الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف أكتب تقريرا أمنياً بنفسي

محمد منصور

2004 / 6 / 8
حقوق الانسان


بصراحة لست واثقاً من أنني أستطيع كتابة تقرير أمني بنفسي، لأنني أعتقد أن أهل مكة أدرى بشعابها، أي أن كتبة التقارير أدرى بنفسي مني، حين يكون المطلوب تحويل أي مظهر من مظاهر نشاطي المشبوه في الثقافة والفن إلى مادة لتقرير أمني.
على أية حال لا بأس من أعتدي على اختصاص الغير، فعسى ولعل هذه ( الشغلة ) تكسبني مهابة من النوع الذي يحصده السادة المخبرون، الذين ما إن يدخلوا مكاناً، حتى يصمت من يعرفون طبيعة عملهم احتراماً لوجودهم غير المرغوب به مثلاً، وحرصا على آذانهم من أن تلتقط ما يزعج مشاعرهم الأمنية التي تبقى على أهبة الاستعداد ضد أعداء الوطن من فاسدي الذمم والضمير!
لكن هذا لا يمنع من أن تُكتب التقارير حتى في أجواء الصمت المطبق، ( فقطع الأعناق ولا قطع الأرزاق ) رغم أن بعض المخبرين يحبون الاثنين معاً، وهكذا فبالإمكان ان تكتب على طريقة ( إنما الأعمال بالنيات ) وقد يكون المظهر الخارجي هو مفتاح التقرير الذي سيكشف النوايا المبيتة تلك.
أعتقد أن ابتسامتي الدائمة أول ما يلفت النظر لدى كتابة تقرير أمني.. فلا بد أن هذه الابتسامة المشرقة بإصرار مجاني أبله ولا معنى له، تخفي وراءها رغبة في ارتداء قناع الرضا، وهو مجرد قناع.. لأنه بخلاف ابتسامتي هذه التي تبدو كعاهة مستديمة، لا يوجد ما يؤكد أنني أتمتع بكل هذا الكم من الرضا عن الظرف الذي أعيشه كصحفي، وكمعد برامج اعتاد حراس المفرزة التي على باب التلفزيون، أن يروا اسمي بين الحين والآخر ممنوعاً من الدخول.
مسألة أخرى جديرة بالتأمل، وهي أن حجمي الضئيل وقصر قامتي، لا يشيان بما يمكن أن أكون عليه من حماقة في افتعال مشاكل أنا بغنى عنها في عملي الصحفي، وهذا يعني أنني شخص يتسلل تسللا إلى هدفه أو إلى ( خصمه ) إن صحت تسمية من تختلف معهم بالرأي ( خصوما )، وهذا دليل على أنني شخص مريب، أظهر خلاف ما أبطن.. كما أن وجهي الطفولي الملامح، الذي يوحي أنني طالب في المرحلة الثانوية في أحسن تقدير، يزيد من فرصة محاولة التمويه وخداع الآخرين، ويجعل الآخرين يطمئنون لي على اعتبار أنني شخص قليل الخبرة والتجربة والفهم، ولست أهلاً لأن يكون لي رأي مستقل في أية قضية أتطرق إليها، أو تتعثر هي بي!
أما نشاطي فهو دليل آخر على أنني شخص مريب، فتارة أعمل بوتيرة عالية، وتتاح لي فرص كثيرة لأكتب في أكثر من صحيفة، وأعد البرنامج التلفزيوني تلو الآخر.. وطوراً أنا غائب عن ساحة العمل الإعلامي، وكأن الأبواب جميعها أغلقت في وجهي، مما يعني أنني قد أكون مشغولا بنشاط معادٍ آخر، يستحق أن يدرس وأن يوضع تحت المراقبة الدقيقة، حتى لا أتورط فيما لا تحمد عقباه، على اعتبار أنني شخص صغير السن وقابل لأن يُغرر بي، وخصوصاً من قبل لجان إحياء المجتمع المدني، الذي ألتقي ببعضهم بين الحين والآخر في مقهى الروضة، وُأشاهد وأنا أصغي لبعضهم باهتمام، رغم أن طريقة دخولي على مجلسهم، تحاول أن توحي أن الأمر تم بمحض المصادفة المقصودة لا أكثر ولا أقل!
كما أن علاقتي ببعض مذيعات التلفزيون تبدو غير مفهومة، وخصوصاً أنني في كثير من المرات، ضُبطت متلبسا أشرب القهوة معهم في غرفة المذيعات في التلفزيون في جو من السعادة والحبور، وأنتقد الإعلام بصوت عال يكاد يصل إلى غرفة سكرتيرة مدير البرنامج العام، أو ينزل في أذني مدير التلفزيون ( طق ) حين يقطع الممر جيئة وذهاباً قاصداً غرفة المدير العام، الذي يطمئن الجميع عادةً إلى أن أبوابه السميكة الموصدة، لن توصل أي صوت، ولن تسمع أي كلام، ولن تسمح لأي وجع بالنفاذ!
كما أنني كثيرا ما ضُبطت أتهكم بصفاقة ما بعدها صفاقة على العقلية التي يدار بها التلفزيون، والطريقة التي تنتج بها البرامج الرديئة ويكافئ بها الفاشلون على فشلهم بمزيد من الامتيازات، وكأنني واثق أن شيئا من هذا الانتقاد سيأتي بنتيجة.. لكن هذا الوضوح وتلك الصراحة، تبدو محيرة فعلاً، فهل أنا مدعوم من جهة نافذة تحترم مواهبي المزعومة، أم أن التقرير الذي سأكتبه بنفسي، سيرد إلى مصدره ممهوراً بعبارة: ( يعمل لدينا )
حقا لست أدري.. وما أدريه حقاً أنني أشعر في نهاية المطاف، نفس الشعور الذي انتاب إيليا أبو ماضي حين غنى له المرحوم عبد الحليم حافظ:
جئتُ لا أعلم من أين، ولكنى أتيت!
ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت!
كيف جئت، كيف أبصرت طريقي؟ لست أدري

لكنني في لحظات الصحو، كثيرا ما يتبدل مزاجي الانهزامي الحائر، وتتلبسني روح عنترة العبسي الذي يقول في معلقته الشهيرة:

وإذا ظلمت فإن ظلمي باسل

مرُّ مذاقته كطعم العلقم

ولا أدري إذا كان الصراخ ضد الشعور بالظلم، حالة غير مستحبة أمنيا، على اعتبار انها يمكن أن تولد احتقانات تنتج ردود أفعال شتى لن ينفع في مداواتها، سوى قول شاعر آخر من شعراء المعلقات..

أدوا الحقوق تفر لكم أعراضكم

إن الكريم إذا يُحرَّبُ يغضــب

وعسى لا يحتاج تقريري هذا إلى من يفسر استشهاداته الشعرية، فالتفسير في أجهزة الأمن غالبا ما لايكون في مصلحة المواطن.. الذي يبدو متهماً ومداناً ومغرضاً …. حتى يثبت ولاءه والولاء شيء آخر غير البراءة من التهم المنسوبة إلينا!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صلاحيات ودور المحكمة الجنائية الدولية لمحاسبة مرتكبي جرائم ا


.. كلمة أخيرة - أمل كلوني دعمت قرار الجنائية الدولية باعتقال نت




.. لميس:رغم اختلافنا مع بعض مضمون قرار الجنائية الدولية لكنه و


.. كلمة أخيرة - من هو كريم خان الذي طالب باعتقال نتنياهو؟




.. مسؤولون فلسطينيون: التصعيد الإسرائيلي في جنين رد على طلب الم