الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استراتيجيات الإنسان الدفاعية.. وتحية لصمود الأشياء

نسرين طرابلسي

2009 / 11 / 16
حقوق الانسان


"إذا كنت تحارب الوحوش مطولاً فاحرص على ألا تصبح واحداً منهم.. وإذا نظرت مطولاً إلى الجحيم فتذكر أن الجحيم بدوره ينظر إليك.."
من فيلم the flock القطيع، تأليف هانز بوير وكريغ ميتشل، بطولة ريتشارد غير..

لا أحد يعلم من أين يأخذ أفضل دروسه في الحياة. مع الإشارة بأن الأفضل قد يعني أحياناً الأقسى والأكثر إيلاماً وتعليماً على اعتبار أن اللحظات الحلوة تذهب بحلوها مع أول شربة ماء.
التجربة أكبر مدرسة وبرهان. لذا يؤكد المعلمون الكبار حقاً غير المدّعين، والذين لا يفقدون زمام منهجهم عند أول اختبار، على أن الخطأ مدرسةٌ باهظة التكاليف، لكنَّ شهادتها معترفٌ بها في كل أنحاء العالم. ومن هذه المدرسة تخرّج الإنسان وحاز استحقاقه. هذا الإنسان الخاضع لاختبارات مستمرة. أولها وأصعبها تعامله مع الآخر، الآخر المجهول، أو المعلوم بصورة جزئية. لذا وجدت القوانين التي شرّعها الإنسان نفسه قبل الأديان، والإلهية التي فرضت عليه بعد الأديان، ثم تلك التي يضعها في المساحة المتبقية الشاسعة والمتسعة والتي تتزايد تحدياتها وتشعباتها كلما ازداد عدداً ومعرفة. بعض القوانين لا يمكن ضحدها وتغييرها، أو التملص من ميزانها. والبعض الآخر ارتخى واختل وأصبح لزاما إيجاد قوانين بديلة له أكثر رحابة ومرونة.
من أكثر القوانين التي تشغلنا هي تلك المفروض أن تكفل حماية الإنسان من ظلم الآخر. وتمنحه الأمان والاطمئنان لتزيد من طاقته الإنتاجية وقدرته على احتمال الحياة. لكن في ظل تلك القوانين المسنونة سواء المتعلقة بعمله أو بأوجه حياته الأخرى يتفاقم شعور الإنسان بالغابة، وتتقلص مساحة الحرية، ويفقد الثقة تماماً بمفاهيم مثل الحق والعدالة والإنصاف.
فمن واقع التجربة يمكن ببساطة أن تصحو في صباح يوم مشرق لتجد أن أحداً ما قد رفع ضدّكَ قضية في المحكمة. بسبب خلاف بسيط جداً في العمل وعابر بدرجة تافه، ويمكن أن يُحلَّ ودياً بمجرد الاستناد إلى المعايير الأخلاقية اليومية، كالزمالة، والشهامة، والرجولة، والكرم الأخلاقي، أوعلى الأقل الاحتكام لمنطق الخطأ والصواب بأبسط أشكاله والأكثر تداولاً بين الناس!! يمكن أن تقضي أكثر من سنة كاملة محاولاً حل الأحجية وتفسير الأسباب التي تدفع الآخر إلى هذا النوع من الاستراتيجية الهجومية، لتكتشف أن الخوف المتأصل في نفس الإنسان الخطّاء، والطمع بربح مادي لا تعب فيه، ومشاعر النقص المتنامية في نفس الأفراد في الأوساط المهنية غير الآمنة، هي الأسباب المحدّدة التي دفعته لإلحاق الأذى بك قبل أن يَلحقَ به ما يتوهّمُه من أذى منك!!
ينتصر القانون في وضع حدٍّ للمهزلة، لكنَّه قانونٌ مقيَّدُ القدمين، كلمته الفاصلة بطيئة وسنة كاملة مدةٌ طويلةٌ جداً لكشف حقيقة بيّنة، ومدة أكثر من كافية لفقدان الأمل الكلّي في احتمالات اللجوء لاحقا في مواقف مشابهة إلى المعايير الأخلاقية.
تتواجه أنت وخصمك في أحد الممرات، تريد أن ترسم على وجهك ابتسامة انتصار، أو تتولدن على الأقل وتلقي بكلمةِ تشفٍّ على مسامع الهواء كما حلمت طيلة سنة من الظلم والحيرة..
المشهد كالتالي:
يمر الخصم من أمامك فتستشعر انكساره ولا تشعر بانتصارك، وحدها الشفقة تفوح في الأجواء.
في يوم آخر قد يكون مغبرّاً، بعد أن برئتَ مما سبق، تقرر أن تفتح نوافذ إنسانيتك للمطر، في غفلة من مرصاد الذاكرة. وإليه تدفع غيمتك في درجة حرارة لا يعترف أحد سوى الميزان أنها تجاوزت الخمسين، ويا للحظ إنها تمطر، تمطر وبغزارة تكاد تُغرق معها كل شيء في السراديب السفلية التي تؤدي إلى البحر. تقترب من الحافة لتلتقط ما صمد من الأشياء والمعاني والأمثلة، فلا تجد سوى خفك البلاستيكي القديم الذي اشتريته منذ عدة أعوام بدينار ونصف!!











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة اعتقال قوات الاحتلال حارس القنصل اليوناني داخل كنيسة ال


.. حملة أمنية تسفر عن اعتقال 600 متهم من عصابات الجريمة المنظمة




.. لبنان وأزمة اللاجئين السوريين.. -رشوة- أوروبية أم حلول ناقصة


.. وقفة لرفض اعتقال ناشط سياسي دعا لا?سقاط التطبيع مع الاحتلال




.. الاتحاد الأوروبي: ملتزمون بحماية استقلالية المحكمة الجنائية