الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قشرة البرتقال/ 13 صور باللون الرمادي

حامد مرساوي

2009 / 11 / 9
سيرة ذاتية


نشرت الجريدة الأولى المغربية (2009/10/27) قراءة موجزة للحب بعد الأربعين من العمر يوم الثلاثاء 27 اكتوبر 2009. خلصت الدراسة إلى فكرتين: فكرة مفادها أن الذاكرة في إمكانها الاحتفاظ بنبض الحب لمدة عشرين سنة. وفكرة ثانية تتلخص في كون الحب الذي يطفو بعد الأربعين عبارة عن نزوة سرعان ما تنطفئ.
أما الحال الحية التي ترزق، فهي المجرى الباطني لجدول حب استمر منذ 38 سنة. نعم 38 سنة. 38 سنة تساوي ثلث قرن وخمس سنوات زيادة.
ما السر في هذه الجمرة التي بقيت مشتعلة فوق الرماد وتحته. ألم تتبدل الفصول؟ ألم يأت زمهرير ليعيد مادة اشتعال الحب إلى حالة تخشبها الأول. ما معدن كل هذا الصبر وهذا العمر الطويل لعاطفة اسمها الحب الذي غالبا ما ارتبط في شكله العذري الغابر مع الأزمان بالصحاري والفيافي؟ هل يصدق الحديث عن الحب العذري في زمن التواصل والماديات والإشباع الجنسي؟ أم للحضارة الحالية حبها العذري؟ أم أن الزمن المغربي ما زال خارج منطق السرعة والحركية والتغير والملاءمة؟ هل تمكن هذا "الحب المزمن" إن صح التعبير من التلاؤم مع العصر؟ أم كان نقيض العصر من صلبه؟
التوضيح الأول بل التفصيل الضروري هو أن الحياة الأولى لهذا الحب المعمر امتدت أربع سنوات متقطعة. منها سنتان ونصف تربى فيها الجنين وخرج إلى الوجود في شكل غراميات أولية مباشرة عذرية معا. بسبب السن المبكر، خصوصا لسعاد(مواليد 1960). أما أحمد فكان يكبرها بست سنوات(مواليد 1954). ما بين 1970 و1975، ولد الحب المعمر. في مخاض عسير. من نطفة جميلة من صنف أبناء الجيران. حيث المودة بين الأسرتين. وفرص اللقاء وتنمية الألفة وحفر الصور الجميلة في صلب الذاكرة. بحيث تعددت حتى اندمجت في القرص الصلب للكيان العصبي لكليهما.
كان الحوض المجتمعي الحاضن لجنين الحب جزءا من اللحمة البشرية التي تعيش تناقضات المجتمع المغربي في السبعينات من القرن الماضي. كانت الحرب الباردة تتيح الفرصة لتصل فضائل التنافس الثقافي والسياسي بين اليسار الاشتراكي واليمين الليبرالي على الطريقة الأوربية الفرنسية. وبالتالي كانت التربية المتدينة مندمجة في الصخرة الأصلية للبنية الفكرية. كانت قابلة لفرز القيم الصلبة في الاتجاهين اليساري والأصولي، مثلما صور ذلك نجيب محفوظ في الثلاثية الروائية. جدلية التفكيك الليبرالي لم تكن بعد قد توفرت على ميكانزم شامل مثل ما هو الأمر اليوم تحت سقف العولمة ومع التكنولوجيات الجديدة. وبالتالي كان البيت ركنا محصنا لفرز خلاصات ما عبر كيمياء مكونة من التعصب الأبوي الذكوري والتسامح الأنثوي. بسبب الاختلال الحاد في ميزان القوى بين الجنسين تحت سقف الأيديولوجيا التقليدية الباردة الضعيفة التأثير وغير القادرة على التعبئة.
أما المدرسة فقد كانت النبع الجديد للأفكار المغايرة. كان الدرس متنوعا. من حيث المغاربة والمصريين والفرنسيين كأساتذة. ومن حيث اللغتين العربية والفرنسية عالمين يربطان ويفصلان في نفس الوقت بين العصر والخصوصية، بين الحرية والتقاليد. وكانت المواد الأدبية والعلمية متكاملتين. من حيث تخصيب الخيال بالمعلومات العلمية في العلوم الطبيعية والفيزياء والكيمياء والجغرافيا والتاريخ والفلسفة. ومن حيث مقاربة المجتمعين العربي والأوربي: "لوروج إي لونوار" للروائي الفرنسي استاندال، "زقاق المدق" لنجيب محفوظ. في نفس الوقت سبق للذهن أن زار عوالم "لقيطة" لمحمد عبد الحليم عبد الله و"العبرات" و"النظرات" و"بول وفيرجيني" لكل من مصطفى لطفي المنفلوطي وبرناردان دوسان بيير.
