الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شوارب

محمد أبو هزاع هواش

2009 / 11 / 15
الادب والفن


لكل شارب قصة...


يعد أبو حسن معجزة حقيقية. نظرة واحدة إلى وجهه المحتل من قبل شاربه الضخم تكفي لمعرفة الكثير عنه فهو لسبب غريب ينطبق عليه المثل القائل "المكتوب مبين من عنوانو." أبو حسن كليشيه بسيطة. يديه مليئة بالخواتم أي يوم، وسلسال لماع ملفوف حول رقبته دائماً. يقنص في مشيته كالديك. وعندما حطت به الطائرة في مطار جي إف كي في نيويورك لاحظ أنه يجلب الإنتباه لنفسه في هذا المكان الجديد ولهذا استقر على الإبتسام دوماً. على كل الإبتسامة لاتفارق وجه أبو حسن لسبب ما مهما كانت الأحوال. أما عن إهتمام البشر به، فشواربه مغنطيس.

أبو حسن دراما حقيقة متنقلة ولهذا فكان من المتوقع أن تأتي الحوادث بسرعة.

من المطار اتصل أبو حسن بغسان الذي أبدى إستعداده لجلبه من المطار. عندما أتى غسان كان أبو حسن بالإنتظار فرحاً، وفرح أكثر عندما علم أن هناك غرفة بإنتظاره بسعر قليل. تحدث أبو حسن عن نفسه معظم الطريق إلى شقة غسان الكائنة في الطابق الثاني لمنزل عائلي على أوشن باركواي والأفينيو يو في بروكلين. كان أبو خليل صديق والده قد أعطاه رقم غسان قريبه والذي كان قد هاجر إلى أمريكا منذ خمسة سنولت. لم يهتم غسان بماكان يقوله أبو حسن لأنه كان قد عمل منذ ساعة باكرة وعليه النوم بسرعة واكتفى بالقيادة والتنكيت هنا وهناك على أشياء غريبة يتفوه بها أبو حسن كعادته.

دل غسان أبو حسن على غرفته الجديدة وكذلك أراه الحمام والمطبخ وسرد له بعض الأشياء المهمة. فرح أبو حسن بسهولة الأمور وقال لغسان بأنه سوف ينزل إلى مانهاتن اليوم القادم ليبحث عن عمل وليتبضع قليلاً وليرى "الجو." نصح غسان أبو حسن أن لايصرف النقود القليلة التي جلبها معه وأن يحاول أن يحصل على عمل بأسرع مايمكن.

لم يأخذ أبو حسن بالنصيحة بل قضى بضعة أيام في تجول وإستجمام وسياحة وبالطبع تسوق حتى صرف معظم ماأتى به معه. كانت جانيت جارة أبو حسن في دمشق قد أعطته رقم المعلم نقولا الذي يكون ابن خالتها دعد التي تزوجت جورج دكر الحلبي والذي أتى مع أهله للإسبتقرار في نيويورك. نجحت عائلة جورج دكر الحلبي واستقروا في بروكلين، حيث مارس الأب مهنته كتاجر للإبر وخرج نقولا الولد الأصغر ليؤسس سلسلة مطاعم في مانهاتن. بالطبع عندما تكلم المعلم نقولا مع أبو حسن على التليفون جرت الأمور بسلاسة حيرت أبو حسن، إن لم نقول أنها شوهت الصورة الحقيقية للواقع العملي في نيويورك. لاتأتي الأمور بهذه البساطة عادة. منذ ذللك اليوم وأبو حسن يفتكر أن الأمور سهلة في نيويورك. في ذلك اللقاء الأول ارتدى أبو حسن قميصه الأسود اللماع مع سرواله الجينز الرانغلر الذي إشتراه في أول يوم له في مدينة نيويورك وحذائه الإيطالي الذي جلبه معه من دمشق والذي كان قد إشتراه من أحد المهربين من أجل لبسه في نيويورك.

