الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طريق وادي النار...تشابه النهايات والبدايات:

بلال يوسف الملاح

2009 / 11 / 16
الصحافة والاعلام


لا أعرف حتى لماذا سمي طريق واد النار بهذا الاسم؟ وفي الفترة الأخيرة من ترددي الدائم عليه أصبحت أدرك ومن خلال التجربة والتأمل، لماذا سمي بهذا الاسم، أذا كنت تسافر كثيراً من الخليل إلى رام الله، أو كنت تسافر كثيراً بين بيت لحم ورام الله، ستعرف حقاً، لماذا سمي بهذا الاسم؟ أنه طريق شديد التعرجات والانكسارات، تميل بنا السيارة يساراً ويميناً، ثم تميل يميناً ويساراً مرات ومرات، حتى يصيبك غثيان وصداع في رأس، تبدو المنعطفات فيه وكأنك متدلي من السماء، فيه الكثير من الخطورة في النزول منه والصعود إليه، وقبل أن تصل قعر الوادي بمسافة تستقبلك رائحة "قنوات الصرف الصحي" التي تنبعث منه الروائح التي لا يحبها أحد، حتى أن الطيور ليست هناك، على الرغم من بحثي المتواصل عنها في كل يوم أمر فيه من هناك، وفي المعرجات وخلال نزولك تكون قد تنفست كل روائح كوابح السيارات، فإذا كنت صائماً، أو جائعاً، أو مريضاً، يزداد الاختناق لديك لدرجت عدم قدرتك على التنفس، وإذا كان الجو صيفاً فتلك جهنم، وسواء كنت مسافرا نازلاً باتجاه رام الله أو نازلاً منه باتجاه بيت لحم، فالحال بالنسبة إلى هذا الوادي سيان، وجهان لعملة واحدة، فهو مثل كلمة دولة ليبيا يقرأ من الأول والأخير، فلا فرق أذا قرأتها من الأول أو من الأخير، فهي تؤدي نفس المعنى.
وطريق وادي النار له خصوصية تميزه عن غيره من الطرق، فهو الطريق الوحيد الذي يربط بين مدينتي الجنوب بيت لحم والخليل ومدينة رام الله، ويمر من خلاله الكثير من الناس ذاهباً وإياباً، السيارات الخاصة والعمومية، والشاحنات المحملة بالبضائع والفارغة وغيرها من وسائل النقل، ولواد النار حاجزين، الحاجز الأول فلسطيني يتبع للسلطة الوطنية الفلسطينية من اتجاه مدينة بيت لحم، والحاجز الأخر إسرائيلي من اتجاه العيزرية وهنا يكمن الخطر والعذاب، لأن هذا الحاجز يوجد به حرس الحدود بصغر سنهم، وتجبرهم على الناس، ومزاجهم المتقلب والمتشقلب.
وما يميز طريق واد النار أيضاً، أنه تقريباً أول طريق التفافي أبعدنا عن الطريق الأصلي للوصول إلى القدس، له بعد تاريخي في صنع واقعنا السيئ، فطريق واد النار ساهم ولو لم يكن قاصداً بأبعادنا عن القدس، وهنا لم أكن أقصد أن طريق واد النار متواطئ مع الاحتلال، وإنما وعلى الرغم من أنه يفي بالمطلوب في وصولنا إلى رام الله، فلوجوده على أرض الواقع جعل من حياتنا ورحلتنا عذاباً، فلو لم يكن موجوداً لتغير حال طريقنا إلى هناك.
أنه الطريق الوحيد الذي يصل جنوب الضفة بشمالها، وفي هذه اللحظات وأنت تسافر من خلاله، تستقبلك الإعلانات التجارية بكل ما فيها من عالم آخر مختلف تماماً عن عالم وادي النار القذر، عالم مليء بالخيال، والتشويق، والإثارة، قد أكون مخطئاً لو قلت، إلى أن تصل الحاجز الإسرائيلي تكون غارق في عالم الخيال، من هذه اللوحات الدعائية، ليس لأنك ترغب في التمحيص والتدقيق فيها، وإنما لتبتعد عن كل هذه الروائح التي ذكرتها سابقاً، وتبتعد أيضا عن كل هذه المعرجات المائلة والمستميلة، هناك في واد النار عالم مختلف نصفه واقع مُر، ونصفه الأخر خيال مُخادع لا يستمد وهمه من الحقيقة.
