الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين هموم النخبة الثقافية ، ومعاناة الجماهير .. مسافات لا زالت طويله .

حامد حمودي عباس

2009 / 11 / 10
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


لا أدري إن كان الأديب والمسرحي الجزائري الكبير كاتب ياسين قد أصاب شيئا من كبرياء الرئيس الفرنسي ميتران ، حينما زاره وهو على فراش المرض بمدينة غرونوبل الفرنسيه ليسلمه الجائزة الوطنية الفرنسية للآداب ، حيث قال للرئيس ( إنني أعتبر اللغة الفرنسية غنيمة حرب ) .. غير أنني أشعر بذات القدر من الإحساس بعظمة ذلك الاديب المقاتل وهو يؤطر النصف الثاني من عطائه الأدبي المنتمي لجبهة الفقراء ، حينما أعلن قائلا ( لقد قررت ترك صالونات باريس والابتعاد عن نخبوية مثقفي الكتب ، ووجدت في الكتابة باللغة الشعبية وسيلة لا تضاهى للتواصل مع ناسي وشعبي وبشكل مباشر ، من دون وسائط أو حواجز كمركيه ) ..

إنني ومع ابتعادي كثيرا عن موقع ذلك الكاتب الفذ من حيث القدرة على العطاء والتميز ، ولكنني ، وخلال جل ما كتبت ، كنت أسعى للتمييز بين الكتابة النخبوية ، والتي لم تضع لمعاناة الشعوب المضطهدة في بلداننا أية حلول مؤثرة ، وبين عمليات التواصل المختلطة بالجماهير حيث يحس من خلالها الكاتب وعن قرب ، بحرارة الطقس ، وزحمة المواصلات وإنقطاع التيار الكهربائي المستمر وشحة غذاء المعوزين وفقدان التواصل الأسري الحميم ، إنه التعايش في صميم ما يفعله الناس خلال حياتهم اليومية كما فعل كاتب ياسين ، وهو يستلهم رؤاه من خلال تواجده المتكرر في سوق الحراش الشعبي بإحدى ضواحي العاصمة الجزائرية ، مراقبا للهجات وخواطر وتصرفات عامة الناس في تلك السوق ، ليكون خزينه الادبي زاخر بما يريده الناس لا بما تريده النخبه ، ومن هنا فقط ، كانت عظمة ما نزفت به مخيلة ذلك الأديب الكبير من آثار إصطفت الى جانب أبناء شعبه ووطنه .

نحن في العراق ، لم تمنحنا شهوات حكامنا للتلهي بمقدراتنا ، ومنذ سنين طوال ، فرصة لكي نستريح ونستعيد إمكانية الاستقرار ، وتكررت رغبات أنظمتنا المتعاقبة للمارسة لعبة الحروب كما يفعل المراهقين في لعب ( الأتاري ) الالكترونيه ، حتى إخترعت الكثير من العوائل المعوزة طرقا مبتكرة لسرقة شبابيك قبور شهداء الحروب ، وبيعها في أسواق الخردة ثمنا لرغيف الخبز ، وأستهان الناس ، وبمرور الزمن ، بمناظر الموت وهيئات الجثث المسحوقة والمرمية على أرصفة الشوارع ومنعطفات الأزقة ألمعتمه ، وسيق بالنساء تحت وطأة الجوع والترمل الى ساحات العمل المؤقت ، وتسرب الاطفال من مدارسهم ليعملوا في محلات تصليح السيارات أو لبيع العلب الفارغة بعد جمعها من ارصفة الشوارع.. ناهيكم عن مكامن التفسخ الاسري المشين والهجرة غير المنظمة ومظاهر الوقوف على أبواب السفارات الاجنبية طلبا لللجوء ، في حين لم يكن العراقي من قبل يشاهده أحد خارج حدود بلاده إلا سائحا ، أو متبضعا ، أو موفدا للتدريس أو طالب علم .

كل هذا ولا زالت جل كتاباتنا تنتحل صفات الإنتماء النخبوي البعيد عما تفرزه الحياة اليومية للفقراء والمستهدفين الحقيقيين من وراء عمليات السيطرة والنهب والاستحواذ غير الشريف للأموال العامه . . لقد كنت ولأكثر من مرة ، أجابه وبما لدي من قدرات متواضعه ، ذلك الترف الثقافي الممل لدى غالبية كتابنا العراقيين ، وأنا أحاول شحذ هممهم وجر إنتباهم لضرورة ممارسة ما هو أكثر فائدة لإنقاذ شعبنا من محنه المتواصله ، وكنت باستمرار أستنكر عليهم التوقف عند دائرة التخاطب النخبوي ، والمقتصر على إطلاق التحاليل السياسية غير النافعة والمكررة ، والتوجه فورا لعقد حلف ثقافي يقف مع الجماهير صاحبة المصلحة الحقيقية في أي عطاء فكري يمنحها قوة في تحركها بوجه سارقي قوتها ، وقاتلي آمالها ، ومعرقلي حركة نموها .. إلا أنني كنت وعلى الدوام أجابه بتجاهل ينم عن صفة التكبر المؤطر بتجاهل مؤسف .
إذ ما الفائدة المرجوة والحال هذه ، أن ننبري للتجاذب الساخن ، كي نضع كل من موقعه تفسيرا لهذه المفردة السياسية أو تلك ، وننشط ، وبمطاولة غريبة ، للوقوف على أسباب إنهيار المنظومة الاشتراكية ، أو التسابق في إظهار القدرات الفكرية حين يجري التقاتل وبهمة عالية من أجل الحصول على قصب السبق في كون أن التجربةالعراقية الحالية هي عين الديمقراطية أم أنها نصف ديمقراطية .. ما فائدة ذلك لمن جعلهم العوز المقيت يسكنون في المقابر ويشربون من مياه المجاري الثقيلة وينامون تحت سماء مكشوفه ؟؟ ! .. ما نفع أن نفني طاقاتنا في دراسة نوايا الاطراف المساهمة في اللعبة السياسية ، لنقول بأن هذا الطرف على حق وذلك الطرف على باطل ، والجميع يبرعون في إختراع شتى سبل النهب والقتل والتشريد بحق العامة من المواطنين الابرياء ؟؟ .. ألا يعني لنا شيئا ذلك الانقطاع المرير بين الجماهير والنخبة من مثقفي البلد ، حيث تتجسد تلك القطيعة المره في كلمات يقولها أي مواطن حينما يأتي ذكر شأن من شئون الثقافة أو ألمسرح أو الرسم بالريشة ؟؟ ..

إننا حقا بحاجة الى كاتب ياسين ، كي يصحبنا الى أسواق بغداد ، ويعيننا من هناك على فهم لهجاتنا وأصوات باعتنا المتجولين ، ويكتب لنا مسرحية تنطق بالواقع ، وليس الرجم بثقافة تفرز الغث من الافكار .











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كاتب ياسين والجحود
عبد القادر أنيس ( 2009 / 11 / 11 - 13:07 )
أنا عرفت كاتب ياسين، حضرت مسرحياته، قرأت لع معظم ما كتب، ترجمت له نصوصا إلى العربية. مع ذلك أخي حامد ورغم ما فعله كاتب ياسين من أجل وطنه وشعبه فإن الغالبية الساحقة عندنا لم يقرأوا له شيئا لأن رجال الدين هاجموه دائما بحجة أنه غير مؤمن بدينهم. وأنه هاجم ذات مرة مساجدهم الرجعية مشبها مناراتها بالصواريخ التي لن تطير.
وحتى بعد موته سمعت (معلمين وأساتذة) يعبرون عن سخطهم لأن الوزارة قررت إطلاق اسم هذا الأديب العالمي الكبير على ثانوية، ويفضلون عليه باسم جيء من الجزيرة العربية عاش قبل 14 قرنا.
إنه الجحود الذي جعل دولتنا تحاصر كاتب ياسين وتفتح جميع الأبواب لمحمد الغزالي راسبوتين الجزائر بما فيها أبواب التلفزة والرئاسة.
ماذا أقول، كاتب ياسين يشبه ناظم حكمت الذي لا يعرفه أغلب الأتراك.
هل تستحق شعوبنا كل هذه المعاناة وهي لا تفرق بين اصدقائها وأعدائها.
تحياتي


