الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكلاب المسعورة !!

يوسف ابو الفوز

2009 / 11 / 14
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


نهاية تموز الماضي ، وخلال وجودي في بغداد ، رتب لي صديق عزيز لقاء مع بعض من زملائي أيام الدراسة الجامعية في البصرة ، ووصلوا من مدن عراقية مختلفة ، والتقينا وسهرنا عند ضفاف دجلة ، وكان ـ يا عزيزي القاريء ـ لقاءا حارا من بعد سنين افتراق قسري ، حاولنا فيه استعادة شيء بهجة تلك الايام ، وتذكرنا معا وجوها عزيزة غابت عنا لسبب وأخر ، فمنهم من استشهد ومنهم من اكلته الحرب ومنهم من غادر الى المنفى القسري . وتحدثنا في كل شيء وكانت هموم الوطن دائما هي الاولى . أثناء حديثي مع احد زملائي ، من الساكنين في بغداد ، انتبهت انه كرر قوله عدة مرات ، بأنه : " رغم الانفراج الواضح في الوضع الامني فانا أحرص على العودة مبكرا الى داري تجنبا للشر" ! وإذ اعرف أنه يسكن في منطقة شعبية ، واعرف أنه انسان مسالم ، وان احواله المادية لا تغري احد بأبتزازه ، سألت بجدية : " هل هناك من يتعرض لك في محل سكنك؟ " وفي بالي ـ عزيزي القاريء ـ كل قصص عمليات الابتزاز والتهديد وعمليات "العلس" التي يخشاها الكثير من ابناء العراق . لكن صاحبي قال بثقة وهو ينظر في عيني مباشرة : "أخاف على نفسي من شر الكلاب السائبة !"
ولا اخفي عليك ـ عزيزي القاريء ـ في الوقت الذي غالبني الالم ، حاولت ان أكتم ضحكة قدرت أن الوقت غير مناسبا لاطلاقها ، الالم كان لكون هموم العراقيين ألامنية ومخاوفهم ، لم تعد تتوقف عند سعار ارهابي قادم من خارج الحدود ، او طائفي متشدد يحاول الغاء الاخر ، او متأسلم ظلامي لا يرى ابعد من حدود لحيته ومصالحه الشخصية ، أو صدامي حاقد فقد العز والجاه والسلطة ، صارت المخاوف تشمل الكلاب السائبة ، التي تشير التقارير الصحفية الى انها صارت هما اساسيا من هموم ابناء العاصمة بغداد والعديد من المدن العراقية . فهذه الكلاب السائبة ، التي صارت تهاجم الناس وتنزل بهم جروحا شديدة واودت بحياة العديد من الاطفال ، تقول جهات طبية انها " ... وأذ تعيش في المزابل المكشوفة التي تنتشر في كل مكان من بغداد ، اعتاشت لفترة على الجثث المجهولة الهوية التي ترمى في المزابل ، وصارت تستطعم وتستسيغ لحم الانسان " ، وأنها "... عندما وجدت ـ الحديث هنا عزيزي القاريء لطبيب عراقي ـ ، نفسها غير قادرة على الحصول على هذا الطعام في المزابل والطرقات ، تحولت الى حيوانات مفترسة ، وكلما وجدت أمامها تلك الرائحة الخاصة بلحوم البشر ، إضافة الى المظهر البشري الجاذب لها ، فأنها تسارع لمهاجمته بكل قوة وشراسة ." !!
ولا يخفى عليك ـ عزيزي القاريء ـ أن مخاوف الناس تأتي من كون هذه الكلاب اضافة الى الجروح التي تحدثها عند من تهاجمهم ، فهي تأتي معها بمخاطر كونها قد تحمل امراضا عديدة مختلفة .
أما الضحكة ، التي حاولت كتمانها ـ يا عزيزي القاري ـ ، فذلك لأني تذكرت كيف أني وفي الشهور الاولى التي اعقبت سقوط نظام الديكتاتور، واجهت مشكلة عائلية عويصة بسبب "الكلاب" ، فزوجتي تعاني من خوف شديد، وغير اعتيادي من كل أنواع الكلاب وحتى المنزلية والاليفة منها. واذ عَلمت بأني تورطت من قبل اصدقاء ومعارف واستلمت بطاقة دعوة لحضور حفل زفاف شخص يصفه بعض اصدقائنا بكونه "أبن كلب "! ، حتى ثارت ثائرتها وصاحت بي : " وتريدني ان اصحبك لحفل زواج كلب ابن كلب ؟ ". ولم تقبل حجتي بكوني تورطت بشكل ما ، وأعلنت احتجاجها العنيف ، ومارسات مختلف انواع الضغوط حتى لا اذهب ، ونجحت في اقناعي ونالت ما تريد واعترف بأنها أمرأة عنيدة جدا ، السبب الذي اثار غضب زوجتي ـ عزيزي القاريء ـ ، هو أن العريس ـ " ابن الكلب " ـ كان مشكوك بأمره بأنه من كتاب التقارير الامنية ايام النظام الديكتاتوري المقبور، واختص تحديدا بنهش وعض المثقفين من أبناء شعبنا ، ومع سقوط الصنم ، ارتدى لبوس الديمقراطية وتدثر بقصص الضحايا وصار مناضلا من اجل العراق الجديد !
ياااااه ـ يا عزيزي القاريء ـ لكم اتمنى ان تعود الى منزلك سليما معافا ، بدون اية أذية ، فالكلاب المسعورة تملأ شوارع العراق وشاشات التلفزيون وتركب سيارات فارهة ، وهي تزداد شراسة وفسادا ، وتحمل معها عشرات الامراض القاتلة التي تهدد مستقبل اجيالنا القادمة ، ولا يمكن لشعبنا التخلص منها الا بعمل نوعي وموقف شجاع وشامل يستوجب معالجة العوامل المساعدة لتكاثر الكلاب ، وان تكون لدينا بيئة نظيفة في عراق لا يسمح للكلاب السائبة والمسعورة بأن تنهش لحم الناس الابرياء !
وسنلتقي !!











