتطلبات استئناف المفاوضات مع السلطة الفلسطينيه ، لتقلص امكانيات التوصل الى اتفاق .

يضاف الى تناقضات الموقفين الفلسطيني والاسرائيلي هشاشة الموقف الاميركي الذي اظهر مؤخرا انحيازا للجانب الاسرائيلي بدلا من ممارسة ضغوط حقيقية لوقف الاستيطان .

ويكرس هذا الموقف وانعكاساته على التوازنات الاقليمية حالة التناقض الفلسطيني ـ الاسرائيلي ، ليعزز فكرة استبعاد التوصل الى صفقات على حساب الاردن غير موجودة الا في مخيلة اصحاب التفسير التآمري .

غير ان العطب الذي اصاب مخيلات اصحاب هذا التفسير ابقاها عاجزة عن تصور حقيقة انحشار تحركات عملية السلام في زاوية ضيقة لا تتيح لمختلف الاطراف خيارا سوى ابقاء حالة المواجهة السياسية مفتوحة والبحث عن خيارات بديلة ، غير خيار الدولتين في حال وصوله الى طريق مسدود .

والتلويح بخيار الدولة ثنائية القومية ، الذي يستند الى طروحات سابقة للحركة الوطنية الفلسطينية ، وتجارب نضالية خاضتها شعوب اخرى ، يكشف عن ثراء التفكير السياسي الفلسطيني ، وقدرته الخلاقة على فتح جبهات اخرى ، في حال تلاشي احتمالات قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة .

انغلاق فضاء الاحتمالات امام التضليليين لم يتح لهم التعامل مع هذه الحقائق والبناء عليها ، مما ابقى طروحاتهم في دائرة التوتر والحسابات الصغيرة والمعارك اليائسة ، التي لا تليق بقضايا وتحديات كبيرة .

وتوفر معاينة حالة الافلاس التي يعيشها اصحاب النهج التضليلي ما يكفي لتفسير الحملة البائسة التي شنها اكبر تيار سياسي اردني ـ نيابة عن حركة حماس ـ ضد الزيارات التي يقوم بها رموز السلطة الوطنية الفلسطينية وقادة حركة فتح للمملكة .

فقد استندت حملة التشكيك الى ما اعتبرته تمييزا حكوميا اردنيا بين قيادات حركتي فتح وحماس .

وكعادة اصحاب هذا المنطق ، تجاهلوا في حملتهم منظومة من الحقائق التي لا يغفلها قادر على قراءة الابجديات السياسية .

من بين هذه الحقائق ان حركة فتح حزب السلطة الوطنية الفلسطينية ، التي تحظى باعتراف عربي ودولي ، وحماس حركة انقلابية في قطاع غزة ، تمثل حالة تمرد على سلطة معترف بها .

ولا يخلو الامر من تجاهل ـ مقصود او غير مقصود ـ لطبيعة النظام السياسي الاردني منذ بداياته والتي لم تدخل عليها تغييرات جوهرية مع مرور الزمن .

فالمعروف عن النظام الاردني اتزانه وترفعه عن المسلكيات الصبيانية التي اعتادت عليها انظمة الصوت العالي كاحتضان المعارضات لابتزاز الجوار والمتاجرة بالدماء التي تحول الانظمة و الحكام الى مطلوبين للعدالة الدولية والتعامل مع القضايا العادلة باعتبارها اوراقا سياسية .

ومن المؤسف ان هذه القوى السياسية والمتقاطعين معها لا يملكون القدرة على مراجعة منهجية تفكيرهم لاكتشاف فضيلة التعامل مع الحقيقة بدلا من تغييبها والتعامل مع جمهورهم باعتباره بشرا قادرا على التفكير ويستحق تحليلا منطقيا يليق بالعقلاء .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل وحماس تتمسكان بموقفيهما مع مواصلة محادثات التهدئة في


.. إيران في أفريقيا.. تدخلات وسط شبه صمت دولي | #الظهيرة




.. قادة حماس.. خلافات بشأن المحادثات


.. سوليفان: واشنطن تشترط تطبيع السعودية مع إسرائيل مقابل توقيع




.. سوليفان: لا اتفاقية مع السعودية إذا لم تتفق الرياض وإسرائيل