الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يااهل مصر -نحن لا نكرهكم- وانتم ؟

احميدة عياشي

2009 / 11 / 11
الصحافة والاعلام


يا أهل مصر•• نحن لا نكرهكم•• وأنتم••؟
بقلم : احميدة عياشي
مدير عام ومسئول النشر
في صحيفة الجزائر نيوز

منذ أيام اتصل بي الصديق الشاعر والمسؤول الأول على قطاع الإتصال لدى الوزير الأول عز الدين ميهوبي، وكان الاتصال عبارة عن دعوة إلى مأدبة عشاء أقيمت على شرف الوفد الإعلامي المصري بالفندق التابع لمؤسسة الجيش ببني مسوس
وللشهادة، فلقد كان اللقاء الذي جمع بين قادة إعلاميين وكوادر في مؤسسات
الدولة والوفد الإعلامي القادم من مصر مليئا بالصراحة والصدق والدفء، واتصف بالتركيز على تغليب صوت الحكمة والحفاظ على العلاقة بين الشعبين الشقيقين والوقوف الحاسم في وجه كل دعاة الغلو والتطرف والتعصب من المغامرين والمنخرطين في هذه الحركة الهستيرية التي تريد أن تجعل من المقابلة المصيرية بين الجزائر ومصر فرصة لتفجير الضغائن والأحقاد بين أبناء وبنات البلدين والعصف بكل ما يميز العلاقة التاريخية بين القاهرة والجزائر من عمق ودلالة
وأعتقد أن مبادرة مثل هذه يجب الثناء عليها، وذلك لأنها تميزت بالشجاعة والوعي من حيث ضبط الأعصاب والترفع عن كل ما يمكن أن تثيره غريزة النصرة من انفلات وتجاوزات• وأنا هنا لا أقول مع القائلين بأن المسألة هي مجرد لعبة كرة تنتهي بإنتهاء 90 دقيقة فذلك يعتبر تقزيما، وكل تقزيم لهذه المواجهة هو تعبير غير حقيقي وغير صادق ومضلل، لأن هذه اللعبة، قصدت لعبة الكرة المستديرة، وما كشفت عنه من حمولات ذات مستويات عاطفية زخمة وكثيفة ومعقدة وموحية برغبة عميقة وتوق جامح للمشاركة في المونديال تعكس من حيث بلاغة الايحاء وفصاحة الدلالة عن حيوية هذا الوجدان الوطني المتجلي لدى قطاعات عريضة من الشعبين وهما -عنيت الجمهورين الشعبين- في حاجة ملحة وضرورية إلى ممارسة مثل هذه اللغة المادية والمجازية ذات الشكل المتنوع والمركب للتعبير عن هذا الوجدان بقوة وعنفوان، كمحاولة لتجاوز كل لحظات القنوط واليأس التي تفجرها فيهما الإحباطات الدفينة والمريرة ذات المنشأ الاجتماعي خصوصا، والمنشأ السياسي عموما•• إن كل الهزائم التي تجرعها هذا الوجدان سواء في مصر أو الجزائر من جراء ما تابعه من إذلال للفلسطينيين على يد المحتل الإسرائيلي، ومن احتلال للعراقيين وانزلاقهم نحو حرب شبه أهلية وطائفية على شتى القنوات، وما تعرّض له من خيبات وانكسارات، تجعل هذا الوجدان يبحث عن منفذ، عن خلاص حقيقي من هذا القدر الملعون، هذا القدر الذي يحاصره ليل نهار، ويحاصره في البيت وفي الشارع وفي مقر العمل•• هذا الوجدان الذي طالما انتظر لحظة انتهاء ظلام النفق دون جدوى، وانتظر خروجه من عنق الزجاجة دون جدوى، وانتظر استعادة هنيهة النشوة، نشوة الانتصار والفرح دون جدوى••• هذا الوجدان الطريد، المحاصر، الحزين والتعيس رمى بكل ثقله في أتون هذه اللعبة المستديرة، هذه اللعبة الساحرة التي تحولت بالنسبة إليه بديلا عن كل الحلول السياسية والوعود الاجتماعية•• بديلا عن كل الأكاذيب السياسية والأوهام الإيديولوجية، بديلا عن الأسى السياسي والكرب الاجتماعي، وهذا البديل في كل الحالات ليس كما يمكن أن يدعي آخرون على أنه أفيون•• إن الكرة ليست أفيونا•• بل هي دواء مضاد للأفيون السياسي والإيديولوجي•• إنها لا تغذي الوهم بقدر ما تعريه وتكشف عن بواطنه، وعن كل المناطق الكامنة في المنظومات، سواء كانت منظومات خطاب أو منظومات مؤسسات أو منظومات أداء على صعيد الثقافة والسلوك السياسيين••
