الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القرية المهجورة قصة قصيرة

جمعة كنجي

2009 / 11 / 12
الادب والفن


لعلّي أجدهُ هذا اليوم.
هكذا كان المتسول العجوز يمني نفسه- كل يوم- منذ أعوام عديدة، وهو ينقاد في شبه إذعان إلى صبي صغير.
همسَ الصغير وهو يتطلع إلى وجه العجوز المتغضن:
ـ إنني جائع يا عم.
لم يجبه العم. إنه هو الآخر جائع. ظلّ الاثنان يشقان طريقهما على رصيف شارع حلب المتدفق بسيل لا نهائي من البشر.. كان الصغير متشبثا ً بتلابيب العجوز يجرهُ وراءه على غير هدى وهو ينقل قدميه الحافيتين على ارض الشارع الملتهبة بحرارة الظهيرة في منتصف آب، والعجوز يتعقبه بخطوات واهنة ضعيفة، من حين إلى آخر يردد بلغته الكردية:
ـ بو خاترة خدي (في سبيل الله)
همسَ الصغير ثانية:
ـ إنني جائع.
أجابه العجوز:
ـ أنا أيضا ً.
قال الصغير بنفاذ صبر:
ـ أريد أن آكل!
ـ تريّث قليلا ً، سوفَ نحصل على الطعام من احد البيوت القريبة، ثم أخلد للصمت. أغمض العجوز عينيه نصف إغماضه، ومضى يتحسسُ طريقه بعصا غليظ ثم عاد يردد في الناس نداءه التقليدي:
ـ بو خاترة خدي!
راحَ يتطلعُ ببلادةٍ في وجوهِ المارةِ، يقولُ في سره "ليتني أجده!". لقد سمعَ أنه يعيش منذ زمن في الموصل، ذلك الرجل الذي غير مجرى حياته. إذا قدر له أن يجده؟ سيقول له كلمة واحدة فقط تكون عزاء لحياته الضائعة.. مرق بالقرب منه رجل يمشي في اعتداد شديد فهمسَ لنفسه:" إنه هو!" كاد يمسك به، لكنه تراجع في اللحظة الأخيرة وهو يقول:" لا.. ليسَ هو. آه!.. سأتعرف عليك يا علي آغا حتى لو كنتَ بين مليون إنسان". شرع يتفحص المارة خلسة غير آبه إلى اشمئزازهم من منظرهِ الكريهِ.
رَدَدَ بنبرة أقوى:
ـ بو خاترة خدي.
همس الصغير بضراعة:
ـ إني جائع جدا ً.
..فاحت رائحة الشواء من مطعم قريب. كظمَ العجوز رغبته جامحة في الحصول على وجبة طعام لذيذة.. توقف الصغير لحظة ليتطلع إلى داخل المطعم، لكزه العجوز مشى وهو ما يزال يتطلع، في نصف استدارة، إلى داخل المطعم، وقد اكتسى وجه بمسحة من خيبة الأمل.. اعترضا سبيل امرأة مكتنزة في الأربعين من عمرها، إلاّ أن المرأة حدجتهما بنظرة استياء بالغة، لكنها ما لبثت أن ألقت قطعة نقود في الصحن، ثم مضت في طريقها.
استفسر العجوز من الصغير:
ـ كم قطعة جمعنا؟
أجابه الصغير:
ـ خمس قطع فقط.
عاد العجوز يفكر مع نفسه: لقد سلخ أعواما ً من عمره في هذه المهنة التافهة التي لا تحتاج إلاّ إلى خبرة قليلة، لكنه لم يتقن أبسط قواعدها. إنه متسول فاشل إلى أقصى حد. فهو لا يعرف متى يقول الكلمة المناسبة في الوقت المناسب للمسنين. وهو يجوب يوميا ً معظم شوارع المدينة لكنه لا يكاد يعرف من أين يبتدئ ولا أين ينتهي.. حظه من اللغة العربية؟ أتعس! شبان المقاهي يشاكسونه كل يوم لكي ينطق ببضع كلمات يقول لهم برطانة المعهودة: آني عربي نزانم.. لذلك فإنه لا يكاد يحصل في معظم الأوقات على ما يسد رمقه ورمق الصغير. اليوم، انتصف النهار، إلا ّ أنه لم يحصل على أكثر من ثلاثين فلسا ً. الصغير جائع. هو أيضا ً جائع. ماذا يفعل؟
مضى يرددُ بإيقاع ٍ رتيب ٍ:
ـ بو خاترة خدي!
