الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاحزاب العربية – ثلاثة مواقف دون برنامج

يعقوب بن افرات

2009 / 11 / 11
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


ما حدث في الاسبوع الاول من شهر اكتوبر يدل على الطريق المسدود الذي دخلته الاحزاب العربية وعلى فقدانها البرنامج. ما نقوله في حزب دعم انه آن الاوان لتغيير النهج والسياسة والبحث عن كل الطرق لانقاذ المجتمع العربي. النضال يجب ان يكون موجّها للمجتمع الاسرائيلي وضد الحكومة الاسرائيلية المسؤولة المباشرة عن التمييز ضد المواطنين العرب.

لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في إسرائيل أعلنت الاضراب العام في الاول من اكتوبر، إحياءً لذكرى شهداء احداث اكتوبر عام 2000. وعلّلت اللجنة الاضراب بأنه يأتي احتجاجا على سلسلة من مشاريع القوانين العنصرية ضد العرب، ومنها قانون النكبة الذي يحرّم القيام بأية طقوس لإحياء ذكرى نكبة الفلسطينيين في يوم استقلال اسرائيل. حسب القانون، ستعاقب الدولة كافة المؤسسات والسلطات المحلية الممولة من الحكومة، في حال نظّمت طقوسا من هذا النوع.

الاضرابات العامة التي تعلنها لجنة المتابعة بين الفينة والاخرى، لا تحظى عادة بصدى اعلامي في المجتمع الاسرائيلي، وذلك لانها لا تؤثر على جدول العمل السياسي او الاقتصادي، وهي تمر دون ان يشعر بها احد. قدرة الاحزاب العربية على التأثير في الكنيست، او حتى من خلال المعارك الجماهيرية، تقلصت للغاية منذ احداث اكتوبر عام 2000. من هنا، لا يعدو الاضراب العام ان يكون اكثر من احتجاج على الدولة وتذكير بان الانشقاق بينها وبين المواطنين العرب آخذ بالتعمق، وكذلك الغضب والخوف المتبادلين.

تتفق الاحزاب العربية الثلاثة في عدة قضايا – اولا، الاتفاق على ان دولة اسرائيل تميز ضد مواطنيها العرب في كافة المجالات؛ ثانيا، معارضة الاحتلال الاسرائيلي للمناطق الفلسطينية؛ ثالثا، الوقوف ضد الحرب على غزة والتنديد بجرائم الحرب التي اقترفتها اسرائيل هناك.

غير ان الانقسام الداخلي والخلافات التي تميز العلاقات بين هذه الاحزاب، تخلق بلبلة وارباكا بشأن الطريقة التي يجب اتباعها لمواجهة الحكومة اليمينية، واحراز تقدم في الدفاع عن مصالح الجماهير العربية. ففي الاسبوع الذي تقرر فيه اعلان الاضراب العام، تحرك كل حزب حسب برنامج مختلف تماما، دون اي تنسيق فيما بينها، وبدل تحديد حكومة اسرائيل كهدف لتحركاتها، انهمك كل منها في محاولات للتقليل من قيمة الاحزاب المنافسة.

نبدأ بالجبهة التي باتت تسيطر على لجنة المتابعة منذ انتخاب محمد زيدان، رئيس مجلس محلي كفر مندا سابقا، لرئاسة اللجنة. كما تسيطر على مركز السلطات المحلية العربية من خلال ترؤس رئيس بلدية الناصرة رامز جرايسي لها. من هنا، لا يصعب التكهن بان الجبهة كانت وراء الاضراب العام الاخير الذي أعلنته لجنة المتابعة، وكان المفروض ان يوحد كافة الاحزاب والحركات والهيئات.

برنامج الجبهة يركز على مواجهة وزير الخارجية، افيغدور ليبرمان، في محاولة لمنافسة حزب التجمع على اصوات الجمهور العربي العلماني المنتمي بمعظمه للطبقة الوسطى. ليبرمان، كما هو معروف، حصد 15 مقعدا في الانتخابات الاخيرة على اساس حملة عنصرية ضد المواطنين العرب، وتحول بفعل ذلك الى هدف سهل تستخدمه الاحزاب العربية في محاولة لاستعادة دعم الجمهور وتذكيره بوجودها.

ننتقل الآن للحركة الاسلامية. فبعد يوم واحد من الاضراب العام، اي في 2 تشرين ثان، نظّم الجناح الشمالي للحركة الاسلامية بقيادة الشيخ رائد صلاح، مهرجانا جماهيريا كبيرا في ام الفحم، تحت شعار "الاقصى في خطر". ونادت القيادة الاسلامية جماهيرها للتظاهر في باحة الحرم الشريف ضد السيطرة الصهيونية على مسجد الاقصى وضد محاولات المتطرفين اليهود دخول الحرم للصلاة فيه عشية عيد العرش اليهودي. المواجهات التي اندلعت بين الشرطة والمتظاهرين العرب على هذه الخلفية، همّشت ليبرمان والاضراب العام. رائد صلاح، الذي دعم بالامس الاضراب العام، خطف الاضواء من الجبهة وجعل من نفسه بطل قناة الجزيرة والاعلام العربي.

بصدفة او بغير صدفة تحولت الحملة لنصرة الاقصى الى محور مركزي في المعركة الاعلامية التي تخوضها حماس ضد رئيس السلطة الفلسطينية، ابو مازن، وقد استخدمتها كغطاء ممتاز للتغطية على رفضها التوقيع على وثيقة المصالحة مع فتح التي صاغها المصريون، بادعاء ان الوثيقة لا تذكر كلمة المقاومة.

ولكن ما كادت الحركة الاسلامية تحوّل المواطنين العرب في اسرائيل الى اداة في اللعبة الدائرة بين غزة ورام الله، واذا بحزب التجمع ينادي العرب للتجند من اجل برنامجه الوطني. يسعى التجمع الى إظهار العرب في اسرائيل كفلسطينيين لهم تأثير على الساحة الفلسطينية. في مؤتمر عقده الحزب بعكا في نفس الاسبوع، طالب التجمع ابو مازن بالتنحي والاستقالة من منصبه، بعد ان منع تقديم تقرير جولدستون للنقاش في لجنة حقوق الانسان في الامم المتحدة.

برنامج التجمع لا ينحصر في مواضيع مثل التمييز العنصري ضد المواطنين العرب، بل يحمل طابعا وطنيا قوميا عاما، يعتبر فيه النضال ضد حكومة اسرائيل ساحة من ساحات النضال الوطني. ويبدو ان إسقاط ابو مازن تحول بالنسبة للتجمع الى مهمة طارئة اكثر من النضال ضد ليبرمان، او حسب تعبير الحزب نفسه – اسقاط ليبرمان يمر عبر اسقاط ابو مازن.

هكذا، وفي غضون اسبوع واحد، حصلنا على وجبة دسمة من "النضالات" – من الاضراب العام، الى مؤتمر لاسقاط ابو مازن، وانتهاء بالمواجهات بين المصلين والشرطة في القدس، وجميعها يقودها المواطنون العرب في اسرائيل. كان من الممكن الظن بان المجتمع العربي في اسرائيل مجنّد وراء الاحزاب العربية، وان القضايا المطروحة من قبل قادة هذه الاحزاب هي فعلا ما يقض مضجعه. ولكن الحقيقة مختلفة كليا.

اللامبالاة والاحباط تحولا الى ازمة عامة، والمواطن العادي ليس شريكا في "النضالات" الدائرة في وسائل الاعلام. المجتمع العربي يعاني من تدهور كبير في اوضاعه الاجتماعية. التفكك الداخلي، الذي ينعكس في تزايد خطير في جرائم القتل والسرقة، القتل على خلفية شرف العائلة، العنف المتفشي في المدارس والبيوت والشوارع، الاقتتال بين الحمائل، هي مظاهر الواقع اليومي الذي يعيشه المجتمع العربي.

في حين تنهمك الاحزاب العربية في اختراع قضايا تضيف لها بعض النقاط في المنافسة مع غريماتها، فانها تهمل القضايا الحقيقية التي عليها مواجهتها. المدارس العربية لم تعد تدرّس بل تحولت الى "مضبة" او اطر يقضي فيها الطلاب نهارهم دون هدف. الحد الادنى للاجور تحول الى حد اقصى بالنسبة للعامل العربي، اكثر من ثمانين بالمئة من النساء العربيات عاطلات عن العمل. الفقر في الوسط العربي يؤدي الى خلل في خدمات السلطات المحلية في مجال التعليم، مما يزيد العنف ويقوي المبنى الحمائلي للعائلة العربية، يؤجج الكراهية بين الطوائف المتعددة (سواء المسلمين، المسيحيين او الدروز). الفقر يشجع الفساد ويمنع الديمقراطية، يعمق اللامبالاة ويقوّض التضامن الاجتماعي. الفقر يضع المجتمع العربي الفلسطيني داخل اسرائيل امام خطر وجودي حقيقي، يزيد في تهميشه ويؤدي الى تفككه الداخلي. ولكن الفقر ليس على اجندة اي من الاحزاب العربية.

الاحزاب العربية تنازلت عن النضال الوجودي، وتعمل منذ اكتوبر 2000 من اجل بناء جدار سميك يفصلها عن الجمهور الاسرائيلي. الحروب ضد ليبرمان، او ضد السيطرة الصهيونية على القدس، ومن اجل اسقاط ابو مازن – ليست معدّة للوصول الى الرأي العام الاسرائيلي اصلا. لذلك، لا تجد هذه الاحزاب حاجة لصياغة مواقفها بوضوح، ولا لتقديم برنامج عمل ثابت وواضح، ولا تسعى اطلاقا لتحديد اهداف آنية ممكنة التحقيق. الاحزاب العربية اصيبت باليأس الذي تفشى بين جمهور ناخبيها، وهي منشغلة جلّ وقتها في "النضال" من اجل الحفاظ على وجودها. وهنا المفارقة – فالمواطنون العرب يشكّلون خُمس المجتمع في اسرائيل، يشاركون في الصناعة والانتاج والعمل الفني، ولكن احزابهم لا تستغل هذه الطاقة الاجتماعية والسياسية وحتى الاقتصادية للتأثير على المجتمع بأكمله.

ما حدث في الاسبوع الاول من شهر اكتوبر يدل على الطريق المسدود الذي دخلته الاحزاب العربية وعلى فقدانها البرنامج. ما نقوله في حزب دعم انه آن الاوان لتغيير النهج والسياسة والبحث عن كل الطرق لانقاذ المجتمع العربي. النضال يجب ان يكون موجّها للمجتمع الاسرائيلي وضد الحكومة الاسرائيلية المسؤولة المباشرة عن التمييز ضد المواطنين العرب. نهج "الخصام" الذي تنتهجه الاحزاب العربية ضد المجتمع الاسرائيلي، ليس من شأنه ان يحل الازمة، بل بالعكس سيقوي كل اولئك الذين يبحثون عن اية ذريعة لاتهام العرب بالمسؤولية عن وضعهم المزري.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
سيمون خوري ( 2009 / 11 / 11 - 16:45 )
الاخ أفرات ، تحية ، تحليل جيد للخارطة السياسية ولبرامج أحزابها ، . ووجهة نظر منطقية في كيفية التعامل مع المطالب اليومية للشارع الفلسطيني . شكراً لك

اخر الافلام

.. سيناتور أمريكي لنتنياهو: نقف بجانب إسرائيل في حربها ضد حماس


.. نحو نصف الديمقراطيين يدعمون استبدال الرئيس الأمريكي جو بايدن




.. ناشط يوثق اشتعال النيران في مستوطنة -كفار عتصيون- شمال الخلي


.. فوضى في شوارع العاصمة الهندية جراء سقوط أمطار قياسية




.. منافسو الرئيس الموريتاني يتهمونه باستغلال موارد الدولة لتحقي