الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دولة القانون الدولة الحلم (4)

سامر عنكاوي

2009 / 11 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


دولة القانون الدولة الحلم (4)

سامر عنكاوي

في منطقتنا حيث العراق منها هو القلب, تدخلات عربية وإقليمية وعالمية, وصراعات عقائدية وعلى كل الصُعُد, قومية عرقية دينية طائفة, وعلى الحدود وشكل الدولة ونظام الحكم والحقوق والحريات " في الدولة الواحدة وبين الدول المختلفة " وكأننا في مخاض يُعسّر ولادة وينذر بمزيد من الحروب وتبدو نهايته بعيدة, ولكن هناك صراع رئيسي بين إمبراطورية غابرة تعمل على بعثها قوى قومية طائفية عقائدية متعصبة عمياء توظف الدين والمذهب, لا تتورع في سبيل تحقيق أهدافها من تدمير البشر والشجر وكل منجزات الإنسان المادية. وإمبراطورية فتية في طور التكون والصيرورة تتضح معالمها يوم بعد يوم رغم التلكؤ أو التراجع الظاهر هنا أو هناك, ولن تستطيع أي قوة في الكون أن تردعها عن تحقيق مصالحها, مهما كان الثمن وارتفع عدد الضحايا.

منطقتنا عائمة على بحر من النفط, العامود الفقري لأي تشكل إمبراطوري استعماري استغلالي تسلطي, الاستيلاء أو السيطرة عليه أو إدارته خطوة نوعية نحو استكمال بناءها, تقدم أي مشروع سيكون على حساب الآخر وانحساره, بمعنى آخر, العراق ساحة لمشروعين متقاطعين والصراع تناحري قد يؤدي إلى إشعال المنقطة برمتها وإحلال الدمار فيها, وستكون شعوبها الضحية والقربان لتحقيق مصالح اقل ما يمكن أن يقال عنها, أن لا علاقة أو مصلحة لشعوب المنطقة بها.

المشروع الإيراني قوامه تحالف إيران مع سوريا, ومريديهم في العراق والخليج ولبنان وفلسطين واليمن والسودان وغيرها, وبقايا الأنظمة الشمولية. المشروع الأمريكي مدعم بترسانة أسلحة لم يسبق لوجودها مثيل ولا نعرف عنها الكثير, ودخل قومي عملاق, وتقدم علمي هائل, ومؤسسات بحثية ضخمة, وهيمنة على منظمات دولية مالية وحقوقية, ومريدين في المنطقة والعالم.

العراق هو قلب المنطقة لما يتميز به من موقع جغرافي, وحضارة عريقة, وتاريخ علماني قريب واحتضان للعلماء, وتنوع ثقافي قومي اثني ديني طائفي, وحوض نفطي باحتياطي كبير " ثاني اكبر احتياطي بالعالم ", وطاقة بشرية زاخرة واعدة معطاء.

العملية السياسية في العراق واقع معاش والبدائل بتقديري ليست شحيحة فقط وإنما فات أوان محاولة إحلال بديل أفضل بقوة السلاح, بسبب الفوضى التي حدثت ولا تزال مستمرة, والانقسام المجتمعي الحاد كموروث صدامي, وفقدان الثقة وتخندق وتسلح معظم الأحزاب السياسية, وعمق التوجهات الدينية, وأيضا بسبب عدم تبلور تيار ديمقراطي ليبرالي علماني فاعل يستطيع أن يغير المعادلة, وبالتالي اعتقد ان الطريق السلمي هو المتاح ألان لإصلاح الأحوال الاقتصادية والاجتماعية من خلال العملية السياسية التي فرضت نفسها كطريق وحيد معقول للتغيير وليس الأمثل أو المفترض, لحفظ دماء العراقيين والحيلولة دون الانزلاق في صراعات دموية بين مؤيد ومعارض لهذا الشكل أو ذاك من الحكم والبناء أو من أساليب النضال ضد المحتل.

ولكي تمضي إيران بمشروعها التوسعي الإقليمي واستكمال برنامجها النووي عليها أن تعمل على إزاحة العقبة الرئيسية المتمثلة بالمشروع الأمريكي في المنطقة, والبداية لابد وان تكون العمل على إفشال العملية السياسية في العراق بتوظيف نفوذها على بعض السياسيين وبعض المليشيات المتغلغلة في الأجهزة الأمنية والجيش والشرطة ودوائر الدولة, واستثمار تحالفها مع سوريا لخروج الأمريكان من المنطقة, وبسط النفوذ والتمدد في العراق والخليج ولبنان وفلسطين, والمضي في البرنامج النووي لإحكام السيطرة.

