الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مخاض السيادة ورهان الامن

خالد صبيح

2004 / 6 / 10
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


يكاد يدخل الوضع العراقي الآن في طور الإشكالية المعقدة وبمفتاح حل واحد هو الأمن. فالأمن هو الورقة القوية الضاغطة التي توفر امكانات كبيرة من التحكم والتأثير في اللعبة السياسية العراقية لمن يمكنه التحكم بها سواء كان هذا التحكم، وبمستويات متقاربة، على شكل توفير الأمن أو إقلاقه وتفجيره. وواقع الحال يؤكد إن هاجس الأمن يحضى بأولوية مطلقة في الشارع العراقي وفي مدارات اللعبة السياسية لارتباطه العضوي في عملية إعادة الاعمار وتنشيط الحياة الاقتصادية وانعكاسها المباشر على حياة المواطنين كأساس وقاعدة ضروريتين للتهيئة لمناخ الاستقرار الذي يغذي ويتغذى في ذات الوقت من بناء وتطوير الديمقراطية السياسية والاجتماعية التي تحولت إلى هدف أساسي للمرحلة المعاصرة وبشكل أكثر إلحاحا في منطقتنا المنكوبة بكوارث الاستبداد والفوضى. كما إن للاستقرار السياسي هذا اثر عملي مباشر على عملية الاستقلال والسيادة التي تولد عادة نتيجة لمخاض عسير وتمر بمسارات معقدة ويكون مصيرها حساسا ويتأثر سلبا بدرجات كبيرة للغاية بالأخطاء والتصورات القاصرة. وجميع القوى المتحركة في الساحة العراقية تدرك هذا الواقع وهي تتحرك كل من موقعها وأهدافها في الصراع بالدوران حول حلقة الأمن. فالقوى المقصية، لإرثها ولطبيعة تكوينها ولانعدام أهليتها في البقاء الطبيعي في الحياة السياسية، كبقايا النظام ألبعثي، تلجا بالضرورة إلى أساليب التخريب وتوتير الأمن من اجل إعادة ترتيب الأوضاع وتنظيم الاصطفافات بطريقة قد توفر لها نوع من المكاسب وتفسح لها مكانا( لا تستحقه) في الحياة السياسية. وهناك بالمقابل القوى التي تجد أن مصلحتها الحقيقية هي في الديمقراطية وبناء الاقتصاد والنمو الاجتماعي وبديهي أنها تجد نفسها مصطفة بالموقع المضاد للجماعات التي تريد أن تكرس الفوضى وتعيق البديل الديمقراطي الذي يؤسس لمرحلة السيادة والاستقلال. والسيادة تتطلب فعالية سياسية مركزة وناضجة لتحقيقها وهي ليست شعارا يتاجر به من يريد تحقيق أهدافا فئوية ضيقة ويقدم ملفاته الخاصة على حساب المشروع الوطني المشترط بالضرورة للديمقراطية السياسية والاجتماعية كمعيار وهدف. كما إن استرداد السيادة وإعادة تأسيسها من جديد وفق اولويات ومبادئ تعلي من شان المواطن الفرد وليس على حسابه يشترط نوع من الإجماع الوطني حول طبيعة الظروف وتحديد المراحل والشروط والوسائل السياسية التي تتم بها إعادة السيادة والاستقلال. وهذا يتطلب تحديد موقف عملي واضح مما يسمى بالمقاومة- المهدد الأكبر للأمن في العراق- وفضح طبيعتها ودورها وزيف ادعاءاتها ومتاجرتها باسم الوطن والسيادة، لان المقاومة تلك هي الوجه الآخر للاحتلال، إذ أنها تمهد الأرضية له للبقاء وتضع بيده ورقة ضغط قوية هي الملف الأمني، يستطيع اللعب بها سواء كان في حفظه للأمن أو تهديده له فالأمر سيان، ومالم تسحب هذه الورقة الضاغطة من يده لتبطل محاولته إضفاء الشرعية على بقائه فسيبقى هذا الاحتلال يستمد مبررات وضرورات وجود شرعي له داخل العراق معتمدا على الفوضى التي تشيعها أعمال الإرهاب والتخريب موفرة المناخ المناسب له لإبطال ممكنات خروجه. فإذا كان نظام صدام برعونته واستبداده الدموي قد جاء بقوات الاحتلال إلى العراق والمنطقة فأتباعه ممن يتزنرون باسم الوطنية والمقاومة هم من سيكرس هذا البقاء ويرسخه. وللإيغال أكثر في فهم أبعاد وادوار هذه (المقاومة) يمكن ملاحظة إن من بين دلالات عبثيتها واستهتارها هو طبيعة العمليات العسكرية التي تقوم بها والتي انحصرت مؤخرا