صرخ المعلم نقولا بلهجته الحلبية الجميلة التي لم تتأثر بسنين الغربة الطويلة عندما رأى شوارب أبو حسن:"اشو هاد يازلمة..والله فكرت أنو الشرطة العسكرية جاي وراي." قهقه أبو حسن وأخبر المعلم نقولا أنه كان بالفعل عنصراً في الشرطة العسكرية. أيقن المعلم نقولا أن أبو حسن لم يكن ذو رتبة تذكر في الشرطة العسكرية لأنه خلال الحديث أخبره أبو حسن أنه لم يكمل علمه بعد الثانوية العامة. لم يهتم بذلك وإنما بالشخص المرسل إليه والذي بإستطاعته توفير عمل له.

لكل مكان شوارب. وأيضاً لكل زمان شوارب. فمثلا يكون شارب أي ممثل رومانسي من الخمسينات في القرن الماضي رفيعاً يلمع، وأما شوارب زعيم العصابة فسوف يكون ثخينا وكأنه من شوك. أما الرفيق المناضل آبو حسن فإن شاربه يؤهله لقيادة جبهة. وطبعاً هناك الشارب الوهمي. أما أخطر تلك الشوارب فهو ذلك الذي قهر اللحية ليحتل مكانها بنرجسية ملحوظة، هذا أذا نظرنا إلى اللحية كإمتداد طبيعي للجسم. مما لايشك به أن الشارب وإحتلاله لمركز الصدارة مهم ويعكس الكثير من ألام وتاريخ البشر وخصوصاً من موقعه الإستراتيجي فوق الفم وتحت الخطم. علاقته مع اللحية معقدة يتدخل فيها الدين والشرع أحياناً.

حاول المعلم نقولا منذ البداية أن يعلم أبو حسن الثلاثيني جغرافية المنطقة. لكن أبو حسن المستعجل دوماً حاول إقناع المعلم نقولا أنه أصبح يعرفها كحارته في دمشق . أظهرأبو حسن أنه قد تسكع في المنطقة كل يوم بعد انتهاء ساعات عمله التي اصبحت توصيل الطلبات إلى منازل الزبائن والتي أصبحت شاغرة بعد سفر أرنالدو المكسيكي المجد والذي عمل لدى المعلم نقولا لخمس سنوات. حزن المعلم نقولا على خسارة أرنالدو الذي ترك دراجته الهوائية التي كان يركبها كل يوم، مطر، ثلج، لافرق. كانت الدراجة وقفلها نسخة طيق الأصل عن صاحبها: قوية، سريعة وأمينة لجميع الفصول. وعندما اعطى المعلم نقولا البسكليت لأبو حسن لاحظ الفرق للتو. وعندما قفز أبو حسن على البسكليت ليستخدمها للمرة الأولى عرف المعلم نقولا أن المشاكل سوف تأتي سريعاً.

لم يكن المعلم نقولا مخطئاً فقد رجع أبو حسن بحالة تعيسة من أول توصيلة على البسكليت. قميصه الجديد ممزق وساعده مجروح وكعب حذائه في يده. ادعى أبو حسن أن سيارة قد اصطدمت به. لم يصدق المعلم نقولا هذا الكلام لعدم وجود أية آثار على البسكليت، واكتفى بالضحك وناول أبو حسن حقيبة الاسعاف الأولية وأشار إليه بالذهاب إلى الحمام لتضميد نفسه حيث أمضى أبو حسن معظم الظهيرة بحجة نضميد جراحه حيث كان في الحقيقة مهموم أكثر على شعره لأن الحادث قد طال تلك المنطقة المهمة جداً. وبالطبع كانت حالة حذائه السيئة مسببة للقلق الشديد.

عندما خرج أبو حسن من الحمام وجد طلبية جديدة للتوصيل، وكان مسروراً عندما أخبره المعلم نقولا أن الزبون قد سأل شخصياً عن العامل ذو الشوارب الضخمة. نسي أبو حسن حالته وأخذ نفساً طويلاً نافخاً صدره. بالطبع تمنفخ أبو حسن وأخبر المعلم نقولا أن الزبائن أصبحوا يعرفونه. هز المعلم نقولا رأسه وضحك وأخبر أبو حسن بأنه وشواربه سوف يصبحون مشهورين جداً. أعجب ذلك الكلام أبو حسن واتجه بتوصيلته إلى منزل الزبون القريب جداً من المطعم بعد أن أرجع كعب حذائه بقدرة قادر بينما كان يفتل شواربه.