مطلب العراقيين الأول كان وما يزال هو الأمن, الذي يعتبر احد أهم الأسس الضرورية للاستقرار والبناء والتقدم وتكريس الديمقراطية الحقيقية وتفعيل الرقابة ومحاربة الفساد, ومنذ انتخاب السيد المالكي كرئيس للوزراء تحققت في هذا الاتجاه منجزات مهمة :-
- محاربة المليشيات التي عاثت في وسط وجنوب العراق فسادا وترهيبا وقتلا, بعد أن شكلت هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وقتل فقط في البصرة أكثر من ثمانين امرأة ومنعت الأفراح والأعراس والسينما والمسرح والموسيقى والتنزه, وتم خنق الحريات مما جعل الحياة جحيما لا يطاق, وبعد قيادة السيد المالكي الحرب ضد المليشيات في صولة الفرسان, تم تحجيم اغلبها وتنفس العراقيون في وسط وجنوب العراق وخاصة البصرة الصعداء, وحصل الناس على هامش من الحرية متأملين في المزيد منها في المستقبل.
- تم تحجيم تنظيم القاعدة (دولة العراق الإسلامية), التي كانت تتحكم في مناطق واسعة من ديالى والمنطقة الغربية والموصل, وتم تحرير الإنسان من أسوء استبداد عرفه العراقيون بعد الاستبداد الصدامي, وهذا انجاز يحسب لإدارة السيد المالكي وتنظيم الصحوات.
- جرت محاولات عديدة للانجاز مشاريع خدمات ( كهرباء ماء مستشفيات مدارس بناء مساكن وصرف صحي وغيرها ) ولكن تمت عرقلتها بسبب تجاذبات الأطراف السياسية في البرلمان وقناعة هذه الأطراف بان أي انجاز للشعب العراقي سيكون انجاز للحكومة ورئيس الوزراء, وبالتالي تصرفت القوى المحاصصية بأنانية جاهلة وضربت عرض الحائط مصالح الشعب العراقي ومصالحها باعتبارنا كعراقيين كل واحد, وفضلت تحقيق مصالح حزبية أو قومية أو طائفية ضيقة قريبة على حساب مستقبل العراقيين وحياة أبنائهم.

اختراق السيد المالكي للمحاصصة ومحاولة الخروج بالعراق من المأزق الطائفي وتبنيه للنهج الوطني العقلاني والتبشير ببناء دولة القانون وانحسار المليشيات واستتباب الأمن نوعا ما, أدى إلى تعريض المشروع الإيراني للخطر لكون العراق هو إحدى الحلقات الرئيسية أو نقطة الارتكاز لهذا المشروع, بمعنى أدق, التوجهات الجديدة للسيد المالكي أضعفت جبهة الموالين لإيران وستحد من تدخلاتها في الشأن العراقي, وبالتالي سيؤدي هذا إلى فشل مشروع القوى القومية الفارسية في المنطقة وانحساره وتراجع هذه القوى إلى داخل إيران وتفاقم أزماتها الداخلية التي لاحت بوادرها بالانتخابات الأخيرة ولن تجد تصريفا لها في الخطر الخارجي المزعوم ولن تسلم حتى على سلتها بعد فقدان العنب. بمعنى آخر ان صراع إيران مع الولايات المتحدة هو صراع وجود, أما وإما لا خيار ثالث بينهما, لا مهادنة ولا حلول وسطية.

بتقديري إن هذا التحليل أو هذه القراءة يمكن أن تساعد في تفسير الانفجارات الكبيرة الأخيرة في بغداد, والتي وحدت العراقيين وبينت عمق التآخي, حيث اختلطت أجساد ودماء المسلم والمسيحي والسني والشيعي والكردي والعربي والتركماني وغيرهم من أبناء شعبنا العزيز في لوحة من أشلاء الجميع زيتها الدم, تؤكد بان المستهدف هو العراقي بهوية عراقية كورقة ضغط رخيصة لا أكثر بنظر القتلة.

التفجيرات الأخيرة استهدفت بالدرجة الأساس العملية السياسية وحكومة السيد المالكي, والحرب لن تتوقف, والإرهاب سيستمر حتى يعود السيد المالكي إلى خندق الطائفية ويكرس الانقسام المجتمعي المدمر الذي نتيجته ستكون تقسيم العراق وتأهيله موضوعيا وذاتيا لامتداد إيران على جزء كبير منه.