لقد فشلت كل الخطابات والشعارات العربية الرسمية وغير الرسمية في إشاعة الأمل لدى الشعوب•• وكان إخفاقها بمثابة لعنة على الأمل ذاته، الأمل الذي طالما طال انتظاره فتحوّل إلى كابوس•• وهنا كانت هذه اللعبة، لعبة كرة القدم كمشروع بديل، كمخلص وكديناميكية تحفر ثغرتها في قلب هذا الجدار المظلم•• هذا الجدار السميك الذي راح يتعالى لحظة فلحظة، ويوما فيوما كسد منيع بين الوجدانات الشعبية والوطن••• لقد أخفقت الخطابات والشعارات لتحقق هدفها، هدف النصر فحققته هذه اللعبة الساحرة التي لا يجب في أية حال من الأحوال النظر إليها والتعاطي معها بتعالٍ أو استخفاف••• ومثال على ذلك، لنتأمل كيف راح الشبان المناصرون للفريق الوطني الجزائري يستعيدون شعلة الوطنية من خلال إعادة اكتشاف ـ وما أعظمه من اكتشاف ـ حي وصادق للراية الوطنية ذات اللون الأبيض والأحمر والأخضر ـ ونفس الأمر حدث للشبان المصريين من خلال اكتشافهم عظمة مصر المتجددة من خلال فريقهم القومي الذي تمكن من إعادة مصر التاريخية والحية للمصريين المغمورين والمهمشين
لكن هذا الانبعاث العميق للوجدان إذا لم يحصن بالحس العميق والإنساني للوعي الجماعي، يبقى عرضة للاغتيال على يد الأعداء الحقيقيين لنضارة هذا الوجدان وعفويته•• ومن هنا تأتي مسؤولية النخب الثقافية والإعلامية في كلا البلدين للرقي بهذا الوجدان وترشيده نحو تحقيق ما فشلت في إنجازه الأكاذيب السياسية والأوهام الأيديولوجية••
إن ما أقدم عليه الفنان الجزائري الشاب خالد والفنان المصري محمد منير بتقديم أغنية وحفل مشترك في سبيل الرقي بهذا الوجدان المشترك يستحق الثناء والتقدير ويكشف عن مثل هذا الوعي الذي يجب أن يوسع ويعمق•• ولقد أسعدني موقف الفنان الكبير صلاح السعدني الذي رافع من أجل وجدان مشترك متعال عن كل الإنزلاقات المؤدية إلى الضغينة عندما تحدث عن العلاقة التاريخية بين الشعبين، خاصة أثناء حرب جوان 1967، وكيف امتزج الدم الجزائري بالمصري في مواجهة إسرائيل، وكيف يمكن أن يحول هذا الرأسمال الثمين إلى رمزية تمنح لهذا الوجدان قوته وصفاءه ورونقه
من حقنا الحلم بالنصر على الفريق المصري، ومن حق المصريين أن يطمحوا بالفوز، لكن ليس من حق أحد، سواء في الجزائر أو في مصر أن يختفي وراء هذا الانبعاث للوجدان قصد تخريبه وتقويضه وتحريفه عن مساره السليم والحقيقي••

احميدة• ع

مديرالعام ومسؤول النشر
صحيفة الجزائرنيوز








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل نجح الرهان الإسرائيلي في ترسيخ الانقسام الفلسطيني بتسهيل


.. التصعيد مستمر.. حزب الله يعلن إطلاق -عشرات- الصواريخ على موا




.. تركيا تعلن عزمها الانضمام إلى دعوى -الإبادة- ضد إسرائيل أمام


.. حراك الطلاب.. قنبلة موقوتة قد تنفجر في وجه أميركا بسبب إسرائ




.. لماذا يسعى أردوغان لتغيير الدستور؟ وهل تسمح له المعارضة؟