يجدر بنا التساؤل عن سبب وجود هذه اللوحات الإعلانية على الطريق، بعد هذه الرحلة الخانقة، وبعد أن يمر المسافر بكل تلك المآسي التي ترافقك منذ اللحظة الأولى، فالمسافر يقطع نصف الطريق في وادي النار وهو غير قادر على ردع شعوره بالغضب والحيرة والخوف، ويقطع القسم الثاني من الطريق وهو يفكر في ماذا سيفعل به هؤلاء الجنود الواقفون على الجانب الأخر من الوادي، هل سيقف ساعة من الزمن؟ أم أنه سيمر حتى يصل موعده المحدد بدون تأخير؟.
وهنا نسأل عن وضع المتلقي النفسي وهو يشاهد هذه الإعلانات، هل يمتلك القدرة على أن يتلقى هذه الإعلانات، ويمحص بها جيداً، ويستطيع بعد كل ذلك أن يخزن ولو صورة واحدة لإعلان واحد أو يستطيع أن يحفظ أسم مكان أو رقم هاتف أو حتى عنوان، قد يرى البعض أن ما أكتبه الآن مبالغ فيه، ولكن لو من وَضع هذه اللوحات ذو بُعد تسويقي ممتاز، لدرس الوضع النفسي لمن يمر على طريق واد النار، ولعلم أن وضعها على هذا الطريق بالذات خطأ وليس صحيح، وفي المقابل ما قبل أصحاب هذه اللوحات أن توضع الإعلانات على طريق وادي النار بالتحديد، لأنها باختصار لا تأتي بأي نتيجة ربحية أو تسويقية، بل على العكس من ذلك تعطي شعور خيالي بالجو اللطيف الذي يوجد داخل اللوحة، الذي سرعان ما يتبدد عند كل منعطف وفي كل رائحة تستنشقها خلال مرورك بالطريق.
وليس المقصود هنا حملة أقوم بها ضد الإعلانات التجارية الموضوعة على الطريق، إنما لأصف شعور من يسافر عبر هذا الطريق، ويجدر بالإعلانات أن تكون في الصحف اليومية والمجلات وتبتعد كثيرا عن همومنا الخاصة، لو لم أكن أقصد ما اكتبه تماماً، فوادي النار طريق سيء وكله إذلال، طريق يجعلك خاضعاً خانعاً لجبروت الاحتلال، فلماذا نجمله بإعلانات وكأن الواقع الذي نعيش فيه هو الإعلانات التجارية، ووادي النار واقع شاذ، وأن هناك واقع أفضل منه موجود في عالم أخر في فلسطين.
فإذا كنت غريباً عن الضفة الغربية وسلكت طريق واد النار، فستعتقد أن واد النار ليس الحقيقة، وإنما الحقيقة في هذه اللوحات الإعلانية، وأن واد النار هو الشذوذ والإعلانات بواقعها الجميل هي القاعدة، والحقيقة أن اللوحات وما تعبر عنه هي الشذوذ، وأن طريق واد النار وكل طرق الفلسطينيين هي القاعدة، هي الحقيقة المرة التي نرغب في إيصالها للعالم أجمع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حديث إسرائيلي عن استمرار علمية رفح لمدة شهرين.. ما دلالات هذ


.. مجلس الأمن الدولي يعرب عن قلقه إزاء التقارير بشأن اكتشاف مقا




.. سلسلة غارات عنيفة تستهدف عدة منازل في شمال غزة


.. الجيش الإسرائيلي يوسع عملياته في رفح




.. الجيش الإسرائيلي يطالب بإخلاء مناطق جديدة في رفح وشمال غزة