العراق في خطر عظيم وعلى السيد المالكي تنشيط وتفعيل قائمة دولة القانون التي يقف خلفها اغلب مكونات الشعب العراقي الذي كفر بالطائفية والفساد ونبذ التخندق والتسلح وينتظر الخلاص والحياة في وطن حر في الدولة الحلم دولة القانون. وخلاف هذا يعني توسيع الخنادق وارتفاع جدران العزل بين مكونات الشعب وتكريس الانقسام واشتداد الصراع وضياع المستقبل والعودة إلى مربع المقبور صدام بإقامة دولة الاستبداد وإحلال الدمار بدل البناء في الوطن الواهب العزيز.

تراجي ذهب:- المبادئ والقيم والوطنية أصبحت في ذمة التاريخ مكانها المتاحف والمصلحة الضيقة هي المحرك مهما كان الدم.



















التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الأخ سامر
محمد علي محيي الدين ( 2009 / 11 / 9 - 11:10 )
كيف يمكن بناء دولة القانون في ظل الأصطفاف اطائفي ووجود أجندات خارجية تعمل للتمدد في العراق من خلال أرتباطاتها بهذه الجهة أو تلك وأن أتخذت من القنون والدفاع عنه ستارا للتغطية على أهدافها في السلطة والأستحواذ والأنتخابات القادمة رغم الدعاوى المختلفة لسلوكيتها الوطنية الا أنها لا زالت تسير في الطريق الطائفي وأن بشكل جديد ولا أعتقد أن بأمكان هذه الأحزاب تغيير جلدها بين ليلة وضحاها والتنكر للجهات التي أوصلتها الى الحكم وأن ما يجري ما هو الا سيناريوهات تخفي ورائها الكثير مما نحذره وربما تشهد الأيام القادم أصطفافات طائفية واضحية لا تخفيها الترقيعات وأن غدا لناظره قريب.


2 - دولة حلم ان رجعت للطائفية ستكون كابوس
حسين صادق ( 2009 / 11 / 10 - 07:52 )
قبل اسبوع من اليوم كان اعتقاد العراقيين بأن المالكي سوف يكون مثالا للوطنية التي اثبتها ولم يقلها وسيسير بالعراق الى الديمقراطية والحرية والبناء وهو الرجل المناسب في المكان المناسب اما الان فلا ارى الجانب الاخر(المستقبل) وليس من بصيص امل للعراق اذا ماتراجع المالكي عن خط الوطنية ونزل الى خندق الطائفية وسيكون الخاسر الاكبر حاله حال سلفه الشفاف ابراهيموفتش جعفري


3 - تعليق
محمد علي محيي الدين ( 2009 / 11 / 10 - 11:08 )
العزيز سامر عينكاوي
الأعلام شيء والتوجهات شيء آخر وأعتقد أن الأستاذ المالكي سيضطر للدخول في الأتلاف العراقي بسبب الضغوط التي مورست ضده وكان عليه أ، كانت قائمته وطنية فعلا وتهدف لبناء الدولة الوطنية الديمقراطية الأئتلاف مع القوى الوطنية الحقيقية وعدم السكوت عن الوزراء الفاسدين لأنه لا يتحمل نتائج أدارتهم لوزاراتهم بقدر تحمل الجهات التي جائت بهم لكرسي الوزارة وهو بحكم منصبه لديه من الوثائق والأدلة الشيء الكثير على ملفات الفسادوبأمكانه فضح الفاسدين ليأخذ مكانته الصحيحة بين العراقيين أنني أول من يصفق له لو كشف فاسدا وأحاله الى القضاء أما أن يتستر عليهم ويسمح لهم بالأفلات من العقاب فهذا مما أنقص من حظوظه الوطنية في نفسي كذلكعليه العودة الى الشعب وكشف المستور وليكن بعد ذلك الطوفان أما التستر على الخروقات والفساد والتدخل الخارجي في شؤون العراقي فهذا من الموأخذات عليه والتي ستؤدي الى انقاص شعبيته ونتمنى لكل وطني شريف مهما كان حزبه أن ينجح في مروعه الهادف لخدمة العراق وشعبه بعيدا عن الطائفية المقيتة والقوميت المتشنجة مع بالغ ودي

اخر الافلام

.. مدرسة دولية -تسرق- الماء والكهرباء من مسجد مجاور في السعودية


.. العالم الليلة | تحذير بايدن من هجمات غير تقليدية بـ-الذكاء ا




.. بلينكن: يجب تسريع دخول المساعدات لغزة


.. العالم الليلة | الرئيس الصيني يزور أوروبا.. فما سر اهتمامه ب




.. تفاصيل إعلان ترحيل أول طالب لجوء أفريقي من بريطانيا طوعا إلى