وكانت الهشاشة الاقتصادية تترك الأسر معرضة لأزمات عارضة ومزمنة، تعصف بالوضع الإجمالي للأفراد وللأسر. كان تعويض عطالة الكبار بعمل الأصغر سنا، يساعد على نقل الاختصاصت السلطوية في المجتمع. وإذا ما أبقى عليها كما هي، يسبب ذلك في حدة التناقض بين قوى الإنتاج كسلاح لدى الأصغر عمرا مقابل التحكم في علاقات الانتاج من طرف الأكبر سناًّ. إذ نصبح أمام حالة اجتماعية مذمومة "اخدم آلتاعس للناعس". كما يساعد ذلك على تفكك بنية السلطة داخل العائلة، وعلى انهيار المجتمع الذكوري في الأخير. وبالتالي يحدث أن يقع تحت العين توقف إعادة إنتاج القيم السائدة. فتنبثق أفكار مغايرة.
كانت سعاد كتبت أحمد ببراءة الحب الوليد: "الزواج بلا أولاد، كالخيمة بلا أوتاد" بقلم فوتر أحمر عريض الخط. من قال إن هذه العبرة الديمغرافية الشرقية ظلت متحكمة في ذهنية أبويها متبنيها، إلى يوم قرر الأب الطيب الصموت أن يرحلها رفقة الحاجة، متخليا عنها، هي التي تتذكر أنها لم تكن تنم قبل أن يرجع من العمل لتعانقه وتدخل معه تحت الغطاء بنتا وحيدة عزيزة، سرعان ما ملأت زوجته الثانية الفراغ وفصلت بين الأب والبنت، ليتذكر الجميع أن زواج الأب الراجزي مع الحاجة خيمة بلا أوتاد، وأن وجود سعاد ليس لم يعد كافيا ولا واقيا من اقتلاع الخيمة من طرف رياح الزواج الثاني، بل أصبحت تعلة في حد ذاتها لاقتلاع الخيمة الأولى التي ظلت بيولوجيا بلا أولاد.
ذات يوم، وتحت سمع سعاد عبر الأب المتبني عن تخوفه الشديد من خطر الحمل الذي قد يحدث من أحمد الذي لا يتوقف عن بعث الرسائل الغرامية إلى سعاد عبر السطح. كانت الحاجة هي المعنية بالتهديد. وكان التصريح تهيئة لاقتلاع الحاجة وسعاد من الخيمة.
كانت الأسرتان متساكنتين. يفصلهما درب العبيد الضيق. أما البنية الذهنية فكانت ممزقة بسبب الانفصال بين الايديولوجيا وبين الأوضاع العائلية الفعلية. فكانت المصائر تتجه صوب منعطفات مفاجئة دون سابق إنذار. ظل أب أحمد عاطلا عن العمل بلا سبب مفهوم سوى كون الإبن الأكبر أصبح موظفا! ولتكرس افطيمو المطلقة زهرة شبابها للخياطة كي تستكمل نفقات أب عاطل في أوج قدرته عن العمل. لذلك اتجه الأب في الحي نحو التفرغ لخدمات مسجد عين أبي فارس خصوصا تلك المقدمة للمصلين يوم الجمعة. كان يبرر قعوده عن إعالة من تبقى دون سن الرشد تحت كنفه. ثم ما لبثت البنت الثانية أن بحثت عن العمل في شركة لبيع وإصلاح الآلات الفلاحية بمدينة زراعية مجاورة. وفي السنة التي تقدم فيها للباكالوريا، يتذكر أحمد أنه اقتيد رفقة أبيه ليبحث له عن عمل دون استشارته في مؤسسة موسيو كونط، أي مقلع الحجر المجاور للمطار الجوي الصغير القريب من وزان (بتسميته المحلية الغريبة: لاغار الطيارة)....
كان أحمد يأمل مسبقا أن يغلق في وجهه باب العمل (وكذلك كان) ليتمكن من الالتحاق بالرباط حيث لجأت حبيبته سعاد لتعيش هناك. كان ذلك المسعى نفسه موحيا لأحمد بمقاله السياسي الذي أرسله لإذاعة ليبيا في برنامجها التحريضي ضد النظام ضد المعمر الفرنسي موسيو كونط. أم كانت حيلة من الأب لتبرئة ذمة الإبن من سياسته العاقة ضد المخزن. ربما... فقد كان الأب صديقا لفرنسي آخر ضابطا في المياه والغابات،...أم سبق المقال عن موسيو كونط البحث عن عمل عنده...ثقب في الذاكرة في هذه النقطة بالذات. في جميع الأحوال، من المفروض أن أحدا لم يعلم بالمقال إلى اليوم. ومن المفروض التخوف من التراسل مع صديق جزائري مع تهمة ممارسة السياسة خفية من طرف الذي لم يستحق بعد في تجربته الحياتية تهمة البرهوش.
لم يتذكر أحمد اسم من دله عليها، لكنه رفقة حبيبته بعد 36 سنة (اكتوبر1973ـ اكتوبر2009) يقف أمام نفس الشخص (أوعسو) لتقدمه له تحت وضع مستعار(= أحمد، راجلي، أبا الحاج).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بسبب نقص الغاز، مصر تمدد فترات قطع التيار الكهربائي


.. الدكتور غسان أبو ستة: -منعي من الدخول إلى شنغن هو لمنع شهادت




.. الشرطة الأمريكية تفض اعتصام جامعة فرجينيا بالقوة وتعتقل عددا


.. توثيق جانب من الدمار الذي خلفه قصف الاحتلال في غزة




.. نازح يقيم منطقة ترفيهية للتخفيف من آثار الحرب على أطفال غزة