الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صفعات

خيري حمدان

2009 / 11 / 10
الادب والفن


خيري حمدان

اكتفوا في بداية الأمر بتوجيه صفعة قويّة، دوّى صداها في أرجاء المكان، حاولنا الصراخ، حاولنا البكاء. لكن التعاطف كان مرفوضاً. تألّم بصمت! لا تقرأ القرآن صباحاً بصوت مرتفع! لا تحاول أن تغنّي بالعربية كثيراً!

صفعات أخرى توالت وركلات. جلودكم ثخينة يا أبناء كنعان! هل يعقل أن تتظلّموا وتطالبوا بشيء من الحريّة والانفلات من قيود الواقع؟ تحمّلوا بعض العضّ فلم نأكل من أكتافكم سوى القليل! أنتم جزءٌ من هذا التيه العربي يا شرقيين عابرين في التاريخ الحديث للحضارة الكونية التي لا تعترف بالضعف والخنوع. هنيئاً لكم ثلّة الحكّام الجبابرة! هنيئاً لكم هذا الخنوع! لم يعد هناك فارق كبير إذا وقّعتم وثائق التسليم بحقوق الغير! لقد فقدتم القدرة على إثارة التعاطف. فتارة أنتم إرهابيون قتلة، تكرهون البيتسا وتفجرّون أنفسكم من أجل حوريات يتنزهن عاريات في جنّات النعيم. وأخرى ترفضون سماع الموسيقى الواعدة وتطالبون بمياه نظيفة عند الفجر وتكفّنون الشهيد ملطّخاً بدمائه! من يفهم دموعك بعد أن فقدت لغتك جمالية المتنبّي. احرق قلبك ثلاث مرّات في اليوم قبل تناول الطعام إن تواجد وإلا فبعض الرطب.

جلودكم ثخينة يا أحفاد المتنبّي .. لهذا قررنا زيادة عدد الجلدات على ظهوركم حتى تنسون اليوم الحليب الذي رضعتموه قبل ما يزيد عن ستين عاماً. يليق بكم الموت بكلّ الوسائل الجميلة. فالكهرباء مثلاً تضيء عتمة عيونكم، والرصاص يفتح الثقوب في أجسادكم علّها تتنفّس. والسموم تنفخ أوجادكم وتسلّط الأضواء على رؤسائكم قبل أن يقضوا في حضن مدن النور! ألا تصدّقون بيل كلينتون نصير الضعفاء من الفتيات التائهات اللواتي ما فتئن يبحثن عن دفق ظهره لتطهير ثيابهنّ، أقسم بأنّه رأى في منامه هيكل سليمان يشعّ من تحت الأقصى. وهو على أيّة حال لا يمثّل شيئاً سوى جامع مطليّ بالذهب! قليل من الذهب هنا وهناك، يخزّنها مديرو حياتكم. فارحلوا عن هذه المدينة .. كفاكم عناداً فالتاريخ قد انتهى!

صفعات أخرى، فهل تنضوي تحت خيمتنا؟ بالأمس قضى عرفات في مستشفى عسكريّ وكان يقبّل ثرى فلسطين ويقبّل أيادٍ كثيرة! يا لرومانسية الغياب يا رفيق الحزن. لماذا ذهبت إلى أوكارهم، هل وثقت بالعقرب؟ قتلت الأفعى العقرب في جحره لأنّه حاول أن يبتسم. هل فهمت الآن لماذا لم تشفع قبلاتك في زمن الرحيل؟ هل عرفتم لماذا تطيب الصفعات على ظهورنا؟ هنّاك دائماً من يعدّ وقعها ويضحك للنحيب المكتوم في أرصفتنا السوداء كالحداد المقيم في بيوتنا. حدائقنا غير قادرة بعد اليوم أن تلد ورداً ونسرين! حدائقنا جفّت، والشرق لم يتوقف عن البكاء منذ أن توقّفت السماء عن عصر غيماتها العابرة فوق جراحنا المفتوحة .. ألا تعلم بأنّ الدموع سمة الهزيمة.

لاحقاً .. أدمنّا الصفعات، وحين توقّف العقرب عن لسعنا بدأنا بسلخ جلودنا بأيدينا. فتارة تكبّر الإمارة معلنة عهداً جديداً، تطهّر الإنسان من إنسانيته، تطلق الرصاص في وجه العرائس وتمنع الغناء والحنّاء وترتّل القرآن في حمّى الموت والتقتيل والتنكيل والتعبير عن وطأة الفكر المصادر، ترفع أعمدة السقيفة ثانية وتطالب ببيعة أبديّة. لا ترفض بيعتنا فأنت محكوم وموسوم بأختامٍ شرقية! لن تفلت من قبضة المتوسّط. حتى الدلافين أدمنت القهر ولم تعد تفكّر بالابتعاد عن شواطئنا! إذا لم تصدّق مقولتي فانتحر يا صديقي، القِ بنفسك في لجّة البحر لعلّ الدلافين تلقاك بزعانفها وتغنّي لك لحن الوداع مرّة تلو الأخرى لعلّك تعود .. لعلّك تعود.

لاحقاً .. أدمنّا الغدر. لا صديق يرفض تقبيل يدي. لا صديق يرفض الانصياع لانصياعي! الحَقْ بي نحو الهاوية، أغمض عينيك، ثِقْ بالموت بالفناء بالمقاطعة وارحل بعيداً نحو سيبيريا وكندا والمهجر. كُنْ رقماً في سجّلات اللجوء، ساهم في بناء البنى التحتية للغرب. أكنس الشوارع، ابتعد عن الطيب فالقمامة في الحاويات تنتظر خدماتك. والقصائد تقرؤها ليلاً لشقراء تعبر سريرك وتمضي نحو النهار. وتبقى أنت جسداً مُلْقىً فوق الوسائد. الكنائس تقرع أجراسها والجوامع تدعوك لصلاة لم تعد تعرف مواقيتها. لا صديق يرفض الخضوع لخنوعي، لا حياة لمن تنادي، ولا منادي في غيبة الحياة.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال