الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


...ومن العشقِ ما قَتَلْ

يحيى علوان

2009 / 11 / 15
الادب والفن


لذكرى رشدي العامل
وعبد المجيد الونداوي

لا أتذكـر التأريخ على وجـه التحديد ، إنما ظهيرة قائضـةٌ من عام 1973 بمطبعـة "الرواد" في "القصر الأبيض"... كنتُ إنتهيتُ تـواً من ترجمـة البيان الأول للحزب الشيوعي التشيلي بعد الأنقلاب الفاشي ضد حكومة ألليندي* ، دفَعتُ المـادة للدكتور غانم حمدون لإجراء مـا يلزم من التعديل والتدقيق ... وعدتُ إلى "القن" ‘ الذي كنا ننحشرُ بـه ... رشدي العامل وعبـد المجيد الونداوي ( أبو حميد ) وكاتب السطور ... فوجـدتُ الصكـار (أبو ريّا) ، وقـد إنتهى من لقائه مع رئيس التحرير (أبو مخلص) ، إذ جـاء بملاحظـاته على تصميم "طريق الشعب" وخطوطهـا - وقتهـا كانت تحبو - ، وكان يريـدُ لهـا أن تزهو بالجديد محـاولاً ترطيب وتطييب "مُحـافظـة!" ( أبو رافد ) - فائق بطـي- الذي لم يكن يضمر الودَّ أبداً للمبدأ "الجديد" حينها في تصميم صفحات الجرائد ، مبـدأ الكُتَلُ " البلوكات "....
كان الونـداوي ساعتها منهمكـا برزمة من المجلات والصحف العربية والأجنبية ، التي كانت تصلنا من مكتب عامر عبد الله في الوزارة ، قبـلَ أن تتوفّرَ فـي السوق ! كان ( أبو حميـد ) يعمِـلُ فيهـا دُبّوسَه** "تبضيعًا " !


إقترحَ الونداوي أَنْ يصحبنا إلـى مكانٍ هاديءٍ ، بارد ، يُقدِّمُ أكلاً لذيذاً ... نشربُ كأسـاً
ونُدردِشُ فيه قليلاً مع أبي علي ( رشدي ) ... إعتذرَ الصكـار ، بخجله المعهـود ، أَنّ لديه
إلتزاماً يمنعه من مرافقتنا ... ركبنـا التاكسي ، فأنطلَقَ بنا إلـى شارع السعدون ، توقّفَ
قبلَ الجندي المجهول ، ناحية اليمين . وعندمـا نزلنا ، همَسَ رشدي في أُذنـي أنّ صاحبَ
المحـل هو الشخصية الديمقراطية المعروفة رشيد مطلك . دخلنا ، يتقدمنا الونداوي ،
ألقـى تحيـةً شبه مسموعـةٍ ، كأنـه لايريدُ أن يُخدِّشَ هـدوءَ المكـان ... إنتحينـا الجانب
الأيسرَ من المحـل وجلسنا إلـى طاولة بمفردنا . تساءلَ رشدي مُستغرباً :" ليش أبو حميد ! مو نزار ماكو يمَّه أحـد؟!"
أجابه الونداوي بأنَّ نزار (المقصود هو القاص نزار عباس) لا يبدو عليه اليوم راغباً فـي مؤانسةِ أحد :" متشوفه شلون كالب خلقته ؟!
بعدين منريد نجلس يم الشباك ، حتى لا يجي طفل جوعان ويباوع بالماعون مالك ويسد لك الشهية ... يا أخي شتساعد ، شتشبّع واحد ، إثنين .. ؟!"
مـا أن جلسنا ، حتـى تقـدّمَ منـا شخضٌ فـي الستينات من العمر بشياكةٍ إنكليزية ظاهرة ، سلّمَ على أبي حميـد بأدبٍ جـم ، قام الأخيـر بتقديمنا وتعريفنا بـه ... رحَّبَ بنا وإنصـرفَ عائـداً إلـى طاولـةٍ صغيرةٍ ، تجلِسُ إليهـا سيدةٌ بعمـرِ النضـوج . كان ذلكّ الرجل هو رشيد المطلك . جاءَ النادل ، طلبنا ، فأحضرَ ما أردنـا وأزادَ ، بنـاءً علـى إشارةٍ من صاحب المحـل .

بعـدَ فتـرة ، حضـرَ إلـى مائدتنـا شـابٌ قوي البنيان ، يرتـدي قميصاً نظيفاً ابيض وبنطالاً ، تعتلي رأسـه طاقية ( عرقجين ) ، سلّمَ بأدب ، فيـه شيءٌ من الحراجة ، وقال:
" إستاد ، اللـه يخليك ، بلكي تكتب لـي فد رسالة ؟"
سأله رشدي مُداعبـاً ، وأشرَقَتْ علـى مُحياه إبتسامة ملائكيـة، :" شجابك لهنـا ؟ "
ــ " والله إستاد سألت ، كالـولي هذا البُكان بيه مثَقفِيَّه وأكابـرْ "
رشدي ، إستهواه الأمـر ، فراحَ يُعابثه بلطف :" طيب ، ليش أجيت علينه بالذات؟ "
أشـار الشاب ناحيةَ نزار عباس :" ذاك الإستاد ، دزنـي عليكم" . تبادل نزار وإيانـا
نظرةً وأشارَ أن " ساعدوه وفُظّـونا "!
سأله رشـدي عمـا يمتهن ، فأجابَ " آنـي خِلفَه - يريد بذلك مساعد أسطة بنـاء -
بس آنـي مو أُمّـي.. أعرف أقره وأكتب ."
" إلمَـن تريد الرسالة ؟ "
فأجاب الشاب بزهـوٍ ظـاهر " لفـد وحده أميـره ، بت مدرسه ."
واصَـلَ رشـدي معابثته :" ليش متكتب الرساله بنفسك وتكول إلهـا اللي تريده،
مو أحسن ؟!"
" الله يخليك ، إستاد ، هوّه لو آنـي أعرُف شريد ، الله وكيلك ما جان طلبت من أحَّد !"
ضحكنـا ، وافقَ رشدي علـى التكليف ، ودعـاه للجلوس معنـا . لكن الشاب أبى وقـالَ
معتذراً " بعد ساعة أمُرّ عليكم ، يكفي ..؟ "
إنقضت الساعة فحضرَ الشاب . سلّمَه رشدي الرسالة . برقت عيناه لمّـا قرأ الرسالة . فهتفَ : " والله العظيم هذا اللي بكلبي ، جنت أريد أكوله إلها !! " طبع قبلةً علـى وجه رشدي ، صافحنـا وغـادر المكـان منتعشاً .
سأل أبو حميد رشدي عما كتبه ، فقالَ رشدي ، بشيءٍ من الفخـر ، لايخلـو من المناكدة
والتخابث الودي المعهود بينهما :" كتبت رسالة غراميّة لبشيرة***عندك إعتراض ؟!! "
................
أطـرَقَ أبو حميـد رأسه ، وقد بدَت علـى وجهه ظلالُ غِمَّـة !


يحيى علوان


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* " طريق الشعب " كانت أوَّلَ مطبـوع باللغة العربية ينفرد بنشرِ تلك الوثيقة ، وعنهـا أخذته
بقية المطبوعات والدراسات . وكانت سفارة ألمانيا الديمقراطية حينها في بغداد قد بعثته للجريدة
في الصباح الباكر منشورا على صفحة كاملة من جريدة "نويس دويتشلاند "...
** كان من عادة الصحفي المحترف ، الذي يعمل في قسم الأخبار والتقارير والتعليقات أن لا يغادره
دبوسه كمشرط الجراح ، بـه ينتزع المادة ، التي يحتاجها لعمله من الصحف والمجلات ، في وقتٍ
لم يكن الكومبيوتر ولا الفاكس ، بل حتى التيكر لم يكن متوفراُ...
*** هـي بشيرة البغدادي أمُّ ولديـه علـي ومحمـد ، كان يعشقها بطريقة بوهيمية ، لم تلقَ على
الدوام الفهمَ الصحيح ...









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الطفل اللى مواليد التسعينات عمرهم ما ينسوه كواليس تمثيل شخ


.. صابر الرباعي يكشف كواليس ألبومه الجديد ورؤيته لسوق الغناء ال




.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة الخميس


.. مغني الراب الأمريكي ماكليمور يساند غزة بأغنية -قاعة هند-




.. مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت