الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التحولات التركية وإمكانيات الاتجاه التواصلي

ماجد الشيخ

2009 / 11 / 12
السياسة والعلاقات الدولية


وضعت المواقف التركية المتنامية (تراكميا) إسرائيل، أمام مجموعة من حقائق جيو - سياسية وإستراتيجية جديدة، بدأت تهدد بخلخلة ركائز قديمة، استندت إليها إسرائيل بدعم حلفائها الثابتين – أميركيا وأوروبيا – ربما قادت إلى إحداث أضرار سياسية واقتصادية وأمنية خطيرة، هي بمثابة تحذير من وقائع إستراتيجية واقتصادية لا يمكن وقف تداعياتها، إذا ما بدأت بحراك ينتشر عبر العالم على شكل عزلة سياسية، يمكن أن تعمقها ممارسات ومسلكيات حكومة اليمين الفاشي المتطرفة في إسرائيل اليوم وفي الغد.

وبارتفاع نبرة الاحتجاجات الاعتراضية من جانب حكومة أردوغان منذ الحرب على غزة، استطاعت هذه الحكومة كسب المؤسسة العسكرية والأمنية ذات الطابع العلماني إلى صفها، واستقطاب مواقف سياسية وأمنية ذات أبعاد إستراتيجية، وها هي الدولة التركية موحدة، أو شبه موحدة، تمضي باتجاه إخراج شراكتها الإستراتيجية الأمنية التي طالما اعتبرت وثيقة، ووثيقة جدا، مع إسرائيل؛ من حيز الثبات إلى نطاق الجدل والاعتراض، وصولا إلى إبداء الرفض حتى إزاء سياسات ردعية إسرائيلية تمادت كثيرا ضد كل من سوريا وإيران.

لقد شكّل صعود حكومة يمينية متطرفة في إسرائيل، فرصة لتقليص تلك الشراكات الإقليمية التي كان يمكن أن تواصل تعاونها على مساحة المنطقة الإقليمية، ومنها إلى فضاء العلاقات الدولية، حيث بشّر وجود رئيس كباراك أوباما في البيت الأبيض، وتزعمه للنظام الدولي الراهن على أسس مختلفة ومغايرة لسياسات سلفه جورج بوش، فرصة لإمكانية توافر كفاءات قيادية مختلفة، إلاّ أن عدم قدرة البيت الأبيض الإقلاع بسياساته الإقليمية حتى اللحظة، شجع ويشجع قوى إقليمية (تركيا نموذجا ومثالا) على الخروج من ساحة التعاون الإستراتيجي مع إسرائيل باتجاه فضاءات أخرى ذات طابع سياسي مناكف، ردا على عدم ضمها للاتحاد الأوروبي، ما جعلها تنعطف انعطافا حادا في علاقاتها بإسرائيل، حيث توجتها بإلغاء مناورات "نسر الأناضول" مع الطيران الحربي الإسرائيلي، وهو ما تسبب بإلغاء المناورات الجوية مع الولايات المتحدة وإيطاليا.

في هذه الأجواء، يحاول الإسرائيليون مداراة قلقهم بعدم إثارة الأتراك واستفزازهم، بحسب وزير الدفاع إيهود باراك، وذلك في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من صيغ تعاونهم العسكري والاقتصادي، بدلا من خسارة كل شئ، وقبل أن ينتقل الإضرار بالمصالح المتبادلة عبر مساحات أوسع في أوروبا والولايات المتحدة، إلى نقطة اللاعودة.

ولهذا قد لا نستطيع الجزم منذ الآن، إذا ما كانت الخطوات التركية المتلاحقة، ستكون بمثابة الاتجاه المنطقي الأخير، الصاعد باتجاه إنهاء التحالف العسكري الاستراتيجي الذي ربط بين إسرائيل وتركيا، خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وانتهاء الحرب الباردة، في ضوء المصالح القومية التركية التي يعاد الآن تعريفها، كونها مصالح مستقلة داخليا، في مواجهة النخب السياسية والعسكرية التي تنتمي إلى الاتجاه القومي المتشدد، الذي طالما احتكر تعريف المصالح القومية التركية، دون أن يُشرك قوى المجتمع التركي بكافة أطيافه في هذه العملية، بل جرى استبعادها بحجج أبرزها العداء للطابع العلماني للدولة.

