الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


درس امريكي في صحيفة مغربية

نبيل حواصلي

2009 / 11 / 13
السياسة والعلاقات الدولية


إن القارئ لجريدة "المساء" المغربية وللعدد 961 سيجد ضمن صفحة الرأي مقالا لهيلاري رودام كلينتون كاتبة الدولة الأمريكية في الخارجية، عنوانه "أسلوب جديد في التعاطي مع مشكلة الأمن الغدائي والجوع عالميا" حيث تحاول المسؤولة الأمريكيةمن خلال هدا المقال، إثارة مشكلة الأمن الغدائي وتداعياته على مستقبل الاستقرار السياسي في العالم.
عندما نقرأ ما ورد في هذا المقال، نلمس أن السيدة كلينتون تحاول دغدغةالعواطف أكثر مما تحاول إقناع العقول المصدومة من التوسعات الإمبريالية الجديدة للولايات المتحدة الأمريكية وتتجلى محاولة التأثير هذه في تعاطف صاحبة المقال مع المراة المزارعة"في القرى الريفية في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وفي أسيا وأمريكا اللاتينية وتفلح قطعة من الأرض لا تملكها حيث تنهض قبل انبثاق فجر كل صباح وتمشي أميالا لتجلب الماء وتعمل في الحقل طوال النهار، مع طفل مشدود إلى ظهرها في بعض الأحيان" وتضيف السيدة هيلاري، أن هذه المرأة حتى و إن تمكنت من إيصال منتوجها إلى السوق، فالقدرة الشرائية متدنية. إن كلينتون بهذا الوصف تحاول تقديم نموذج لحياة بأس الأرياف في مناطق عديدة من العالم، لكن لاحظوا معي كيف تحاول كاتبة المقال إثبات معرفتها بأوضاع المرأة في بقاع البؤس بإفريقيا وأسيا... الأمر الذي يكسب الكاتبة تعاطف الكثير من القراء خصوصا أولئك الذين يقرأون بسطحية ما ينشر في الصحافة.
إن هذا الوصف الأدبي الذي تقدمه المسؤولة الأمريكية يمكن، فعلا، أن يترجم عواطف امرأة اتجاه امرأة أخرى تعيش أوضاعا مزرية، حيث تجد صعوبة في إنتاج وتسويق منتوجها غير أن صاحبة المقال تتحمل مسؤولية سياسية في الإدارة الأمريكية، الأمر الذي يعني أن الهدف ما هو الامحاولة لتلميع صورة السياسة الخارجية الأمريكية وكسب المزيد من التأييد في أرجاء متعددة من العالم، خصوصا، بعد الخيبات التي جنتها من جراء غزوها لعدة بلدان (الفيتنام، الصومال، العراق...) إذا كانت أمريكا في شخص كاتبتها في الخارجية تحاول، فعلا، القضاء على الجوع العالمي وتتبجح بجهود إدارة دولتها في هذا المجال، فلتكشف عن حسن نيتها عمليا، وذل بوقف معاناة النساء الفلسطينيات اللائي يتضورن جوعا إلى جانب أطفالهم وأزواجهم بقطاع غزة تحت حصار مقيتن، ولتتجرأ وتستنكر وتندد -على الأقل- بما يقوم به الصهاينة من أعمال تخريبية وإتلاف لمصادر عيش الشعب الفلسطيني، كقطع الأشجار المثمرة، وإتلاف المحاصيل وحرق الضيعات الفلاحية في الضفة الغربية وقطاع غزة من فلسطين.
إن حديث كلينتون عن مشكلة الأمن الغذائي لا علاقة له بالدافع الإنساني الذي يستشف من تلك العبارات الرقيقة المشحونة بالعطف الكاذب، بل هو في مجمله، تخوف على المصالح الأمريكية، التي يمكن أن تتعرض للخطر في حالة نشوب قلاقل واضطرابات والانتفاضات بالدول التي تتوجه إليها كلينتون بدرسها هذا في الأمن الغذائي،إذ تقول"فالجوع المزمن يشكل خطرا على استقرار الحكومات والمجتمعات والحدود والناس الذين يتضورون جوعا ويعانون سوء التغذية وليس لهم أية مداخيل ولا يستطعون رعاية أسرهم وسد احتياجاتها، لا تبقى لهم إلا مشاعر الخيبة وفقدان الأمل واليأس، واليأس هذا يمكن أن يؤدي إلى التوتر والصراع وحتى العنف، فمنذ عام 2007 وقعت اضطرابات وأعمال شغب سببها الغذاء في أكثر من 60 بلدا"
