الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقطع من شعرها الطويل الطويل ، الطويل ..

عبد العظيم فنجان

2009 / 11 / 9
الادب والفن


بقيتْ مخلصة لخطوط جَمالها الذي كان أنيسنا ، في وحشة الصحراء ، إذ يهبط الليلُ بكامل مطارقه على الثكنة ، فيستيقظ ذئبُ الحاجة ، في مقاطعات أجسادنا القاحلة ، باحثا عن أنيابه في سلة الماضي ، لكنها الآن حبلى ، لم تضع مولودها البكر بعد ، ربما لكثرة ما ضاجعها من جنودٍ في وقت واحد ، كنشيدٍ في الحرب يسمعه الجميعُ ، من مذياعٍ أدمنَ نشر ثياب القتلى والأحياء على حبال الأثير ، ولم توقفه إلا المعجزة ُ: عندما تتجلى عارية وتمشي ، وحدها ، في المعسكر ، فيرتدي القتلى ثيابَ الأحياء ، في نشرات الأخبار ، وتمتد رؤوسنا ، تلقائيا ، من ملاجيء نعيشُ فيها كالجرذان : نقرضُ حبالَ حياتنا من أجل أن يكفَّ الانتظارُ عن تسلـّق سياج عزلتنا ، فيما هي تردّدُ ، مثل طيف ، اغنية نسيناها لكثافة البرق ، الذي يخرُّ في صحوننا ، ساعة يعلن البوقُ نفيره العام ، وهو يأمرنا بالهرولة حتى الصباح ، أو بحفر الخنادق .

كانوا يبعثون بنا ،
أحيانا ،
لجرّ القتلى من نظراتهم ،
حيث بين الدموع الاخيرة نقرأ عتابا حزينا الى الله ، وهناك رسالة إليها :
هي المعشوقة الكلية الحضور ، بعد غيابهم .

يحدثُ أيضا أن نجدها مرسومة على الشراشف ، مع مقطع من شعرها الطويل ، ينحدرُ طوال الأسرّة : لكل واحد حصته . لكل واحد اقليمُ من ضواحي بطنها ، وضبابٌ من تلول سرّتها ، فيما ساقاها المشعّان ، كسماء صافية النجوم ، يغطيان أجسادنا بدفء نادر ، فنضاجعها بحنان تحت شمس المخيلة .
ذلك مما يجعلها أكثرَ الأساطير حقيقية ، فمن عينيها يزحفُ كلُ القتلى في حروب التاريخ ، عائدين كجيش ٍ ساخط ٍ من عفونة الشجاعة ، ملقين عنهم سلاحهم وجروحهم ، غير عابئين بالجهة التي منها سيأتي الموتُ ، بغتة ، ويجرفنا معهم بتياره الى العالم الآخر ، ممسكين بقبضة من حرارة الحياة المخبؤة بين طيّات جسدها.

كانت امرأة متوَهَمَة ، مع ذلك فقد كانت تلوّح بنيراها ، وهي مرسومة على سرير الخطوط ، بعد أن شكـّلتْ تقاسيمَ عريها مخيلاتُ جنود معزولين عن العالم : لابثين كانوا تحت خوذ تمنعُ أحلامهم من التحليق حول فوّهتين غامضتين ، مرسومتين على جبهتي قتال صدرها ، أيام كان الرملُ يقررُ نهاية الهارب منا بأقل لسعة عقرب ، بعضة أفعى ، أو بيد أقل رقة من أياد اولئك المجهولين الذين كوّنوها ، لهفة بعد لهفة ، عطشا بعد آخر ، مثل واحة يشربُ منها الجميعُ ، وتشربهم في آن واحد .

كنا قد حلمنا بها كل على انفراد ، فخلقناها خطا خطا : رسمناها بأظافرنا وحرابنا على حائط ، في صحراء ، في ثكنة ، هدمها من بعدنا جنودٌ قادمون من بلاد اخرى ، في حرب غامضة ، ففرتْ الى الشوارع باحثة عنا : نحن عشاقها الهائمين في أماكن شتى من العالم . نحن الذين لم نمتْ بعد ، رغم أننا لم نعد أحياء أيضا ، ففي مخيلة كل واحد منا نسخة أصلية من غنائها الخرافي ، من هذيانها المضيء في عتمة الشعارات ، ومن جسدها المقمر النبيل ، الذي لا يمكن محوه من على صفحة الشراشف ، التي نحتفظ ُبها كأوسمة هزيمة أو انتصار : نبسطها يوميا على أسرّة موتنا المحتمل ، في أية لحظة ، وفي أجسادنا شبقٌ غامض ، هو الزلزالُ الذي يضرب قيعاننا ، كلما نقصَ قليلا مقدارُ الفجر في كؤوس الخيال التي نكرعها ، ونحن نحفرُ مسام الظلام الكثيف في أحشائنا ، بحثا عن ذلك المقطع الذهبي من شعرها الطويل الطويل الطويل ، الطويل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد عصام أشهر لاعب فايرووركس: اتحسدت بسبب فرحي ومادف


.. وفاة الممثل الكندي الشهير دونالد ساذرلاند عن عمر يناهز 88 عا




.. الفنانة اللبنانية العالمية ميريام فارس تشعل أجواء كازينو لبن


.. سألنا الناس في مصر: ما رأيك في تصريحات الفنان بسام كوسا حول




.. -خانه التعبير-.. الناقد الفني أسامة ألفا يدافع عن تصريحات ال