الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قشرة البرتقال/ 15 1, رسائل

حامد مرساوي

2009 / 11 / 13
سيرة ذاتية


سعاد،
سبق أن اقترحتِ أنت أن أبعث إليكِ الرسائل. والرسائل فعلا ستكون مفيدة. نحن الآن نتواصل عن طريق الرسائل الالكترونية (ايمايل) التي تتطلب التفكير، لكن بما يشبه الدردشة المستعجلة (الشاط). والدردشة تقاذف للكلام السريع المخل بالتمهل المصاحب للتفكير. فهذه الرسائل مساحة مناسبة لممارسة التفكير على مهل.
كدنا نستعجل مراحل الحالة النفسية فيما بيننا لربما. أم أننا ما صدقنا استرجعنا بعضنا، فسقط كل واحد منا في حضن حبيبه ليرتاح من رحلة فقدان الحب. أو كأننا كنا في "بئر الحرمان" (رواية لإحسان عبد القدوس) من الحب الحقيقي. فصدق كل واحد منا حبيبه أنه أخيرا وجد الصدق وخرج من عالم العلاقات البشرية المليئة بالتناقضات.
ومن جانبي الشخصي، لأول مرة أجدني صادقا في مشاعري تجاه إنسان ثان. لأنني أحسست بك تكاشفينني بأسرار شخصية وعائلية. فارتميت في أحضانك كلية، لسببين: السبب الأول أنني ما كنت أحلم أن سعاد/ الحب، ستلتقي بي يوما من جديد، خصوصا وهي التي بحثت عني تستفسر عن هويتي. في هذا المستوى، أصبحت في حالة نفسية فريدة وغريبة وعجيبة. لم أستطع الخروج منها إلى الآن. لقد امتصني حبك إلى درجة لم أستطع أن أتبين الرشد من الغي فيها. أنا من هذه الناحية أعيش حلما وأخاف أن أستيقظ من الحلم. والسبب الثاني، وجدت لديك التجاوب بنفس القدر من الانشغال بي والتعاطي معي بنفس الزخم. فكلما صرحتِ لي بحجم الحب والتعلق، كنت لا أجد طريقة لتأكيد نفس الحالة لدي سوى بالدموع التي تسبق لساني للقول نعم أعيش نفس الإحساس، وإلى هذا الحد الذي تعبرين عنه، وتماما! هذا التطابق أرجعني لحقيقة السن (49/55) الذي نعيش. وهي حالة التحقق من فوات أوان أية فرصة للدخول في حياة متجددة من العاطفة/الحب وكأننا كنا نودع عمرنا العاطفي ونمتلئ بمخزوننا العقلي لننشغل به وحده فيما تبقى من عمرنا الحيواني/الحياتي الاجتماعي. فإذا بالزخم العاطفي يتفجر داخل كل واحد منا بفضل الشخص الثاني بالضبط ودون سواه. أنا من هذه الناحية أفسر ميلان كل واحد منا للتعبير عن انشغاله بالثاني حد العبادة. خصوصا ومجتمعنا الشرقي مولع بعبادة الله حتى ولو كان بلا روح عقدية لاهوتية في منطقه الوجودي. أعبدك. قلتها أنا وقلتها أنت. وأنا مصدق لما بين يدي من كلامك. ولا أعتقد أنك تكذبينني فيما أذهب مذهبه في هذا الشأن.
لا أخفيك، أنني قبل العثور عليك، كنت أملأ نفسي بمبادرات عاطفية، تمتلئ بصدق المشاعر الأخوية وتمتد عبر تماه في الشفافية وتستنكف عن الغواية الجنسية ولو أن الجسد كحضور للجنس الآخر يكمل ما يبتدئ من عواطف فوقية لا علاقة لها بمثلث فينوس. كانت تلك المبادرات العاطفية مثل الفراشة. تنتقل بين كل علامات الأخوة والصدق والرفعة في المعاملة. فلا تكاد تتأكد من موقع استراحتها حتى تنتقل إلى ما يوحي بنفس الاطمئنان في مكان ثان. كان الأصل في هذا الترحال الجميل المتألم هو الغياب المزمن للصدق في العواطف، في النواة الاجتماعية العائلية. كان الانشغال بالايديولوجيا تبريرا مستمرا للتواري عن لحظة الحب. وكان اللجوء للحظة الحيوانية وهما مستديما لتغطية البرود العاطفي بالحضور الجنسوي.