إن الجوع المزمن يمكن أن يقوض"شرعية" أنظمة ديكتاتورية في هذه المناطق من العالم خصوصا تلك التي تضم اكبر احتياطي من النفط الذي تستهلك أمريكا وحدها نصف صادراته وتتحكم في أسعاره، ومؤخرا تمكنت من السيطرة على أهم احتياطاته (العراق). صحيح أن مجمل البلدان أصبحت تعرف فوارق طبقية عميقة بين طبقةالحاكمين الموالين لسياسة أمريكا ومصالحها ولدوائرها ولوبياتها، وبين هؤلاء الذين تتحسر عليهم السيدة كلينتون (المزارعة،الرجل الشاب العاطل...) وذلك ما يستشعره هؤلاء التوسعيون بفعل ارتفاع الأسعار وتدني القدرة الشرائية وارتفاع نسب البطالة وكساد الاقتصاد العالمي، حيث يعملون على تصدير سياسة دعم ما يسمى بالطبقة الوسطى التي تعتبر اساسا للاستقرار السياسي بحكم مصلحتها، وتدبدبها أثناء عملية الحراك الاجتماعي. وتضيف السيدة هيلاري أن "الأمن الغذائي لا يقتصر على المواد الغذائية فحسب، فهو يتمثل في تلاقي عدد من المشاكل المعقدة معا ومنها، الجفاف والفيضانات التي يسببها تغير المناخ وتقلبات الاقتصاد العالمي..." لاحظوا كيف تحاول كاتبة المقال تغليط المتلقي وكأن المسؤول عن هذه المشاكل هي الشعوب، التي تتوجه إليها" بأسلوبها الجديد"... فلو أخذنا مشكل التلوث البيئي على سبيل المثال سنجد أنه يرجع بالأساس إلى جشع الدول الصناعية وطموحها للرفع من صادرات منتوجاتها الصناعية. ألم تمتنع أمريكا في السابق على التوقيع على بروتوكول كيوطو الساعي إلى التقليل من انبعاث الغازات السامة بفعل الصناعات الثقيلة؟ ماذنب المزارعة ومعها كل المغلوب على أمرهم، في هذا التدمير التدريجي للبيئة والإنسان الذي تقترفه الدول الصناعية؟ والذي أصبح ينعكس سلبا على المحاصيل الزراعية لذوي الأنشطة الزراعية المعيشية.
في الأخر بقي لنا أن" نشكر" هؤلاء المتسابقون على نشر درس هيلاري رودام كلينتون عندما اثثوا به صفحة الرأي من جريدتهم عدد 961، كما نذكرهم بأنهم قدموا خدمة جليلة للسياسة الخارجية الأمريكية، بنشر هذا الدرس الأمريكي النسوي بلغة عربية لقراء جريدتهم المصنفة ضمن الصحف الأكثرمبيعا في سوق الصحافة والنشر المغربيين.











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اعتذار
نبيل حواصلي ( 2009 / 11 / 14 - 11:45 )
اعتذر للقراء الكرام عن بعض الاخطاءالمطبعية الواردة في هذه النصوص.

اخر الافلام

.. الجزائر: مطالب بضمانات مقابل المشاركة في الرئاسيات؟


.. ماكرون يثير الجدل بالحديث عن إرسال قوات إلى أوكرانيا | #غرفة




.. في انتظار الرد على مقترح وقف إطلاق النار.. جهود لتعزيز فرص ا


.. هنية: وفد حماس يتوجه إلى مصر قريبا لاستكمال المباحثات




.. البيت الأبيض يقترح قانونا يجرم وصف إسرائيل بالدولة العنصرية