الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في مهب الريح

فاضل فضة

2004 / 6 / 9
الادب والفن


قد يتساءل المرء في لحظة زمنية ليست عابرة عن غزير التواصل في مناخ جغرافي آخر. كم من استثمار انساني عمره سنوات طويلة، انتحر قبل النضوج بسلوكية مبهمة؟ وكم من كذبة زمنية لروح شوّهت بأوهام الأمل، غائبة عنها عوامل الحث والتعرية ثقافيا. كم من عقدة متأصلة نبتت أشواكها في خريف العمر، وحولت توازن الإنسان بسببها إلى اختلال في الكلام والحديث والمسامرة؟
وكم من اغتصاب مادي لملكية تخص أخوّة بيولوجية ، غير قادرعلى ممارستها إلاّ ما نسميه البقايا؟ وكم من أنانية بدون بناء حضاري شوهت وما زالت هجرة الإنسان في الزمان والمكان نحو الافضل؟
وكم من حكاية سمعنا، وعرفنا، وغابت في ذاكرة الصمت في حياتنا، كالمطر العابر؟
إنها الصداقة، التائهة عاى أعتاب ثقافة فيها من النفاق الكثير..
***
في مدن السحاب الداكن في عقول الخارجين عن الحياة. وفي مطارات لا تعرف الاستقرار والهدوء. في مقاهي الزمن، نجلس خفية بين الروح والذات الدفينة في حكايا الذكريات والماضي القريب او البعيد. ننظر من خلف زجاج مكتئب بزخات المطر، أو نبحث بين السطور عن شاطئ بعيد، أو نهرب من هدوء اللحظة عبر صوت موسيقي في عزلة مرغوبة.
إنها الحياة بمرها وحلوها، وذكرياتها ومخاضها، بتاريخها المتنقل بين مدينة وأخرى وبين ثقافة متسربة بين مجموعة ثقافات أخرى أكثر من عديدة. إنها التجرية الفريدة والعجيبة. أن نبني سرابا تحسب أنه الحقيقة، عبر الزمن والدهر والحياة. وإن كنت تعرف أن السراب الصداقة ومنذ البداية كذبة كبرى، كحولية الأثر في عز الظهيرة بين ثنايا كثبان الرمال.
صداقة الوحدة، واللقاء المزيف، ونشوة الاستفزاز، في عالم يبحث عن قيم، وستارة بيضاء، تمارس العري الثقافي، بشفافية متمزقة عند حدود أي مصلحة مادية أو قلق معنوي لذاتية الأنا...
لكل ثقافة رواية، وكل تجربة حكاية، وعلى كل منعطف حياتي يوجد ظل، أو شحوب، أو هدوء تأمل غائب، لصخور رمادية اللون والأثر.
وفي كل لقاء كان أمل، وحلم إنساني باستمرارية غير معقدة. يحل عقدة لسانها تواتر مبني على واقعية للبناء الإنساني، أو هيكل ثقافي لم يجرد من شوائبه بعد.
يعتقدون في حلّة ارتجالية أنهم التميز، بينما في أدوات العلم المخبري ما زالوا في طور الفعل ورد الفعل والبحث عن استمرارية الذات، والذات بالأنا فقط.
إنها الحياة بكل مفارقها وأطيافها، وكم من صديق تم ختمه بالشمع الأحمر، وكم من أخر ادّعى أنه الرفيق ومارس كل عقد الغيرة والنميمة والكذب السهل. بشكل لا يصمد بين غرفة وأخرى وبين مجلس أو لقاء آخر، فكيف في صراط الحياة والزمن؟ وكم من استخدم ثقة الناس الطيبين وخدعهم من أجل مآرب مادية او معنوية؟ وكم من حارب بجاهلية بدائية، قضية حب الظهور أو ديكتاتورية الحماقة أو عدم القبول بواقع المعرفة والثقافة؟
في بلاد الهواء النقي والثلوج البيضاء، نمارس وجودنا بإرثنا الاجتماعي الملوث، نحارب أفضلنا، نقمع ذاتنا من خلال ممارساتنا الضعيفة نحو الآخر، ندعي الإنسانية وتحتاحنا كل يوم انفعالية الغريزة وحب الذات بدون براءة، ندعي القيمة الحضارية، بينما يغالبنا في وعينا ونومنا أحلام القلق بالأوهام، ندعي الصدق في خطابات الليل والنهار، ونمارس عهر الكذب الشرقي المبهّر في كل أن ولحظة.
كانت الصداقة في قاموسنا السلوكي ومازالت، مصالح شخصية تنتهي عاطفتها على أول محك أو تجربة.
عند الطفولة تجتاحنا العاطفة وأمواج البحر الهائج، فتدمع العيون ويختلج الفؤاد براءة وإدراكا محدودا، وفي زمن الخريف الكوني لدهر ما زال محاصرا، تتهاوى الأوراق الخضر والصفر في عزلة قسرية حدودها مصالح شجرة بيولوجية في حديقة العائلة، وتجربة بروتوكولية.
كان الشعر يوما خيالا وما زال تأملا في افتراض المجاز. وكانت الصداقة نبتة اجتماعية فيها من الصوفية صدق متسائل.
وتبقى في أنهارنا تعرجات لم تعد مبدئية، تسافر حمى الصحراء ويختفي السراب عند حدود واحة معزولة عن الرمال الشاردة.
إنها الحياة بكل ما فيها من مفاجآت للبعض وتوقعات للآخر. إنها التجربة والعمق ومصداقية الكلمة في الثقافة والبيئة والمجتمع والدهر على حدود الأفق الدائر حول الشمس بدون تعب.
إنها نحن ، التلوث، منذ ولادة الموت في ديارنا، ملاحقين في أعقاب هجرتنا الغريبة، في الوطن، والمغترب، حتى الرمق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف يتحوّل الصفّ لمسرح والطلاب -لجمهور- أثناء التدريس مع أست


.. كوميدي إسرائيلي يتّصل بفندق لبناني للحجز... والموظف: -روحوا




.. الفنانة السودانية مفاز بشرى في ضيافة صباح العربية


.. أخبار الصباح | محاكمة -الصمت- لترمب تتحول إلى -فيلم بتذكرة-




.. ندوة الرواية والفنون: روايات واسيني الأعرج أنموذجا- الجلسة ا