كان الحضور بالندية المزمنة تباهي في السطح بالنموذجاوية السوسيولوجية، بالماركة الحداثية. لكن أصدق الأصدقاء للطرفين كانوا يلمسون مواقع الثقوب السيكولوجية العميقة في تجربتنا الزوجية. كانت العقلانية أداة لوزن مقادير توابل التعويض السطحي عن الفراغ الفعلي الباطني. ساعدنا الابتعاد عن بؤر العائلتين الكبيرتين، على تلافي المزيد من التناقضات. وكانت ومضات الحضور تتحول إلى حالات من البرق والرعد، سرعان ما تختفي لتتوارى العائلة الكبرى نحو النقطة الأبعد. كما زاد تعليم البنات في المؤسسة الأوربية من ملاءمة المعاملة اليومية بما يفضي إلى النموذجاوية الشكلانية. كان ذلك يساهم في النزوع نحو الفردانية باستمرار.
في المقابل، ولتعويض حالة الخلع الممارس باستمرار ضد محتوانا الإنساني من طرف أنفسنا، ظل نبذ النزوع نحو التملك والتشيؤ معلمة سلوكية لدي. "ديالي ماشي ديالي". لإقرار حالة العيش بالآخر ومن خلاله. "كل قلوب الناس جنسيتي" قالها محمود درويش وكانها قالب لغوي لحالة نفسية مطابقة لهذا النزوع النفسي المعوض للتشرذم الزوجي المستديم بدوره.
وفعلا. أصبح هذا النزوع الآخروي طريقة لتجديد المناعة في النفس قصد الحفاظ على قدر معقول من التوازن السيكولوجي/السوسيولوجي، تحت سقف الخلع والتشرذم المتفاقمين باستمرار. واستمرت تلك المناعة المعنونة في القدرة على التخلص من كل زوائد التملك التي تساهم في استعباد الذات والإذلال، طاقة متجددة للمقاومة. ولعل هذا الاستعداد الدائم للمقاومة ضد كل أشكال المهانة هو ما يسبق سلوكنا الطيب مع بعضنا، ليتحول ويتمظهر في ما يشبه الحساسية المفرطة لدينا حتى في مواجهة بعضنا، بكيفية تشبه التورط المنزلق في استعداء بعضنا نحن الاثنين. حالة نفسية عبر الكتابة تتحول إلى قطعة مصغرة من هيستيريا ينتفي معها الحب كمظهر وهو الأصل والفصل في كل ارتباطاتنا نحن الاثنين.
غرابة هذا التناقض هي التي تفسر حاجتنا الملحة لهذا الدواء/الكتابة. والحال أنه دواء فرعي. بينما الدواء الأصل هو وجود كل واحد منا في حياة الثاني. لعل الدواء في الماء. ولعل هذه الكتابة هي ما يفسر جدوى البحث في تلابيب أنفسنا وكأننا ننشر نفسينا تحت أشعة الشمس لنسترجع حالتنا السيكولوجية الصحية. فكلما شربنا كأس ماء ارتوينا من عطش المودة. فهذه الرسائل مني إليك عربون آخر لحبي لك الذي أحلم ألا ينطفئ.














التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حلمكا المشترك
سمر ( 2009 / 11 / 13 - 16:38 )
اقف وقفة اجلال امام حبكما الصادق أي حب هدا؟ حب الى درجة العبادة لا يسعي سوى ان اتمنى لكم حياة مشتركة لترتوا من نبع حبكما الصافي

اخر الافلام

.. بسبب نقص الغاز، مصر تمدد فترات قطع التيار الكهربائي


.. الدكتور غسان أبو ستة: -منعي من الدخول إلى شنغن هو لمنع شهادت




.. الشرطة الأمريكية تفض اعتصام جامعة فرجينيا بالقوة وتعتقل عددا


.. توثيق جانب من الدمار الذي خلفه قصف الاحتلال في غزة




.. نازح يقيم منطقة ترفيهية للتخفيف من آثار الحرب على أطفال غزة