تطلع إليه الصغير قالَ باحتجاج:
ـ إني جائع.. جائع..
أجابه ببرود:
ـ أصبر.. سنحصل على الطعام.
في نهاية شارع حلب انعطف الصغير نحو الساحة ميماً باتجاه الدواسة، العجوز من ورائه يجر جسمه بتثاقل. مَرّا بقربِ محطة بنزين. كان الجوع ينهش أحشاءهما.. ثم انحرفا إلى شارع نظيف مظلل بالأشجار الباسقة، تصطف على جانبيه قصور فخمة ملونة من آخر طراز.
ردد المتسول بفتور:
ـ بو خاترة خدي.
ذكره الصغير بجوعه مرة أخرى. كان عدد المارة قد قلَّ كثيرا ً، تضاءل أملهما في الحصول على أي منحة نقدية. عندئذ توقفا أمام باب كبير اصفر. ألقى العجوز بكيسه المتسخ على الأرض، وهو يعلل نفسه بالحصول على الطعام من ذلك القصر الفخم. بعد تردد قليل امتدت يده لتضغط على الجرس بأصابع متشنجة قاسية فتح الباب رجل في أواسط العمر، يعلو جسمه رأس كبير، بادره العجوز قائلا ً بتوسل دون أن ينظر إليه مباشرة:
ـ قليلا ً من الخبز نحن جائعان.
احتقن وجه الرجل بالغضب، صرخَ بلهجةٍ كردية سليمة، وهو يصفق الباب في وجهيهما:
ـ لا يوجد!
..تناهى إلى سمع العجوز صوت الرجل يصبُ في سخط ٍ شديد ٍ آلاف اللعنات على أولئك المتسولين التعساء الذين يزعجون الناس في أوقات راحتهم. ظلت عينا العجوز متعلقتين بقضبان الباب الحديدي. كادَ ينسى جوعه، تشرده، ذله، إذ انصرف ذهنه إلى الماضي البعيد ليستعيد صورة الرجل الأصلية. قال بذهول:
ـ إنه هو!
استفسر الصغير:
ـ من تقصد؟
ـ علي آغا. الرجل الذي طالما بحثتُ عنه.
ـ أتعرفهُ؟
ـ بالتأكيد.
ـ هل يعرفك هو أيضا ً؟
ـ نعم. إذا كنت في غير هيأتي هذه.
ـ إذن. لماذا لم يمنحنا خبزا؟
ـ إنه لا يعطي. تعودَ أن يأخذ فقط.
ـ يأخذ ماذا؟ أتعني أنه متسول مثلنا؟!
ـ أتعس.
ـ لكنه غني..؟
ـ أجل..
ـ لعله يمنحنا الخبز ما دمتَ تعرفهُ. لمَ لا نسألهُ ثانية؟ هَزّ العجوز رأسه في أسى. قالَ بحسرة ٍ:
ـ خبزهُ سام.
***
مضيا يائسين إلى الرصيف المجاور. في ظل سياج (حديقة الشهداء) كان ثمة مشرد آخر شاب مستلقٍ في الظل. لوى المشرد رقبته، تطلع إليهما في صمت ثم عاود النوم من جديد. أنطرح الصغير على الأرض حتى التصق وجهه بإسفلت الشارع، مضى في إغفاءة قصيرة بعدما فقد الأمل في الحصول على أي طعام. اتكأ العجوز على كيسه المليء بالحاجيات القذرة، ثم تعلقت أنظاره بباب القصر الذي طردهما صاحبه مثلما تطرد الكلاب الضالة. غرق في التفكير:
إنه هو. عي آغا بعينه. لست مخطئا ً. نفس القامة المربوعة. الرأس الضخم كرأس الخنزير، ثم تلك الشامة السوداء على أذنه اليسرى؟ ذلك الجرح الغائر في ذقنه؟ إنه هو بعينه! آه.. يا ابن العاهرة. عثرت عليك أخيرا ً، لسوف أصفي معك الحساب القديم.
قطع عليه تفكيره رنين قطعة ألقت بها في الصحن عجوز شمطاء تتشحُ بالسوادِ. تطلع العجوز في وجه الصغير الذابل. قرع أذنيه دوي منبه سيارة في الشارع المجاور.. تعلقت أنظاره ثانية بالباب الحديدي الأصفر. عبثا ً يأمل في أن يرى الرجل ثانية في ذلك الوقت القائظ من النهار. لكن.. لماذا؟؟ إنه هو. بلحمه وشحمه. ليس ثمة داع إلى مزيد من الأدلة. وتمتم:
ـ أنا لا أقل عنكَ وضاعة يا ابن الكلبة، لكني عجوز واهن مجرد من كل سلاح.
..عادت به الذاكرة إلى الماضي البعيد. استيقظت في أعماقه ذكريات نصف قرن. في غمرة الذكريات المحزنة شعر بمزيد من التعاسة والشقاء. أختلس نظرة أخرى إلى الصغير الذي نام خاوي البطن. نظر إلى هيأته المزرية القبيحة تحسر. ما الذي يأمله من حياته البشعة تلك؟ ولكن.. الصغير؟ أيستطيع أن يتسول وحده؟ ولماذا؟.. كانوا سيعيشون إلى الأبد في عز ورخاء وسلام لوْ لمْ يعترض طريقهم ذلك الشرير علي آغا. وطفر إلى ذهنه خاطر مفاجئ:
ـ من العدل أن انهي حياتك يا علي آغا علنا ًأمام الناس في عرض الشارع.
استيقظ الصغير فرك عينيه، قال بضراعة:
ـ إنني جائع!
نهضَ المشرد الشاب، اخرج من كيسه رغيفا ً من الخبز، ثم استلقى بجانبهما يقول:
ـ هذا الرغيف زائد عن حاجتي. لقد تناولت طعامي . يستطيع الصغير أن يأكله.
تمتم العجوز ببضع كلمات امتنان، ثم سأله:
ـ ما الذي تفعله أنت هنا؟
أجابه الشاب:
ـ أمضي وقتي.
لماذا؟
ـ لأني مشرد. فقد طردني صاحب العمل منذ أسبوع. كنت اعمل موزعاً للصمون في احد الأفران الكبيرة، لكن صاحب العمل فصلني زاعماً بأني واحد من المشاغبين الذين لا يرغب فيهم.
بعد لحظة صمت:
ـ كم كان فظا ً قاسيا ً!
سأله المتسول العجوز:
ـ لمَ لا تبحث لك عن عمل آخر؟
ـ إني سقط اليد. وكل الأعمال لا تلائمني.
سأله العجوز:
ـ من يكون صاحب ذلك القصر ذي البوابة الصفراء؟
ـ علي آغا.
سال العجوز بإلحاح هذه المرة:
ـ من هو علي آغا هذا؟
ـ صاحب العمل الذي طردني، احد النواب السابقين. يقولون عنه أنه من شخصيات المدينة، يمتلك عدة شركات، في الحقيقة أحط من كلب لأنه يحتقر الفقراء.
حك العجوز رأسه وقال:
ـ يوجد أثر جرح على فكه، وشامة كبيرة على أذنه. أليس كذلك؟
ـ بالضبط.
ـ أتعرف من أين جاء إلى المدينة؟
حملق الشاب المشرد في وجه الجوز باستغراب وقال:
ـ إقطاعي انحدر إلى المدينة من أحدى قرى الشمال.
عندئذ قال العجوز بنزق وهو يتحسس عصاهُ:
ـ لقد نويت أن انهي حياة هذا السافل علي آغا!
قهقه المشرد ثم قال ساخرا ً يغمز بعينه:
لأنه طردك.. هه؟
ـ كلا!
ـ لماذا إذن؟
ـ هذه فكرة ظلت تراود ذهني أعواما ً عديدة..
ـ أنت مجنون.. أنت عجوز خرف. أنت لا تستطيع أن تقترب منه، الذين يحرسونه سيسحقونك مثل حشرة قذرة.
قال العجوز بإصرار:
ـ قراري هذا قديم! لكن..
قاطعه المشرد قائلا ً بحزم:
ـ تريد أن تقتله متى؟ اليوم . حسن.. هناك من يفكر بقتله لكن المشكلة تكمن في القوة الجبارة التي تحرسهُ.