نظر المعلم نقولا إلى أبو حسن المهتز بسبب عدم توازن حذائه وضحك وقال: "إشو هاد يازلمة." لم يسمع أبو حسن ذلك واستمر بمشيته المميزة إلى أن وصل إلى منزل الزبون القريب جداً وقرع الجرس. أتى صوت الرجل من خلال الانتركوم ناعماً جداً وارشد أبو حسن المبتسم إلى لمصعد المؤدي إلى شقته. على باب الشقة كان الزبون لطيفاً جداً وأعطى أبو حسن بخشيشاً كبيراً. لم يدري أبو حسن سر هذا الكرم أو ماهو حجم البخشيش عادة. مرة أخرة أدت سهولة الأمور إلى تشكيل مفاهيم خاطئة عن الحياة وقساوتها في نيويورك. وعندما عاد أبو حسن إلى المطعم هز رأسه وطلب من المعلم نقولا الاذن بالذهاب مبكراً، لأنه يريد الذهاب إلى متجر ما للتبضع. بالطبع وافق المعلم نقولا الطيب على ذلك وأخبر أبو حسن أن ليلى مديرة المحل ستتولى أمر التوصيل إذا احتاج الأمر. ابتسم أبو حسن لمجرد سماع اسم ليلى اللتي غازلها منذ أول مرة وقعت عيناه عليها. قضت ليلى بعض الوقت في أحلام أبو حسن النهارية خلال الأسبوع الماضي وخصوصاً بعدما أخذته معها للعشاء في مطعم هندي في الإيست فيلج. خلال العشاء وتوصيلها إلى منزلها فحص أبو حسن جسم ليلى بدقة وقرر لنفسه أنه معجب بتقاطيع جسمها وجغرافيته زائد طولها ولون شعرها. كانت ليلى أطول من أبو حسن المتوسط الطول وأعطاها كعبها سنتيمترات عديدة لعبت بخيال وعواطف وشجون أبو حسن العاطفي والجاهز للرومانس دوماً.

قبل الخروج من المطعم ذهب أبو حسن إلى الحمام وغاص لمدة طويلة تفحص بها ثيابه وشعره وبالطبع حذاءه. دق المعلم نقولا على باب الحمام وقال لأبو حسن :"اشو ياأبو حسن شايف انو حضرتك بتنام كلمابتدخل عالحمام...شي سلبة ها...!"

خرج أبو حسن ولم يضع قبعته الكاوبوي كعادته الجديدة واتجه مسرعاً جنوبا بإتجاه بليكر ستريت وعندما وصل أمام المتجر الذي كان قد إشترى منه قشاطاً ذو بكلة حديدية بشكل رآس ثور ابتسم عندما رأى المحل مفتوحاً.

أعلن الجرس الموضوع خلف الباب دخول أبو حسن المسرحي دوما المبتدأ بالابتسامة المعهودة. إقترب صاحب المحل الأمريكي الأبيض من أبو حسن وسأله إذا كان يبحث عن شيء ما. أخبر أبو حسن بلغته الإنكليزية المحدودة جداً مستخدماً إشارات وعلامات بيديه صاحب المحل أنه يريد شراء حذاء جديد وبعد الدوران في المحل استقر أبو حسن على ماإشتراه بسرعة. أخبر صاحب المحل أبو حسن بأنه يستطيع تصليح الحذاء المعطوب. فرح أبو حسن بذلك لأن ذلك سوف يجعل من مشواره أسهل.

خرج أبو حسن من المحل بحذاء كاوبوي جديد وفي الخارج لبس قبعته الكاوبوي واتجه غرباً. عندما وصل أبو حسن إلى السكس آفينيو انعطف يميناً واتجه شمالاً. مشي أبو حسن وأعجبته صخابة الحياة وانطلق يمشي متتبعاً حركة البشر الجماعية اللتي قادته إلى المناطق الأكثر حيوية في ليل نيويورك في تلك المنطقة. أحس أبو حسن بسعادة حقيقية في تلك الليلة وقادته قدماه إلى كل مكان حتى تعب كثيراً وقرر العودة إلى بروكلين بعد أن تسكع لساعات. ......(يتبع)













التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-