الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخيارات الصعبة

جهاد الرنتيسي

2009 / 11 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


ولوج الخيارات الصعبة يبدأ بخطوة واحدة ، وخيارات الفلسطينيين على الدوام بالغة الوعورة ، اعتادت قياداتهم منذ ثلاثينيات القرن الماضي على البحث عن نهايات لمسالكها ، وهي مسكونة بهواجس الربح والخسارة ، والعثورعلى اطواق نجاة ، لحلم تقرير المصير الذي بقي مجهولا ، رغم حالات المد والجزر ، التي مرت بها القضية الموغلة في التاريخ ، والمفتوحة على جميع الاحتمالات .

وتقليب القيادة الفلسطينية للاحتمالات الممكنة ، وغير الممكنة ـ مع اختلال موازين القوى لصالح الجانب الاسرائيلي ، والغموض الذي يكتنف الاقليم ، وانسداد الافق السياسي ـ يندرج في سياق التجريب ، الذي لا مفر منه ، حينما تصل المسيرة الى طريق مسدود .

فقد تجاوزت سرعة ايقاعات الاحداث في المنطقة والعالم قوانين اللعبة السياسية لتجبر اطرافها على احداث تغييرات دراماتيكية تفضي الى آليات جديدة .

وتنتمي نمطية هذا النوع من النتائج الى ماض يتجدد في ادق تفاصيل صناعة القرار الكوني ، والعلاقات البينية ، والذهنية التي تحدد كيفية التعاطي السياسي مع الحدث ، ومستقبل يشد الباحثين عنه الى اداء مختلف .

فالملامح الاساسية للصراع تبقى حاضرة ، حضور جوهره ، وان تلبست لبوسات جديدة ، تبرر الحديث عن المراحل ، والمنعطفات .

والحاضر في الذهنية العربية نقطة وصل ، بين ذاكرة مثقلة بالخيبات ، ومستقبل يبعث على القلق .

لحظة تقليب الخيارات التي تمر بها القضية الفلسطينية ليست جديدة ، وان كانت من اللحظات الاكثر دراماتيكية ، في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية .

فهي واحدة من العتبات التي قسمتها التواريخ الى محطات ، ومنعطفات ، ومنزلقات ترافقت مع كثير من الجدل المحلي ، والاستخدام الاقليمي .

وممارسة التقليب بحد ذاتها تقليد فلسطيني ، تحولت مع التعقيدات وتراكمات الزمن الى ما يشبه الاجتهاد في معالجة " العصب العاري " بكل ما يعنيه ذلك من الام و مضاعفات .

فالمأزق الاميركي حلقة من سلسلة مآزق ، املتها حالة شيزوفرينيا تعيشها الولايات المتحدة ، بجمعها بين قيم الحرية والمصالح الضيقة ، المحفزة للاجتهادات والخلاف الداخلي .

ولكن الآمال الكبيرة ، التي بناها الفلسطينيون والعرب ، على تحول اميركي ، مع وصول رئيس اسود الى البيت الابيض ، محمولا على وعود التغيير ، منحت انقسام الادارة والخارجية الامريكيتين حول الاستيطان رهبة الصدمة .

فلم تتبادر لاذهان الذين بالغوا في رهانهم على الخطاب " التبشيري " الذي القاه الرئيس باراك اوباما في القاهرة ، وجولات المبعوث الاميركي جورج ميتشل في المنطقة احتمالات تحول راس الهرم القيادي في القطب الكوني الوحيد الى رهينة للمعادلات الداخلية الاميركية .

وزاد من غموض الموقف ظهور خطابين للسياسة الخارجية الامريكية في فترة قياسية احدهما يصر على وقف الاستيطان في الضفة الغربية والاخر لا يرى في ذلك ضرورة لاستئناف المفاوضات .

فالمسافة شاسعة بين الرغبة في الضغط على اسرائيل ـ اذا كانت واشنطن جادة في ذلك حقا ـ وممارسة الضغوط .

وباكتشاف اتساع تلك المسافة ،اذا لم تكن مكتشفة اصلا ، اتجه سادة البيت الابيض الى تكييف الوعود بالشكل الذي يتناسب مع ما تم اكتشافه .

فالموقف الذي ابلغته وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلنتون للرئيس عباس في ابو ظبي كان الثمرة المرة للاكتشاف .

وفتور اللقاء الذي جرى لاحقا بين اوباما ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الابيض لا يساعد على انتظار سياسات اسرائيلية مختلفة رغم تهويل وسائل الاعلام .

فهناك ما يكفي من الشكوك في استعداد اوباما للذهاب بعيدا في الضغط على حكومة اليمين الاسرائيلي المتطرف لتوفير الحد الادني من شروط استئناف العملية السلمية، وقدرته على الاطاحة بنتنياهو اذا استمر في اعاقة جهود احياء عملية السلام ، والنتائج التي يمكن ان تأتي بها الصناديق في حال ذهاب الشارع الاسرائيلي الى انتخابات مبكرة .

وفي المقابل لا يعفي توالي المآزق الاميركية ، والتأرجح الذي تفضحه وعود لا تتحقق من البحث عن ادوات تحليل ، قادرة على معرفة حدود التغيير في صناعة القرار الامريكي .