بالعبوات المتفجرة المزروعة في الطرقات العامة وسط المدن والسيارات المفخخة وإطلاق صواريخ وقذائف عن بعد على أهداف وسط المدن مما يعكس انعدام اكتراثها بمصائر المدنيين الذين يصيبهم دائما الأذى والخراب جراء تلك العمليات وكذلك تركيز أعمالها على قوات الأمن العراقية والمسؤولين المحليين مما يدلل على انعدام جديتهم لمواجهة قوات الاحتلال العسكرية لأنهم ليسوا معنيين بها بقدر اعتناءهم بتوتير الأمن وإرهاب الناس وتخريب العملية السياسية التي يقفون خارجها. وتلك الأعمال، برأيي، لا تخلوا من دافع انتقامي خاص من أبناء الشعب العراقي الذي لم يكتف بخذلانه لنظام البعث بل وأعلن عن بهجته في يوم اعتقال الدكتاتور وقبل ذلك في يوم مقتل أبنائه، وهذه ( (الجرائم) هي اسباب كافية للانتقام بنظر أبناء النظام الذين لهم نظرتهم الاسترقاقية الخاصة لأبناء الشعب.
وفيما العملية السياسية سائرة في طريقها بديناميكية، رغم الصعوبات والعثرات - لان الأفق العراقي مفتوح رغم كل شيء- يبقى بعض الكتاب والسياسيين العراقيين خارج حدود الهم الوطني الحقيقي في سعيه لاسترداد السيادة بمضامينها التي تضع هموم ومصالح المواطن في صلب اهتمامها و بقوا منغلقين داخل اطر ومفاهيم للعمل الوطني لا تجد لها معنى بغير لغة العنف وأيدلوجية التخوين مما جعلهم، بافتراض حسن النوايا والخلفيات، يراهنون على (المقاومة) المسلحة رغم طابعها التخريبي الإرهابي السافر ويحصرون العمل السياسي وشكل مواجهة الاحتلال وبالتالي المشروع الأمريكي برمته للمنطقة في الشكل الوحيد والاحادي وهو المواجهة المسلحة أو( المقاومة) التي لاتحضى كتعريف وتركيب وتوجه ونوايا بقبول الطيف السياسي العراقي. وبالتالي يجعلهم هذا الموقف متخلفين عن فهم إيقاع العملية السياسية الجارية في العراق والتفاعل معها و يلقي بهم لذلك خارج إطار الفاعلية السياسية المؤثر.
من هنا يمكن فهم الترابط بين عملية استرداد السيادة وبناء الحياة السياسية والاجتماعية على أسس ديمقراطية تضع كل الطروحات والوعود من كل الأطراف حولها في موضع اختبار عملي وبين الحالة الأمنية.( فالمقاومة) إن تركت اثر مهم على قوات الاحتلال العسكرية فسوف لن تدفع بفعلتها تلك هذه القوات إلى الخروج من البلد وإنما ستجعلها، في أسوأ الأحوال، تعيد ترتيب حركتها وانتشارها لتضع بذلك أبناء العراق في الواجهة، وتبقي في يدها بذات الوقت مسوغات التنصل من أي وعود ألزمت نفسها بها أو فرضتها وتفرضها عليها القوى السياسية ألان وفي المستقبل. وسيفرض إدراك هذا الترابط لمن يدعي أو يتبنى مبدأ استعادة السيادة، برأيي، أن يغير من مواقفه وسلوكه السياسي باتجاه الانخراط في المشروع الوطني وتدعيم عملية البناء وتوفير مناخ طبيعي يمكن العملية السياسية في العراق من أن تنتج قواها القادرة على استعادة هذه السيادة من غير سطوة المزاج ألعدمي بهدم المعبد على من فيه، وفي خلق توافق بين حلقتي البناء واستعادة السيادة بتوفير الأمن وحفظه لينتج وضع يستطيع المواطن فيه أن يهجس بالقضايا الوطنية بغير خوف وانطواء، ومنه وبه سيتم التمكن من إنجاح تجربة عراقية خاصة تؤسس للديمقراطية وبناء وطن ومجتمع خربته الحروب والدكتاتوريات وتسعى قوى ظلامية الآن للإجهاز عليه.

السويد

9-6-2004








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل يكون قانون -الحريديم- في إسرائيل سببا في إنهاء الحرب؟ | ا


.. فيليب عرقتنجي ولينا أبيض: رحلة في ذكريات الحرب وأحلام الطفول




.. مصر: مشروع قانون الأحوال الشخصية.. الكلمة الأخيرة للمؤسسات ا


.. هآرتس: استعداد إسرائيل لحرب مع حزب الله بالون أكاذيب




.. إسرائيل تؤكد على خيار المواجهة مع حزب الله وواشنطن ترى أن ال