ـ لا أرى أمام قصره أي حرس.
ـ أنت عجوز لا يمكن أن ترى شيئا ً!
سرح المشرد الشاب بأنظاره بعيدا ً، كأنما يستعيد في ذهنه ذكريات محزنة تنهد. ثم استطرد يقول:
ـ علي آغا رمز للشر والجريمة. مصاص للدماء. لقد حطم عوائل كثيرة. وسرح العديد من العمال دون أي سبب.
قال بذهول:
ـ عمن تتحدث؟
..فجأة أخفى العجوز رأسه بين يديه ثم انخرط في بكاء مُر ٍ صامتٍ .. أخذت الدموع تنساب غزيرة في تجاعيد وجهه كما تنساب المياه في الأرض المحروقة. ظل الصغير صامتا ً يراقب الرجلين بفتور وهو يلوك آخر قطعة تبقت لديه من الخبز. تطلع الشاب المشرد في حيرة إلى العجوز المتهدم. ما الذي يبكيه؟ هذا الإنسان المسخ كأنه عاش أبدا ً في وسط دخان. أجفانه غليظة محمرة بلون الدم. وجهه بشع مقرف تعلوه آلاف الثنايا والتجاعيد يتوسطه انف مقوس كبير. الرقبة متهدلة كخرطوم المياه القذرة. كومة من الأقذار والأسمال المزنخة. ما الذي يبكيه؟ وسأله الشاب برفق ٍ:
ـ ما الذي يبكيك؟
ـ علي آغا!
ـ لكنك أنكرته قبل فترة.
ـ اعرف علي آغا الآخر.
ـ ماذا تقصد؟ أنت مجنون.
ـ كلا..كلا.. لقد تحطمت عائلتي، تشرد أهل قريتي، ضاعت أرضنا بسبب علي آغا .. وبسببي أنا أيضاً..
ـ لكن الأرض بدأت ترجع إلى أصحابها . الم تسمع ؟
ـ ما الفائدة بالنسبة لي؟ لقد ضاع كل شيء.
حدجه الشاب باستغراب مرة أخرى قال:
ـ عدت إلى جنونك.
إلا أن العجوز مضى يتحسس عصاه. وقال برعونة:
ـ سأنهي حياته هذا اليوم.
حدجه الشاب بنظرة استياء كما لو كان ينظر إلى علي آغا نفسه. ثم قال يحذره مرة أخرى:
ـ أنت واهم.. القوة التي تحرسهُ لا تنام لها عين لأنها تعرف بأنه معرض للخطر على الدوام.
ـ لكن لابد من معاقبة المجرمين.
ـ دعه. أعداؤه كثيرون. الزمن كفيل بمعاقبته.
شرد ذهن العجوز وتمتم:
ـ لن أدعه. يجب ألا ّ تضيع الحقيقة التي طالما ظلت طي الكتمان. علي آغا مجرم، أنا شريكه في الجريمة، لكني نلت عقابي في هذه الحياة العفنة التي عشتها. أما هو فلم ينل عقابه. أنا شريكه في الجريمة، وضعت نفسي طوع أمره، ساهمت معه في تخريب القرية وتشريد أهلها، أنا لا اقل عنه سفالة.. آه.. المجرم، أو تدري كيف أشعل النيران في القرية الآمنة؟ كان ذلك منذ زمن طويل جدا ً عندما وفد على قريتنا لاجئا ً بعدما طرده أبوه لأسباب خاصة. كسب ود الأكثرية بتزلفه وتملقه اخذ يثير الفتن بين الأقارب، ذات مرة استغل النزاع بين فريقين من الفلاحين تنازعا حول قطعة من الأرض، أقنعني أن أطلق النار على رجل معين ينتمي إلى إحدى الطائفتين المتنازعتين في سبيل مصلحتنا، أنا وهو، آه..ما زلت أتذكر كل شيء كأنه حدث بالأمس، العم احمد منكبا ًعلى حذاء قديم يصلحه على ضوء فانوس، من كوة الحائط أطلقت عليه النار، انطفأ انتهى الرجل، احتدم الصراع بين الطرفين رحلوا جميعا ً عن القرية حقنا ً للدماء، كانت خطة سافلة لم تنكشف حتى اليوم.. على أن ظنون معلم القرية اتجهت نحونا، فاغتاله علي آغا ذات ليلة عاصفة من ليالي الشتاء، وضمت غياهب السجون أربعة شبان أبرياء من القرية، بدأت نذر الشؤم تلوح في الأفق، وقلق أهل القرية على أنفسهم حاولوا طرد علي آغا من القرية، كان يقودهم ملا خليل، أقنعني المجرم بقتله لقاء منحي قطعة ارض ثمينة.. قتلته.. ثم انهارت معنويات الفلاحين تفرقوا في أطراف الأرض شذر مذر لائذين بجلودهم كقطيع من الغزلان يطاردهُ ذئب جائع.