فالتململ الذي يمر به اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة ، والذي مثل انعقاد المؤتمر الاول لحركة " جي ستريت " المؤيدة لقيام الدولة الفلسطينية احد مظاهره ، وتحولات بوصلة الشركات الكبرى على ضوء تداعيات الازمة المالية العالمية يستحقان اكثر من الرصد الخاضع لآليات تفكير وتحليل نمطية .

وانعكاسات العجز العربي والاسلامي ، عن التأثير في القرار الاميركي ، جزء اصيل من المشهد ، قد تخفيه الانتقادات والنداءات ، التي تنطلق من العواصم العربية لتحريك عملية السلام ، لكنها لا تنفي وجوده ، ولا تعزل اثره عن سياقات الاحداث .

ففي صلب اسباب البدء بعملية اعادة تقليب الخيارات الفلسطينية التي انطلقت شارة بدايتها باعلان الرئيس محمود عباس عن عدم نيته الترشح لولاية ثانية وصول قيادة الشعب الفلسطيني الى قناعة بأن ظهرها بات مكشوفا بفعل ضعف الموقف الرسمي العربي .

وبالتالي ظهر انسداد الافق الفلسطيني ، الموازي لترنح الموقف الاميركي ، تظهيرا لحالة ضعف عربي ، تجسدت في تراجع الخطاب السياسي الرسمي ، عن اسناد شروط وقف الاستيطان التي وضعها المفاوض الفلسطيني لاستئناف المفاوضات .

مثل هذا التطور لا يمكن ادراجه في سياقات الخروج عن جدلية التأثير والتأثر المتبادل بين القضية الفلسطينية والواقع العربي .

فلم تكن القضية الفلسطينية منذ نشوئها معزولة عن الاوضاع العربية ، فهي اول من يدفع فواتير الانكفاءات ، و الفهلويات السياسية ، والمغامرات غير محسوبة النتائج .

لدى الحديث عن الاوضاع العربية الحرجة ، وما تتطلبه من معاينة ـ تأخذ بعين الاعتبار تسارع الاحداث ومحدودية القدرة على اللحاق بها ـ يتساوى النظام الرسمي العربي بكل تصنيفاته ، المبررة وغير المبررة .

فقد بنيت المفاهيم التي تحكم هذه التصنيفات على تباين مواقف الانظمة تجاه القضية الفلسطينية ، واصطفافاتها خلال الحرب الباردة، دون التفاتة نقدية للمتغيرات التي احدثتها في البنى السياسية والاجتماعية .

وساهمت التصنيفات المبنية على الخلط العفوي حينا والمتعمد احيانا في توفير ظروف استخدامات معظم النظام الرسمي العربي للقضية الفلسطينية وتبرير قصوره تجاهها .

الا انها انتهت الى فقدان قدرتها على التضليل ، مع اتساع الهوة بين الممارسة والشعار ، وتقلص الهامش الزمني بين اتخاذ موقف والتحول عنه الى اخر ـ قد يكون مضادا للموقف السابق الى الحد الذي يصعب اقناع الشارع به ـ وتساوي النظام السياسي العربي في ازماته الداخلية ، ومحدودية خياراته في التعاطي مع معادلات السياسة الخارجية .

واللافت للنظر ان الخطاب الذي استخدمه الرئيس عباس لاعلان عدم رغبته في اعادة الترشح لرئاسة السلطة تضمن اشارات واضحة لاحباطات تسببت فيها صعوبة الواقع الرسمي العربي ، الامر الذي يعني ان الرسائل الفلسطينية المقبلة لن تكون موجهة للولايات المتحدة واسرائيل وحدهما .

ففي اجواء تقليب الخيارات الفلسطينية دعوة واضحة لتفعيل اداء النظام الرسمي العربي الى الحد الذي يتناسب مع مستجدات تعنت اليمين الاسرائيلي وسلبية الادارة الامريكية .

ونجاح الخيارات التي يجري تداولها فلسطينيا ـ تتمثل في اعلان الدولة الفلسطينية من جانب واحد ، والذهاب الى مجلس الامن لتحديد حدود الدولة التي يجري التفاوض حولها ، واسقاط خيار الدولتين من الحسابات توطئة للعمل على قيام دولة ثنائية القومية ـ مرتبط بقدرة الموقف العربي على التحرك في المحافل الدولية ، وايجاد مناخات ضاغطة على الادارة الامريكية لتغيير منهجية عملها .

لكن اختلاف رهانات الانظمة العربية في المرحلة الراهنة ـ وما تمليه هذه الرهانات من اصطفافات ، و تتركه الحسابات الانية الضيقة ، وانتهازية الاداء ـ لا يوحي بتهئ قريب للقيام بمثل هذا الدور ، مما يلقي المزيد من الاعباء على التحرك الفلسطيني المقبل ، ويقلل من احتمالات حدوث تغييرات نوعية في الموقف الاميركي ، ويوسع هوامش التحرك الاسرائيلي لفرض وقائع جديدة على الارض ، وترجمة هذه الوقائع الى حلول سياسية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حملة ترامب تجمع تبرعات بأكثر من 76 مليون دولار في أبريل


.. القوات الروسية تعلن سيطرتها على قرية -أوتشيرتين- في منطقة دو




.. الاحتلال يهدم مسجد الدعوة ويجبر الغزيين على الصلاة في الخلاء


.. كتائب القسام تقصف تحشدات جيش الاحتلال داخل موقع كرم أبو سالم




.. وزير المالية الإسرائيلي: إبرام صفقة استسلام تنهي الحرب سيكو