2 - المثقف العضوي والدور التاريخي
بودواهي ( 2009 / 11 / 11 - 13:50 )
ليس لدينا في واقع الامر نخبة ,او لنقل لدينا نخبة من المثقفين المزيفين المتشبعين فقط اما بثقافة الصالونات والخطابات المواكبة لموضة العصر المتسمة بالاستيلاب والتقلبد الاعمى والمشبوه لكل ما ينتجه الفكر الليبيرالي والراسمالية المتوحشة دون تفحص وانتقاء ماهو ايجابي ونبد ما هو سلبي وملغوم , واما بثقافة كيفية القيام بعملية الوضوء والصلاة وكيف كان يعيش محمد وينام وكيف كان يفكر الصديق وكيف كان يخاطب عمر وكيف كان يقاتل علي وكيف كانت تتجمل عائشة اوخديجة وما هو الحلال والحرام وكيف الحل لايجاد مخرج لاشكالية الحجاب في الغرب واقناع الاوروبيين بان اسلام المراة هو الحجاب...؟؟؟ الى غير دلك من الترهات الفارغة.ان الطبقات الحاكمة لدينا في شمال افريقيا او في المشرق استطاعت ان تروض هده الانتليجنسيا المزعومة اما بالترهيب والتهديد او بالاغراء وشراء الدمم او بالافراغ الممنهج عن طريق سن سياسة تعليمية فارغة من كل محتوى تقوم في اخر المطاف الدراسي بتخرج اشباه الدكاترة واشباه المتقفين .ان ماتحتاجه الجماهير الشعبية الواسعة التي تعيش تحت وطاة الفقر والبؤس والاستغلال الفاحش هو من يخرجها من هده الوضعية الاليمة ودلك بتوعيتها واستنهاض قواها الكامنة ولم شملها وتوحيد صفوفها وتعريفها باعدائها الطبقيين ومدها بنطريتها المارك


3 - عين الصواب .. ولكن
حامد حمودي عباس ( 2009 / 11 / 11 - 18:03 )
مع تقديري البالغ للاستاذ عبد القادر أنيس على مبادرته الطيبه لزيادة حصيلتي المعرفية بالاديب الفقيد .. أود القول للاخ بودواهي بأن القوى التي تعنيها قد عافت وللاسف مواقعها في أغلب بلداننا ، لتسير خلف من كانوا بالامس أنداد لها في الساحة الفكرية والسياسية عموما .. وأصبحت تلك الساحة الان فارغة إلا من قوى الاسلام السياسي أو دعاة الفكر القومي المتهريء ، ولا زالت الدعوات المخلصة تنبري في كل مناسبة ومحفل لأن تعود القوى الممثلة للكادحين الى ركوب متن النضال الحقيقي من جديد ، وإلا فان الحال سوف تسير من أسوء الى أسوء ، وستزداد معاناة الابرياء في ضل حكم حركات التخلف والرجعية ولأمد طويل .. مع شكري على مساهمتكم القيمه


4 - تعليق
نادر قريط ( 2009 / 11 / 11 - 19:05 )
شكرا للأستاذ حامد حمودي على النص الجميل والمعبّر وعلى تذكيرنا بحقائق نسهو عنها .. أجل أصبت عين الحقيقة فالكتاب غارقون بجدل بيزنطي لا يُشيع جائعا ولا يمسح دمعة يتيم ولا يسمع غصة أرملة .. تحية لك ولقلمك المرهف


5 - حضور له معناه
حامد حمودي عباس ( 2009 / 11 / 11 - 19:28 )
حضورك استاذ نادر يضيف لي أحساسا جديدا بصواب المسار، شكرا لك وتقبل تحياتي

اخر الافلام

.. سوناك ينشر فيديو عبر حسابه على -إكس- يسخر فيه من سياسة حزب ا


.. هل يهمين اليمين المتطرف على البرلمان الأوروبي؟ وماذا يغير؟




.. غزة: آلاف الإسرائيليين يطالبون بالموافقة على مقترح الهدنة وا


.. ??مجلس النواب الفرنسي يعلق عضوية نائب يساري لرفعه العلم الفل




.. الشرطة الإسرائيلية تفرق المتظاهرين بالقوة في تل أبيب