الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رجل في حجم امة ياسر عرفات في ذكرى رحيله الخامسة

فاطمه قاسم

2009 / 11 / 10
القضية الفلسطينية


كنت لم اتجاوز العاشرة من عمري حين رايت ياسر عرفات ، ابو عمار ، الختيار ، أول مرة في حياتي ، يومها كتب لي في دفتري الصغير ، بخط يده ، وبقلمه الاحمر الجميل والذي كان يعني له وللفلسطينين الشيء الكبير ،أمنياته لي بالتوفيق على طريق الثورة .بعد مضي اربعين سنه ، ما زلت احتفظ بتلك الورقة من دفتري والمنقوشة عليها كلماته ، احتفضت بها في رحلة طويلة وصعبة فقدت بها اشياء كثيرة وثمينة لا تعوض ،ولكني ظللت احتفظ بتلك الورقة الصغيرة ، وفي كل مرة تصل فيها قضايانا الفلسطينية الى حد الاستحالة ، أعود لتلك الكلمات القليلة ، فهل كانت مجرد كلمات من زعيم خارق السمات ،لطفلة صغيرة ، أم ان ياسر عرفات يملأنا افرادا وجماعات ،صغارا وكبارا ،أعضاء وكوادر وقيادات بفكرة صعبة ومقدسة ،ليحشدنا معه لعهد الاستمرار والمحاولة برغم علمه المسبق بان الطريق موصدة ، ومحفوفة بالمخاطر ، وكان من خلال كلماته ، ومداعابته الصغيرة ،واقترابه الانساني ،واشاراته الحميمية الموجبة مع الملايين الذين يلتقيهم من ابناء شعبنا على امتداد الشتات ،ليحشدهم معه للوصول لذلك الحلم العظيم ،والذي كان هو يعرف اكثر من غيره الف مرة كم هو صعب ،
ودونه خرط القتاد ، كما تقوله الامثال ، وها نحن نرى ان دونه ايضا بحر من التواطؤ وازدواجية المعايير وقسوة الانكار وتخلي الأشقاء ،

والان الصورة جلية أمامنا ، فانت لم تكن مجرد رئيس عادي او قائد عادي ، فأنت ربما تكون الإنسان الوحيد في عصرنا الذي جاب العالم بقاراته الست عدة مرات من اجل شعبه ، من اجل حق شعبه في الحياة ، ومن اجل حق شعبه في اقامة دولته المستقلة والذين يعرف الاعداء اكثر من غيرهم أنه حين تقوم هذه الدولة بشروط مناسبة ستكون هي العقل المدبر لملايين من الفلسطينيين هم بأمس لحاجة إليها، ليس من أجل ان يجتمعوا و يزدحموا دون أن يفعلوا شيئا، و لكنهم بحاجة إليها ليتم تصحيح وضعهم الغير عادي و الشاذ الناتج من تدمير كيانهم، دولة فلسطينية بمثابة غرفة عمليات مشروعة لشعب يبحث عن حقوقه، و ما اكثر هذه الحقوق التي سرقها و استحوذ عليها الأعداء و الأشقاء في آن واحد.

لا اريد أن اغوص كثيرا في شخصية الرئيس عرفات بأبعادها المتعددة، و كرزميتها الطاغية و سماتها المتميزة برغم أنه يوجد لدي ما أقوله حيث كنت بمثابة ابنته التي عرفته عن قرب شديد وهي ماتزال طفلة تنطبع على صفحة ذاكرتها البكر صورة الأشياء الأولى، و كنت عضوة في مكتبه هنا في فلسطين و في اليمن، و عاصرته في معظم حالاته البسيطة و المركبة في آن واحد، لأني مؤمنة أن التاريخ نفسه سيتحدث عن عرفات كثيرا جدا، لأنه ليس من نوع الزعماء أو القادة الذين أوجدتهم الصدفة، بل هو رجل من طراز فريد وهب نفسه و انتدبها لمهمة لا يوجد أصعب منها و هي إعادة إنبثاق كيان لشعب تأمرت عليه و تواطأت عليه إرادة الأقوياء فطردته بعيدا عن أرضه، و نثرته على امتداد الأرض لكن ياسر عرفات كانت تسكنه حتى الأعماق هذه المهمة، التي ملئت حياته من اولها إلى آخرها، و فرضت عليه أن يتهيأ لها بكل اشكال التهيؤ و أصعبه، حتى انه لم يبقى شيئا فائق الصعوبة يمكن أن يحدث إلا و كان في توقعات ياسر عرفات، و في دائرة الإستعداد الكامل له لدرجة أن ياسر عرفات عاش معظم حياته في قلب الخطر و امام بوبات المستحيل و في تلك المساحة الضيقة و الخارقة الصعوبة التي بالكاد تفصل بين أقصى الحكمة و أقصى المغامرةوالجنون .
ياسر عرفات ترك لنا إرث كبير، و هل هناك أكبر من إرث هذا الفلسطيني التائه، الذي يشارك الجميع بلا استثناء في سرقة أرضه و تاريخه و حلمه، فيعود و يفرض الإعتراف بوجوده من قبل الحميع الذين أنكروه إنكارا كاملا.
كما ان ياسر عرفات ترك لنا تركة كبيرة و ثمينة، هي أننا شعب ولسنا حماعات من السكان كما كانت تقول إسرائيل ، و جماعات من اللاجئين كما كان يتعامل معنا الآخرون الذين طردنا إلى ديارهم، ها نحن الآن شعب باق في أرضه و لكنه ممنوع من إقامة دولة، شعب مطرود في الشتات و ممنوع من الاتفاق على ذاكرة موحدة شعب من حقه أن يحاول ، و أن يعرف كيف يحاول، و ينجح إلى حد أنه انتج اعظم ظواهر العصر، و لكن الصعوبات ماتزال امامه كثيرة ليس فقط من إسرائيل و أميركا، بل إن الصعوبات تسللت إلى الجسم الفلسطيني نفسه و أصبحت هي الموضوع الشاغل إلى العرب و المسلمين، شعبا أمته تحرض على موته ثم تحرضه على الآخذ بثأره في آن واحد، شعب يجب أن يتعلم أن المسكوت عنه أهم ألف مرة من كل الذي قيل و يقال.

في الذكرىالخامسة لرحيله:

فإن ياسر عرفات له دين في عنق امة بأكملها، لأنه في صراعه البطولي للحصول على حقوق شعبه ارتفع بهذه الآمة إلى مستوى الندية مع أعدائها و كلنا ما زال يذكر أن ياسر عرفات قال لسادة العصر الأمريكيين الذين ورثوا النظام الدولي، قال لهم أن فلسطين بحقوقها و لاجئيها و قدسها و أمنها هي قرار الأمة العربية، و هي قرار الأمة الإسلامية ، و حين رد الأعداء على ذلك بحصاره حنى الموت ، فإنه موضوعيا لم يهزم، و لم يغب، و لم تخسر مقولته، و إنما الذين حوصروا حتى الموت و الغياب هي الأمة التي صعد بها إلى الندية مع الأعداء دفاعا عن حقوقها، و التي رفضت ذلك و قبلت بدورها الحالي الوضيع.

في ذكراه الخامسة:

الآن في هذه اللحظات الصعبة المستحيلة المليئة بالتوقعات و المخاوف و الخيارات، يحضر فينا ياسر عرفات لكي يحذرنا و ينبهنا بنداء خافت نكاد نسمه جميعا و هو يقول لنا لا تعمقوا خلافاتكم ، و لا تصدقوا كل ما يقال لكم من كلام و شعارات، بل تبصروا و افحصوا خطواتكم، و لا تسمحوا للعاجزين الغير قادرين على حماية أنفسهم، و لا تسمحوا لوارثي الخيانات عن أجدادهم، أن يعفوا أنفسهم من المسؤلية اتجاهكم و اتجاه قضيتكم بل اتحدوا و ابحثوا عن حل تقرروه أنتم و شعبكم ، بدلا من استيراد الأوهام و العجز من المتخاذلين الذين يختبؤن خلف خلافاتكم.
رحمك الله يا ختيار لذكراك المحبة و الوفاء و لروحك السلام.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كنت وحتبقا الرقم الصعب يارمز الثوره
هيثم دغمش ( 2009 / 11 / 10 - 22:20 )
بعد التحيه للاخت بل الام د.فاطمه قاسم .والله لان القلب يحزن عندما نبحث عن كلمات نصف بها الختيار مربى الاجيال صانع الثوره مفجر الانتفاضات علا مر تاريخ فلسطين ولم يجد كلمات تليق بوصفه فهازا الرجل قليلا عليه الوصف والان فى زكرا استشهاده لا يسعنا الى ان نتزكر مكارم الشهيد وفضله علا القضيه الفلسطينه بل علا الفلسطينيين جميعا بعد منعنا الخونه من اقامت مهرجان يليق بفخامت الرئيس الشهيد(تمنياتنا بالتوفيق للجميع )ابو على


2 - معلش
monsef ( 2009 / 11 / 11 - 11:13 )
اذكروا محاسن امواتكم هكذا يكون عنوان مقالتك افضل


3 - اعدك
علي حمدونة ( 2009 / 11 / 11 - 15:39 )
عندما تموت أعدك ان اتمنى على الكاتبة ان تكتب عنك مقالا بهذا العوان
اما ياسر عرفات فلأمر مختلف حتى لو لك رأي اخر
وإنا لله وإنا لله وإنا أليه راجعون


4 - رد
هيثم دغمش ( 2009 / 11 / 11 - 21:40 )
لو تمعن المعلق رقم 2 بالعنوان او حاول اخز المغزا منه لفهم من الدكتوره انها لا تجد رجل تصف به ابو عمار سوا ابو عمر نفسه رحمه الله وابقاه رمز للشهداء

اخر الافلام

.. 200 يوم على حرب غزة.. ماذا جرى في «مفاوضات الهدنة»؟| #الظهير


.. مخاوف من اتساع الحرب.. تصاعد التوتر بين حزب الله وإسرائيل| #




.. في غضون أسبوع.. نتنياهو يخشى -أمر- الجنائية الدولية باعتقاله


.. هل تشعل فرنسا حربا نووية لمواجهة موسكو؟ | #الظهيرة




.. متحدث الخارجية القطرية لهآرتس: الاتفاق بحاجة لمزيد من التناز