الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحجر بارضه قنطار ..

محمود المصلح

2009 / 11 / 16
كتابات ساخرة


كنا صغارا نتمنى ان نكبر ، ولما غدونا كبارا اخذنا نتحسر على الايام التي كنا فيها صغارا، ونتمنى ان نصغر ولو قليلا ..كانت ايام طفولتنا كاطفال في مخيم اللاجئين ايام بائسة بكل ما تحمل كلمة بائسة من معنى ، وكنا في عوز شديد ، في حياة قليلة المسرة ، بيت ضيق من التنك ، تبرعت به هيئة الامم المتحدة ، غرفة واحدة ، هي المطبخ وغرفة النوم لجميع افراد العائلة ، وهي المكان الذي نستحم فيه ، وهي المكان الذي نستقبل فيه الضيوف ، وهي ذاتها المكان الذي ندرس فيه ، كل ذلك بعد ان انتقلنا نقلة عدت نوعية في حياتنا كفلسطيننين ، عندما انتقلنا من الخيمة الى الغرفة العتيدة .
والبطالة التي كانت سائدة ، وقلة الحيلة ، وذات اليد ، والتضييق الشديد على المواطن الفلسطيني في الشتات واماكن اللجوء والمخيمات بشكل خاص ، فقد كانت ان تقول انك من المخيم ... هذا يعني تهمة بحق .. قد لا تنجو منها .. واما اذا نطقت بكلمة .. فقد تذهب ولا تعود .. وليسجل اسمك في سجل المفقودين ..هذه حقيقة كانت موجودة ومن ينكرها فهو اعمى اصم ابكم لعنه الله .
كانت روؤسنا نحن الذكور ونحن نذهب الى المدرسة تحلق على الجلدة ( نمرة صفر ) بينما كانت الفتيات تنعم بطول الشعر والشبرة البيضاء وذلك المريول الازرق المميز الذي اضفى على البنات صفة النظام كزي موحد .. بينما كنا نحن الذكور كرنفال من الالوان الباهتة وربما المرقعة ..لكن جمعنا نحن الذكور والاناث انهم كانو يصفونا في صف كقطيع من الاغنام .. لياتي موظف الانوروا ويرش اجسادنا تحت الملابس الرثة التي نلبس بمادة dtt وهي مادة سامة قاتلة للحشرات الصغيرة التي تتطفل على الاجساد الغضة .. وقد علمت مؤخرا انها مادة ممنوعة من التداول بين البشر ..بينما كانت الفتيات ينغص عليها بشعرها الطويل حيث يرش بتلك المادة السامة .ليعودوا الى البيت ويأخذوا الحمام ليتخلصوا من تلك المادة البغيضة ذات الرائحة النفاذة .
نعم كانت تلك بعض الصور التي لا تزال الذاكرة تختزنها .. وعلى الرغم من مرور الوقت الطويل على تلك الصور .. الا انها لا تزال تحتفظ بقوتها عندما نتذكرها .. اليوم ونحن نخطوبقوة نحو المستقبل .. وقد تخطينا تلك المرحلة بخطوات كبيرة وبعيدة على صعيد الحياة المعيشية والنجاحات الصغيرة فيها وربما التفوق .. اذا قسنا اننا قد بدأنا من تحت الصفر .. نجد اننا عمالة من جيل العملاقة .. وكبار ونحن صغار ..نجد اننا قد تخطينا الكثير من الذين اتيحت لهم الفرصة ليكبروا ولكنهم بقوا صغارا اكثر مما كنا نتوقع ان نكبر نحن في زمان كان فية النمو ضعيفا .
اليوم ننظر الى اطفالنا وقد اتيحت لهم الفرصة ان ينعموا بحياة رغيدة على نحو ما .. تتوفر فيها كل مقوما الحياة العصرية ، فلقد عملنا وبنيننا بيتنا الخاص الكبير الواسع ذو السطح القرميدي ، وجهزانه بكل عناصر الراحة والادوات الكهربائية التي تسهل الحياة ، للنظر من النافذة الى سيارتنا تحت الباب تقف تلمع تحت ضؤ الشمس .. وبطاقة الصراف الالي وبطاقة الاعتماد المالي . وربما رصيدنا في البنك ننظر الى كل ذلك .. واطفالنا ينعمون بحياة رغيدة .. نحس بالامن لمستقبلهم الواعد في مدارسهم وما يلقوه من عناية ورعاية .. حكومية واسرية .. وبما تتيحة مؤسسات المجتمع من امكانيات الراحة .. ولكن تبقى في القلب غصة كبيرة اننا لا زلنا في الشتات .. ولا زلنا في اللجوء نعاني احيانا كثيرة مرارة التمييز على الصعد كافة ..ولا زالنا نقول كما قال الاجداد ( الحجر بأرضه قنطار ) ونحن نتحسر على ما فات وطن وما ضاع من ارض وما قدمنا من دماء وتضحيات لا زالت تنير دروب السالكين نحو الحرية والاستقلال ..يغذي ذلك قصص الاباء والاجداد عن حكايات الوطن الجنة ارض الزيت والزيتون والعسل والبيارات الخضراء وينابيع الماء ..وقطيع الاغنام .. قصص تلهب ذاكرتنا بوجع يتجدد مع كل ذكرى .. وشوق يحرقنا مع كل شمس .. وامل ينمو مع كل قطرة دم .. وايمان بان الحرية ما كانت لتكون بدون دم .. والحياة شاهدة .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فاكرين القصيدة دى من فيلم عسكر في المعسكر؟ سليمان عيد حكال


.. حديث السوشال | 1.6 مليون شخص.. مادونا تحيي أضخم حفل في مسيرت




.. لم أعتزل والفوازير حياتي.. -صباح العربية- يلتقي الفنانة المص


.. صباح العربية | في مصر: إيرادات خيالية في السينما خلال يوم..




.. لم أعتزل والفوازير حياتي.. -صباح العربية- يلتقي الفنانة المص