وعلى الصعيد الخارجي، يُستعاد الآن ومنذ رفضت أنقرة السماح للأميركيين باستخدام القواعد العسكرية، لإسناد مهمة غزو العراق عام 2003 دور تركيا الجوهري في تحديد مجالات التعاون، والتحالف مع محيط عربي وإسلامي، يشكل نطاقا حيويا لاستعادة بناء تحالفات إقليمية أجدى وأنفع ربما، مما كان يمكن أن يربطها باتحاد أوروبي لم يكل أو يمل من فرض شروط تعجيزية، أقفلت عمليا أمام أنقرة أبواب الاتحاد الأوروبي، فكانت الخطوات الراهنة تجاه سوريا والقضية الفلسطينية، وحتى تجاه إيران، بمثابة التحول المنطقي للبحث عن المجال الحيوي، والفضاء المفتوح للتفاعل التركي مع المحيط الطبيعي الأقرب إلى المزاج الشعبي، بل والمزاج الحزبي والمجتمعي العام الذي أمسى أقرب إلى اتجاهات شعبية، لم تعد تقتصر على اتجاه حزبي واحد؛ هو الاتجاه الإسلامي.

ولطالما تمنى أبناء هذه المنطقة من العرب، أن يكون الاصطفاف التركي معهم ومع قضاياهم، أوضح وأفضل حالا، مما كان سائدا أثناء الحرب الباردة وفي أعقابها. وها هي لحظة جيو سياسية إستراتيجية هامة، تلوح في الأفق، ربما استطاعت، إذا ما أراد النظام الإقليمي العربي، الانتقال بحاله من حال الاستكانة والضعف وانعدام التوازن والفاعلية، إلى حال أفضل، استنادا إلى رؤية مغايرة وإلى أوضاع متغيرة، وإلى اتجاهات تحالفية جديدة يمكنها أن تكون أكثر وثوقية في سياساتها وفي رسم خطوات عملانية، تبدأ بوضع حد لتحالف إستراتيجي بعيد المدى كان قائما مع إسرائيل، ضمن دور لأنقرة في حلف الأطلسي. وقد كان هذا الدور قد أقصاها وأبعدها عن لعب دور مؤثر في محيطها الطبيعي، ما مثّل قلقا وهاجسا للنظام العربي ولمحاوره الإقليمية القريبة يومها وحتى وقت قريب.

لكن ها هو "الاتجاه التواصلي" التركي في اقترابه من التفاعل مع القضية الفلسطينية والقضايا العربية عامة، وإعلانه ولو على مراحل، قطيعة تراكمية متنامية مع إسرائيل، وما تمثله من صلف وعنجهية وعدوان متواصل ضد الشعب الفلسطيني، يضع على عاتق دول النظام العربي الإقليمية وغير الإقليمية، المبادرة إلى ملاقاة الخطوة أو الخطوات التركية في منتصف الطريق، طريق التعاون وتعزيز العلاقات المشتركة على كافة الأصعدة، وبما يمهّد عمليا وفي مستقبل قريب لقيام ما يشبه التحالف الإقليمي، يمكن من خلاله استعادة توازن مطلوب، بديلا لسياسات غير متوازنة، وغير متزنة، كتلك الصادرة عن إسرائيل وتحالفاتها الوثيقة في الفضاء الأطلسي الأميركي – الأوروبي، ولقطع الطريق على فرض تسوية غير متوازنة على الفلسطينيين والسوريين، وفرض توجهات تطبيعية تصب في مصلحة إسرائيل أولا وأخيرا.

وفي هذا السياق، تبدو الخطوات السورية – التركية غنية بالدلالات وبالآمال الواعدة، وهي نموذج متقدم لعلاقات تعد بما هو أكثر من المتوقع، إذا ما خلصت النوايا، ووضعت على سكة العمل الجاد والبناء الفعلي والفاعل لخدمة الدائرة الأوسع والأشمل، وبما يتجاوز القضايا الثنائية والمسائل المشتركة. وهذا يؤكد، بل ويضع على عاتق النظامين السوري والتركي كنظامين إقليميين مؤثرين في محيطيهما، مهمة النهوض بأهدافهما الآنية والمستقبلية، خدمة لشعبي البلدين وشعوب المنطقة، لا الاقتصار على خدمة المصالح الأنانية الخاصة بنخبهما السياسية والاقتصادية فقط. وقد بات واضحا أن مسيرة ومسار التحولات التركية، يعتمد الآن وفي المستقبل، على قدرة وإنماء إمكانيات "الاتجاه التواصلي" في الواقع التركي الخاص، وفي الواقع الإقليمي المحيط، على بذر بذور إنجازاته وغرسها في تربتها المناسبة، وحمايتها مما قد يترصّدها من عقبات ومعيقات، وما أكثرها في واقع المجتمعات والدول، وبخاصة في مجتمع الدول المتنافسة ومحددات نرجسية المصالح الخاصة، ومهدداتها على حد سواء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان الآن مع صلاح شرارة:


.. السودان الآن مع صلاح شرارة: جهود أفريقية لجمع البرهان وحميدت




.. اليمن.. عارضة أزياء في السجن بسبب الحجاب! • فرانس 24


.. سيناريوهات للحرب العالمية الثالثة فات الأوان على وقفها.. فأي




.. ارتفاع عدد ضحايا استهدف منزل في بيت لاهيا إلى 15 قتيلا| #الظ