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رغم كل شيء ما تزال حالما
عبد الله بوفيم ( 2009 / 11 / 15 - 10:02 )
رغم كل ما تعانيه وتشاهده معاينة من مآسي الشعب العراقي مع المرض والكلاب السائبة, والقتل والتشريد والتدمير وكل الموبقات فانك, ما تزال حالما, وترى أن حكم صدام كان دكتاتوريا ممقوتا
لم تعي الدرس بعد يا يوسف وواضح أنك لن تعييه أبدا. الظالم الواحد الناشر للأمن والمانع للكلاب السائبة والمقاوم للأمراض خير من الفتنة التي تعيشها العراق اليوم, وستبقى فيها ما دام الحالمون أمثالك كثر
لقد كانت دولة العراق نمودجا تحتدى وفي جميع الميادين, رقي وتعلم واقتصاد وفكر وأدب وغناء وكل شيء. اليوم بعد زوال حكم الدكتاتور كما سميته اصبحت العراق نمودجا في الانحطاط والخراب والدمار وتهديد الكلاب السائبة للمواطنين في عقر ديارهم
فرق كبير بين دولة الظالم الواحد ودولة ملايين الظالمين. ظلم مائة سنة خير من فتة يوم واحد


2 - إلي تعليق 1 الذي كتب
جحا القبطي ( 2009 / 11 / 15 - 10:45 )
لم تعي الدرس بعد يا يوسف وواضح أنك لن تعييه أبدا. الظالم الواحد الناشر للأمن والمانع للكلاب السائبة والمقاوم للأمراض خير من الفتنة التي تعيشها العراق اليوم, وستبقى فيها ما دام الحالمون أمثالك كثر... هو حضرتك عراقي ة وهل يمكنك الحكم علي الأوضاع لمجرد الإعتقاد..............!!!!!؟


3 - الخراب الأعظم
غازي صابر حسين ( 2009 / 11 / 15 - 11:55 )
كاتب المقال وضع إصبعه على جرح واحد من الأف الجراح التي تنهش في الجسد العراقي . فالذي يزور العراق ويدقق في هذه وتلك ويقارن بين الماضي الدكتانوري والحاضر الذي من أبرز سماته الفوضى المقصودة ربما والذي يقصدها المعلق الأول وهو منطق لطائفة معينة مفادها حاكم ظلوم خيرمن فتنة تدوم .والتحدث عن العراق الأن لاتغطيه صفحات أما أذا أراد ابو الفوز الأشاره الى أقسى الصور الطاغية في المشهد العراقي فهناك حيوانات أكثر شراسة من الكلاب هناك الذئاب التي تتربع على سدة الحكم وتسرق وتتعامل مع أبشع أنواع عصابات القتل والجريمة المنظمه ، هناك الأف من الذين ركبوا العمامة فوق رؤسهم وهم يحتلون الوزارات ومؤسسات الدولة ويسرقون ويعملون كل ما يرتاح له الشيطان في الأساءة للعباد .من يتجول في شوارع بغداد ويرى البنايات والشوارع المدمرة وهي تعاني الخراب منذما قبل الأحتلال ربما والقائمين على الحكم يسرقون بأسم الأعمار. كل شئ متوقف وكل شئ يبنى هذه الأيام بالحيلة أما الفوضى فمن أبسط مظاهرها أن الجميع يقود سيارته وهولايملك إجازة سوق وعندما تسأل عن السبب يقولون أن شرطة المرور ليست لديها إجازات .


4 - دول اسلامية
يوسف ( 2009 / 11 / 16 - 20:36 )
وهل كتب علينا اما دكتاتور همجي يحكمنااعتمادا على عشيرة من الرعيان واما احتلال وحكومة مهرجين وحرامية وقطاع طرق
وهل ستجد مثل هذا الذل الا في البلدان التي (اعزها)الله بالاسلام؟

اخر الافلام

.. لبنان: هل ينفذ نتنياهو تهديداته؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. لبنان: كارثة إنسانية على الأبواب؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الحرس الثوري الإيراني يهدد: سنسوي المصانع والمنشآت الإسرائيل


.. سرايا القدس: إيقاع قوة إسرائيلية في كمين بحارة الدمج في مخيم




.. لحظة سقوط صواريخ أطلقت من لبنان في منطقة الكريوت قرب حيفا