أجهش العجوز كرة أخرى في البكاء وهو يردد:
كان ذلك منذ زمن طويل، لكنه خدعني، خدَعني، وجَهَ ضربته الأخيرة لعائلتي فتحطمت.
بعد فترة صمت:
ـ الويل لأبن الزانية.
هبت من الحديقة نسمة منعشة، دق ناقوس كنيسة قريبة، تعلقت أنظار العجوز بالبوابة الحديدية الصفراء، قال:
ـ منذ ذلك الوقت أنا ابحث عنه، حتى وجدته اليوم، لا بد من تصفية الحساب القديم معه.
قال الشاب محاولا ً تهدئته:
ـ علي آغا هو..هو، تحكم في مصيركم بالأمس، ويتحكم بمصيرنا اليوم، غداً سيزول كأن لم يكن، حتى أقوى السدود ينهار يوما ًما وتجرف أحجاره السيول المتدفقة في الربيع.
نظر الشاب إلى الشارع في أقصى اليسار من الحديقة، انتصب على قدميه. ثم قال بهدوء: لنمضِ.. لنمضِ كل في سبيله. لقد خفت حدة الحر، بدأ الناس يخرجون إلى الشوارع.
استند العجوز بظهره إلى سياج (حديقة الشهداء)، ومدَّ رجليه على عرض الرصيف. داعب عصاه، ثم قال بإصرار:
ـ أنا لن امضي، لا بد من تصفية الحساب معه.
حذره الشاب مرة أخرى:
ـ أنت تتخبط سيسحقونك مثل حشرة أنت وحدك لا تستطيع أن تفعل شيئاً خير لك أن تمضي معنا.
ـ دعني وشأني.. ليكن ما يكون.
ـ الصغير ما ذنبه؟
صمت العجوز.. كرر الشاب سؤاله:
ـ ما ذنب الصغير؟
ـ لا ادري.
فكر الشاب قليلا ً ثم قال:
ـ سآخذ الصغير معي. ما ذنبه كي يبقى جالسا ً معك، مشدودا ً إلى الأرض؟ هه.. ماذا تقول؟
سحبَ يد الصغير وهو يقول:
ـ سآخذه .. ألا ترافقنا؟
أجاب العجوز بإصرار:
ـ سأبقى حيث أنا لن أرافق أحدا .
انحدرت الشمس نحو المغيب، زحفت ظلال الأشجار باتجاه القصر، خرج الناس من دورهم إلى الشوارع، عجّ شارع الحرية، الكائن إلى اليسار من حديقة الشهداء بسيل لا نهائي من البشر.. أما علي آغا فكان يغط ُ في نوم ٍ عميق في قصره الفخم، ذي البوابة الحديدية الصفراء، كانت الستائر مسدلة على الشبابيك المروحة فوق رأسه تدور بدون ضجة، إلى جانبه كأس شراب فارغ، من فرجة بين الستائر تسلل شعاع اصفر إلى الغرفة مؤذنا ً بانتهاء النهار، أفاق الرجل من نومه مضطربا ً، أدرك أنه قد تأخر أكثر مما ينبغي، نظر من شباك في يمينه إلى الشمس الغاربة، فأعشى عينيه شعاع اصفر ذهبي ساطع، احكم وضع الستائر وهو يلعن الأضوية الساطعة.
***

تحسس العجوز عصاه بشوق وهو يرمق الشاب والصغير وهما يقفان في بداية الشارع. ثم رآهما يغيبان في السيل البشري المتدفق على طول الشارع.

جمعة كنجي
بحزاني في 6/5/1969








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل