الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق الجديد والطريق الطويل الى الديمقراطية

عبد الرحمن دارا سليمان

2009 / 11 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


إن كان هنالك ثمّة مدخل يمكن التركيز عليه لفهم الأوضاع والمشاكل السياسية الكبرى في العراق الجديد فهو: المسألة الوطنية والإجتماعية، اللتان تركتهما الديكتاتورية من دون حلّ صحيح، ولا معالجة سليمة، بل وأورثتهما للحاضر وهما في أسوأ حال يمكن تصوّرها .

وبلا شكّ، فإن عملية البناء الديمقراطي والشروع في معالجة الأزمات الطاحنة وما ترتّب عليها من مضاعفات خطيرة وتوتّرات سياسية حادّة وإنفجارات إجتماعية عديدة، مازلنا نعيش آثارها العميقة هذا اليوم على صعيد السياسة والدولة والمجتمع معا، هي أصعب بكثير من الحكم الديكتاتوري وتجميد الأوضاع السياسية ومصادرة الحريات العامة والعودة بالإنسان والأوطان إلى الوراء، وجعلها على مقاس القائد والزعيم المُلهم .

وإذا كان الفراغ الناشئ عن غياب المشروع الوطني الحقيقي في العراق منذ عقود طويلة ، هو الأصل في كل إخفاق على المستويين السياسي والإجتماعي، والذي أدّى في النهاية إلى الفوضى والإستبداد وسلسلة من السياسات الفردية الهوجاء كانت تعتاش على المزايدة على الشعارات الفارغة التي قادتها إلى الفشل الذريع داخليا وخارجيا، فإن ذلك الفراغ لا يزال قائما لحدّ اليوم رغم تغيير الأوضاع والتعددية السياسية والإعتراف "النظري" بدولة القانون والمؤسسات .

فكلّ ما في الأمر أن التعويض عن غياب المشروع الوطني الشامل والقادر على إنتشال البلاد من أزماتها العديدة، القديمة منها والجديدة، وإنعاش الإقتصاد الوطني والعمل على صياغة البرامج والخطط التنموية وتحقيق الإستقرار السياسي المنشود، يملؤه هذه المرّة، الوعود والخطابات الكثيرة واللجان المتناسلة والإجتماعات والمؤتمرات والندوات والصراخ والضجيج من قبل السّاسة الصغار والكبار، ومن ثم لا شيء هناك في الحصيلة النهائية سوى: دستور مرّقع، وقوانين مرقعّة، وأشباه مؤسسات ووزارات حزبية، ودورات إنتخابية مهلهلة ومصمّمة سلفا وبإسم "القانون" و"الدستور"، على مقاس أولياء الأمر وأصحاب البستان الجدد .

لا يمكن إطلاقا، إعادة بناء المجتمعات من خلال تغيير مفهوم الإحتكار السياسي شكّليا ، والحفاظ على جوهره، فالأمر في هذه الحالة، لا يعدو مخالفا للتعددية السياسية ومبدأ التداول السلمي للسلطة فحسب، وإنما يمثّل قصورا خطيرا في الفكر السياسي الدارج ويعكس إنعدام الشعور بالمسؤولية العامّة، كنا إعتقدناه قد إختفى من الساحة العمومية والخاصة بسقوط التمثال .

في الوقت الذي يكون فيه المطلوب هو العكس تماما، وهو توسيع دائرة المشاركة والحريات العامّة والحقوق التي تسمح للأفراد والجماعات والرأي العام على إختلاف إنتماءاتهم، بالمساهمة الفعلية في التفكير الجماعي الحر والمنظّم، وبناء أطر وطنية تساعد على هيكلة الفكر السياسي والقوى السياسية والإجتماعية صاحبة المصلحة الحقيقية لأي مشروع مجتمعي حيّ وفعّال . فمن دون ذلك، ليس أمام المجتمع مهرب من التسليم بهيمنة النخب السياسية الجديدة والتي لا غاية ولا هدف ولا منطق ولا ضوابط أخلاقية لمعظمها ، سوى إعادة إنتاج نفسها وتوسيع دائرة سيطرتها ونفوذها وبالتالي هدر موارد الدولة والمجتمع وإستهلاكها المستمر على حاشيتها ومحازبيها من دون التفكير بأي مشروع مجتمعي حقيقي أو حتى إداء أي عمل مفيد .

وبطبيعة الحال، ليس مطلوبا بناء الديمقراطية كنظام جاهز وكامل دفعة واحدة ، وإنما البدء بعملية التحوّل والإنتقال الطويلة بشكل سلمي وواع ومنظّم يجنّب البلاد الصراعات الدموية والإنفجارات السياسية والإجتماعية ، ويستدعي هذا الأمر بث الثّقة المتبادلة داخل المجتمع وتعليم الأفراد روح المسؤولية وتدريبهم على الإحترام والخضوع للقانون والتعاون والعمل الجماعي وتنمية روح التضامن ومساعدتهم بالفعل على التفكير والعمل كجماعة واحدة .

ولا شكّ أن هذه المهام الكبيرة لا يمكن تحقيقها من طرف واحد، كما لا يمكن تحقيقها عبرالمراسيم والبيانات الرسمية والأوامر العسكرية والتعميمات الإدارية والنشرات الحزبية الداخلية ، بل عن طريق الناشطين السياسيين والمثقفين ورجال الإدارة والإعلام والتربية من كل الفئات والإختصصات للمشاركة فيها والمساهمة في إنجازها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل وقعت جرائم تطهير عرقي في السودان؟ | المسائية


.. اكلات صحية ولذيذة باللحمة مع الشيف عمر ????




.. عواصف وفيضانات في العالم العربي.. ظواهر عرضية؟


.. السنغال: 11 مصابا في حادث خروج طائرة من طراز بوينغ عن المدرج




.. الجامعات الإسبانية تعرب عن استعدادها لتعليق تعاونها مع إسرائ