الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قشرة البرتقال/ 14 شعاع الجسد

حامد مرساوي

2009 / 11 / 9
سيرة ذاتية



عبر الكلمات المرقونة بسرعة في الإيمايل، هل يمكن للنفس أن تستعيد ملامح الصورة الجسدية للشخص المحبوب؟ الشخص المحبوب! كيف بعد الزمن المتدفق المتواري الغابر، تصمد الصورة. في سيرة من السير المحكية من طرف السي احمد كبيري، تذكرت بطلا من صنف الكلادياتور، سبارطاكوس، ذي القرنين، كان اسمه "معروف" صمد محاصرا بالسلاسل والأصفاد سنوات في قبو، نفق، تحت صبيب الماء الدائم التدفق. كذلك صمدت مشاعر حب سعاد في القلب والذاكرة كما لم يصمد أثر آخر.
إلى اليوم: بيابسور! تحريف لحرف النون (بيانسور) الصيغة الفرنسية لمعنى "بالتأكيد!" العربي، تسخر سعاد من أحمد مزاحا، وهي تذكره بنقرته على لوح الحروف فوق حرف الباء اللاتيني المجاور لحرف النون. عندما أكد لها نعم هو الصديق الذي فقدته أكثر من 30 سنة مضت! بعد تأكيد الهوية من الطرفين، كأن شلالا من الحب تفجر من جديد بينهما. الحب بصيغة الغائب انكشف فجأة ليجد الطرفان نفسيهما من جديد "وجها لوجه"، بل وجدا لوجد. شوقا لشوق.
ثم يرن الصوت عبر الهاتف بعد أقل من أسبوع على المفاجأة المكتوبة في الفييسبوك. هل يمكن للصوت أن يخصب ما تبقى من الصورة الماضية ليرسم الملامح الحد الأدنى بتفاصيل أدق بل أقل هلامية. قوة سواد الشعر ورقة الحواجب والشفاه مع الأشفار المهللة باستدارة كما لو خرجت للتو من صالون التجميل. ثم الأنف الذي وجد مكانه على مسافة مقاسة بدقة بين العينين والفم، ضمن استدارة وجه صغير بشوش. تلك الملامح الهندية أو الإيرانية أوالشامية أو التركية أو الإيطالية الجميلة، هل يوحي بها الصوت عبر الهاتف. نعم، كرس الصوت جزءا من استعادة الملامح في المخيلة. لا ليس استعادة بل استصلاح الرسم كما لو اقتضت الصيانة الخيالية إبرة أو إزميل الصوت عبر الهاتف لاختراق طبل الأذن، مثل أشعة اللازير لتركيز الصورة من جديد أو تجديد نتوءاتها في خلايا الدماغ.
ثم ما لبثت العودة إلى الواقع أن أتبثت الملامح عبر الصورة المنقولة على شاشة الحاسوب. من هلامية الخيال عن سعاد ما قبل سن 17، إلى تفاصيل المرأة التي ولدت ستة أبناء وبنات، البالغة سن 49. ما هي المسافة المقطوعة جسديا؟؟!! ما هو التغير الحاصل في الملامح؟ كيف كان الأثر على الجوارح؟؟!! هل ضمر الحب المحتفظ به في ثلاجة الخيال؟؟!! هل خفتت المشاعر المشتعلة بعد التواصل عبر الانترنت؟؟!!
الغريب ولا درجة من درجات الاشتعال انخفضت.
ماذا لو رأيتها مباشرة.
يوم 24 شتنبر2009، ثلاث نساء، إحداهن تلوح بيديها وتبتسم. العالم كله لا أثر له أمام العين سوى تلك التي تلوح وتبتسم. يبهر أحمد برؤية من لم يرها منذ 34 سنة!!!!! جميلة كما في الصغر. ليس عليها أثر ربة بيت وأم لست أولاد! أبدا! قوامها لا يوحي بالولادة قط! لم تلد! ليست نهمة في الأكل! ليس لها بطن التي قهرها المطبخ والنفاس ست مرات!!!!
عندما يتطابق الحب الطفولي مع حنين الكبر مع جمالية الراهن المجسد، تشتعل كل المصابيح في الروح والجسد. لا تكفي القبل. تنحدر الدموع بمجرد ما يتفجر الموجود بذكر المفقود. إذ تتراقص فراشات الذكريات. تتحرك الأصابع نحو كل المواقع. ليس للحبيب على الحبيب حرج.
لم يخطر على بال أن يستعيد الجسدان ما يستحقانه من بعضهما. ففي البلاد العربية ما يكفي لقطع دابر الأمل في كل أمر. لكن سعاد مع أحمد وأحمد مع سعاد كما لو لم يكونا سوى في الحلم. وحده الحلم أسعفهما. فكأنهما يعيشان لحظات من بول وفيرجيني. أمر غير قابل للتصديق.
لقد ذكر مثقف مغربي ثاقب النظر أن الغرب الذي انحرف بالعلم نحو الاستعمال المدمر لطاقة نووية خارقة، شتتت شمل الإنسانية يومي 6 و9غشت 1945، عاد ليكفر عن ذنبه باختراع الانترنت ليعيد توحيد البشرية عبر خيوط تنسج كلما ارتد إلينا بصرنا بسرعة الضوء. وكما يحسن أن يحصل التطابق بين العلم والحقيقة، فقد تمكنت سعاد من استعادة أحمد المختفي في غابة المجتمع بعد 34 سنة من الغياب.
لطالما، بكت أمام أمها الحاجة يوم أخبرتها أن أحمد عاد يستفسر عنها بداية سنة 1977، دون أن تتمكن من رؤيته. كما ترددت أكثر من مرة أمام الخزينة العامة بالرباط، لما أخبرتها الحاجة ثانية أنها رأته مارا هناك. استسلمت لأكثر من تازمامارت ودرب الشريف المجازيين، أما سجن لعلو فقد دخلته حبلى في سن 17 من عمرها.
لكل الدواعي التي تدفقت على جسدها، تاركة جروحا لن تندمل مهما انقلب الكون، قيامات قيامات، رأت في أحمد كما عثر فيها على نفسه، كل ما نقص منها عبر الرزايا والأزمات...
لم يستهلك أحدهما الحياة الحميمية من قبل كما غنما ببعضهما، كل نقطة في جسديهما حبيبة. وقد التقيا بعدما ربحت البشرية كل الاستدراكات البيولوجية مع العولمة. سواء تلك التي ورثتها الحرية سنة 1968، أو ما وسعت آفاق التغيير مع تبدل الثقافات وتبادلها عبر التكنولوجيا المعلوماتية الجديدة.
فلم يستبقي سعاد وأحمد من جسديهما لبعضهما ذرة لشخص آخر. لقد جسد كل واحد منهما ظالته الحرية والحميمية مع توأم روحه المستعاد. وتحول الجسد لمجرد شعاع، من عمق ما تخلص كل واحد منهما من عقد المجتمع البشري. فأسلم روح حبه لجسد نصفه الثاني حقا وفعلا. قالت سعاد: "ما كنحس بالخيانة غير مللي كنسلم نفسي لغيرك يا حبيب قلبي".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عشق و وله
سمر ( 2009 / 11 / 9 - 16:22 )
وقفت مشدوهة ا مام عشقكما وولهكما ببعضكما البعض و رحت اتسائل هل في زمننا هناك بقايا من حب قهر الزمان؟ حبكما هو فريد من نوعه اتمنى أن تشاركنا غرامكما الرائع

اخر الافلام

.. غزة : ما جدوى الهدنة في جنوب القطاع؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. حتى يتخلص من ضغط بن غفير وسموترتش.. نتنياهو يحل مجلس الحرب |




.. كابوس نتنياهو.. أعمدة البيت الإسرائيلي تتداعى! | #التاسعة


.. أم نائل الكحلوت سيدة نازحة وأم شهيد.. تعرف على قصتها




.. السياحة الإسرائيلية تزدهر في جورجيا