الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شرة البرتقال/ 16-3، الرسائل

حامد مرساوي

2009 / 11 / 15
الادب والفن


إليك في عين عودة

كوكو: يوم كرهت هذا التخاطب الذي وجهته هي في ماي 2005 إلى من أعادت التأكيد والعزم لفظا، في أواخر أيام العلاقة الثلاثينية، أنها ستعيد توجيهها إليه، لأنها "تحترمه". كانت وجهت الخطاب إليه، بما يفيد أنها ستتوجه عنده إلى منزله ليلا رفقة من رافقته في نفس المكتب طيلة الأشهر النحس الثلاثة بالرباط. والذي كرهت الإسم الذي يحمله، وكرهتها من يوم الاطلاع على الخطاب.
كانت قد كذبت وادعت أنها ستأتي نهاية كل يوم من الأيام الثلاثة. وأفضت ببرنامج مخالف عن الأيام الثلاثة نفسها كونها لن تأت طيلة الأيام الثلاثة.
في اليوم الأول، على الساعة الخامسة مساء، تحدثت معها هاتفيا، فادعت أن الاجتماع لم ينته وقد يصح كلامها في تلك الساعة. لكن، ولما لم تأت تماما كما صرحت لغيري، حوالي الساعة التاسعة ليلا، ركـّبتُ رقم هاتفها المحمول فكان رجع صداه يفيد أنه مقفلا. في اليوم الثاني لم تأت. في اليوم الثالث لم تأت سوى بعد انتهاء "الأشغال". ظنت أن الحكاية في طي الكتمان وأن بلادة الثاني أكبر من شبه ذكائها. أو أنها اخترقت مساحة عنوة لا يهم. ما يهم هو أن ضوءها انطفأ بعد هذا الإصرار والترصد على الوقيعة. انمحت إلى الأبد. منذ استعانت بالمحمول، كانت تطفئ الجهاز.
هذه الحكاية المؤلمة ذبحت مصطلح الثقة من الوريد إلى الوريد في كهف النفس. لو حدث الغلط عفوا، لو اتبعت نفس الهوى الطارئ مع عدم الاعتداد بالزلل عبر البريد الالكتروني، لو استكملت استمتاعها بحلاوة الاعتذار الواضح عن الحضور كما كذبت، لبقي كذبها الأول في حدود الاضطرار لممارسة الحرية الشخصية باحتكاك مع الحرج الاجتماعي. أما التصميم على استعمال الكذب صلة وصل بين برنامج فعلي وثان وهمي قناعا من الصلف والبهثان، فذاك ما أضفى على سلوكها لباس الاحتقار بدل الاعتبار. يومها سقطت بالنتيجة من الاعتبار المقابل.
كثيرا ما رددتُ من جهتي النقد أمامها للذكاء المفرط، كيف ينقلب مثل السحر على فاعله. لأن تصميمها على الكذب أخرجها من قلبي من يومها. وكان منها إمعانا في الذكاء المفرط حد التفريط.
بعد ذاك بوقت، غنت شيرين الكلمات التالية:

كلنا ممكن نغلط
لكن ليه في غلطنا
بنتمادى وبنكمل

كل ما الدنيا بخير
نفضل نغلط ثاني
وضميرنا بيستحمل

كلنا ممكن نغلط
لكن ليه في غلطنا
بنتمادى وبنكمل

كل ما الدنيا بخير
نفضل نغلط ثاني
وضميرنا بيستحمل

وآه لو يجي اليوم
وتغدر بنا الدنيا
ما بنعرفشي النوم
ولا نرتاح ولا ثانية

وآه لو يجي اليوم
وتغدر بنا الدنيا
ما بنعرفشي النوم
ولا نرتاح ولا ثانية

كل دا وقت ما تغدر
على شان ما بنقدرشي
لكن وقت ما نقدر
بنرجع ثاني الأول

+ + +


كلنا ممكن نغلط
لكن ليه في غلطنا
بنتمادى وبنكمل

كل ما الدنيا بخير
نفضل نغلط ثاني

وآه لو يجي اليوم
وتغدر بنا الدنيا
ما بنعرفشي النوم
ولا نرتاح ولا ثانية

كل دا وقت ما تغدر
على شان ما بنقدرشي
لكن وقت ما نقدر
بنرجع ثاني الأول

إن الكذب عندما يتخذ صفة احتقار المكذوب عليه عبر الإفراط في سيناريو الكذب، يخرج من دائرة الكذب الاضطراري المتداول لترقيع بذلة النفاق الاجتماعي. ويدخل ضمن الصلف الفاقع. ويجر المؤسسة الاجتماعية كلها إلى دائرة البنية المافيوزية، التي تضيف على الكذب احتمال الاحتكام للقوة أو لأسوأ الاحتمالات. فتصبح العقلانية وسيلة جوفاء للاعقلانية بل وتنتقل لتصبح أسلوبا ميكيافيلليا.
وعندما ينتقل أحد الطرفين المتعاقدين ضمن علاقة مبنية على الثقة، تصبح تلك العلاقة باعتبارها الرأسمال المشترك بين الطرفين بلا عملة ولا سيولة للاستعمال اليومي وللتداول داخل المؤسسة المشتركة. فرصيد الثقة انمحى من فرط استعماله عن طريق الاستهلاك دون إعادة انتاج للثقة نفسها. والاستعمال للكذب المفرط في الميكيافيللية حد احتقار الطرف الثاني وعدم تمثل كرامته لحظة التخطيط لسوء التصرف تجاه الشريك، يكون بمثابة صفقة او مضاربة هوجاء شبيهة بلعب القمار مع وضع الثقة نفسها في الرهان. مما يصيب العلاقة نفسها بصعقة في موقع النخاع الشوكي. أقل ما ينتج عنها الشلل التام ومنع الثقة من النمو. مما يجعلها أمام العد العكسي.
إن الطرف المتضرر يصبح في وضعية شك مزمن. يستحيل عليه، مع ما أصابه من تدليس، أن يستعيد توازن ثقته في الآخرين. ومن الصعوبة أن يثق فيهم بناء على المنطق اللفظي. فيصبح عند الغياب أمام هوس البحث عن القرائن للتأكد من كل شاردة وواردة. عندما يصبح التعامل في دائرة ضبابية، بها ظواهر اجتماعية وإن اختلفت فيما بينها، ففيها جزئيات متطابقة. وحتى لو لم تكن ضبابية، فالملابسات الاجتماعية المتوارثة تغلب لديه على مبادئ الحرية الشخصية. لأنه يصبح نازعا نحو طلب الضمانات في سلوك شركائه، على الصعيد العاطفي. مما يحوله إلى تغليب الشك على اليقين في حالة ما إذا تساوى الاعتقاد بين اليقين والشك. بل وحتى لو تسرب الشك بنسبة أقل، فإنه يميل إلى اعتبار الشك، مطالبا بأن تكون كل الملابسات داعما لليقين. مما يترك علاقاته الحميمة فاقدة لجوكير الثقة كضمانة احتياطية لإطالة عمر الشراكة في حالة الزلل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي