الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(( أسطورة الإخراج السينمائي السويدي ))

سعد صالح

2009 / 11 / 16
الادب والفن



ولد الأسطورة " برغمان " في مدينة " أبسالا" في السويد بتاريخ 14/7/1918 من أب قس وأم مهيمنة ومسيطرة ، وقد تأثر كثيرا بتربيته الدينية الصارمة والقاسية كما صرح بذلك قائلا " لقد كانت طفولتي مؤلمة ومعقدة".
درس في جامعة ستوكهولم، بدء مشواره من سنة 1944 أصبح يمارس الإخراج السينمائي والمسرحي . بداية انغمار كانت على خشبة المسرح حيث تلقى تدريبات مسرحية خاصة، غير أنه اختار أن ينتقل إلى عالم السينما فأخرج حتى وفاته أكثر من 50 فيلماً روائياً، بدأها في عام 1946 عندما أخرج فيلمه الأول Crisis . ومن أشهر أفلامه " ابتسامات ليلة صيف" سنة 1955،" مشاهد من حياة زوجية" 1973، التوت البري" 1957، "صياح وهمسات" 1972.وعقب هجرته إلى ألمانيا أنجز فيلم "بيضة الثعبان" سنة 1977عن النازية، وعند عودته إلى السويد سنة 1982أخرج فيلم "فاني وألكسندر" وهي تحفة مختارة عن طفولة المخرج وولعه بالفرجة التي زينته بأربع أوسكارات".
تحت عنوان " برغمان، سينما الظلال الصامتة " كتبت مجلة " لوفيغارو" بتاريخ"31/7/2007 أي رجل !! صعب المراس، مجروح، شقي جني وعبقري، إنه أعظم عارض للصور في القرن العشرين، إنه يغرف من الحراك ومن المستور في الإنسانية، من تدفق الشهوات، في كهوف اللاوعي، في بحيرات الطفولة. لقد حقق بطولة خرافية خارقة للرجل والمرأة التائهان في عالم من الجراح والخطيئة، في سعار الرغبة ومعاناة عدم التفاهم".
القسوة والعدوانية أو الهجومية شكلت بلا ريب الخطوط العريضة لحياة " إنغمار برغمان" في مرحلة الشباب. أنه مليء بالاضطراب والقلق، فخور وفاقد لصبره من الحياة اليومية. في سنة 1960اكتشف جزيرة "فارو" السويدية التي ستصبح فيما بعد منفاه الاختياري وشبه وطن: (إذا سألوني عن جنسيتي)، سيكون جوابي : أنا مواطن من "فارو". هنا أرى أصدقائي وأطفالي، هنا أملك مكتبتي السينمائية المكونة من 350 فيلما والتي هي مصدر افتخاري، لقد قبلني سكانها ال 400 كواحد منهم، وقد وجدت فيها حياة الطفولة، القراءة، اللعب، النزهات... لقد اكتشفت هنا ليس الحكمة، إنما السكينة والصفاء".
بدأت موهبته السينمائية تتبلور فعلياً منذ عام 1957، عندما حقق نجاحاً مزدوجاً و استثنائياً في فيلميه Wild Strawberries و The Seventh Seal.
ويستمر بعد ذلك ليحصد في أفلام أخرى على ثلاث جوائز أوسكار عن الأفلام الناطقة بغير الإنكليزية وذلك من خلال أفلامه:The Virgin Spring و Through a Glass Darkly و Fanny and Alexander، مما جعله اسماً لامعاً في السينما الأوربية بشكل خاص والعالمية بشكل عام.
كان لدى برغمان رؤية سينمائية صارمة و قاسية، أصبح من خلالها مضرباً للمثل في تقديم الكآبة الوجودية ضمن أفلامه، و كان مخرجاً يقدم رؤاه العديمة الرحمة لكون ملحد، وحتى الآن لا ينكر أحد الطبيعة المغالية في الجدية لأعمال برغمان ، فمواضيعه جادة وصعبة كالطاعون والجنون وقد قدمها بتقنية إخراجية عالية، وبسيناريوهات مشغولة بعناية، لذلك اعتبر رمزاً هاماً من رموز السينما الجادة، وقيّم بالنسبة للكثيرين من المتخصصين في مجال السينما كأعظم مخرجي سينما الخمسينيات والستينيات، لدرجة تتجاوز رموز ذلك الوقت أمثال فردريكو فيلليني و لويس بانويل.
كان يعاني من كآبة دائمة، وكان يعرف مدى أهمية أن يبقي شياطينه على مسافة قريبة منه. يقول برغمان عن ذلك:عندما أستطيع أن أسيطر على القوى السلبية و أن أسخرها في عملي، عندها ستتمكن من العمل لمنفعتي. ويضيف: الزنبق ينبت غالباً خارجاً من فتحات الجثث.
كان متعلقاً ببلده السويد كثيراً، لذلك ولوقت طويل رفض كل العروض للعمل خارجها، ولكن وفي عام 1976، وبعد ان اتهم من قبل سلطات الضريبة السويدية،غادر إلى ألمانيا للعمل كمخرج في مسرح ميونيخ ريسدنيز. ليعود بعد ست سنوات إلى السويد وليبقى فيها حتى رحيله عن الحياة.
توقف برغمان عن إخراج الأفلام بشكل رسمي، منذ الإنجاز المتوهج، لخرافة Fanny and Alexander والتي تضمنت شيئاً من السيرة الذاتية العائلية، ومع ذلك فقد عمل في إخراج بعض العروض التلفزيونية، وعلى كتابة نصوصاً سينمائية كفيلم The Best Intentions الذي خفض وقته إلى ثلاث ساعات فقط، وفاز عام 1992 بالسعفة الذهبية لمهرجان كان وهو من إخراج بيلي أوغست.
" إنغمار برغمان" الذي اختار لنفسه طريقا صعبة و معقدة في تناوله السينمائي، وذلك انطلاقا مما كان يقدمه للسينما العالمية من أفلام، كانت تعتمد في معظمها على تيمة التراجيدية الإنسانية، ومأساة الإنسان في مواجهة الحياة الحديثة، إلى جانب الصدام والتشرذم الأسري. لقد كانت أفلامه غير مرحب بها في السويد، إلى درجة أن الكثير من السويديين يعتبر أن ما كان يخرجه من أفلام نتج عنه تسويق صورة السويد المصابة بالعصاب.
فيما بعد، نادراً ما كان برغمان يغادر منزله على جزيرته المنعزلة، وذاع صيته كشخص منعزل عن العالم، قاس لا يتحدث لأحد إلا للمقربين والأعزاء. و ضمن مقابلة نادرة عام 2004، اعترف بأن ما يفضله من بين أفلامه هو: Winter Light و Persona وCries and Whispers، وأضاف بأنه الآن نادراً ما يشاهد أياً من أفلامه لأنه يجدها مثيرة للكآبة بشكل كبير.
عملاق السينما العالمية انغمار برغمان أثر على أجيال صناع السينما الذين كانوا يستلهمون كلاً من سلطته العفوية للوسط، و إدراكه العميق لإمكانياتها الأخلاقية والإبداعية.
في عام 1988 وصفه المخرج الأمريكي وودي ألن قائلاً: مع الأخذ بعين الاعتبار لكل شيء، فمن المحتمل أنه الفنان الأعظم، منذ اكتشاف كاميرا الصورة المتحركة.
توفي مخرج أفلام The Seventh Seal و Persona بسلام وهو نائم، عن عمر يناهز 89 عاماً.لقد فقد عالم السينما فنانا صقلت موهبته تلك الانكسارات التي بصمت حياته الشخصية، فصارت أفلامه مليئة بذلك السواد القاتل الذي يلازم العلاقات الإنسانية وما يتبعها من مشاكل وآلام وعدم التفاهم. وقد نفهم من زيجاته الخمس بأنه كان يعيش على نفس إيقاع أفلامه خصوصا وأن طلاقه المتكرر يرسم لنا صورة ولو بطريقة غير مباشرة عن استحالة العيش وصعوبة العشرة. إن حياة "برغمان " كانت موشومة بالهجرة والرحيل، فلقد غادر بيت والديه وهو في سن 19إثر خلاف مع والده، ولقد هاجر من السويد إلى ألمانيا، ثم قفل راجعا إلى السويد وبالضبط إلى جزيرة "فارو" على ساحل البلطيق حيث اختار منفاه مؤمنا بأن هذه القطعة الصغيرة من يابسة السويد، قد تغنيه عن هرج العاصمة وأضواء المدن، تماما كالدب القطبي الذي لا يظهر كثيرا.

كتبها
المخرج العراقي
سعد صالح









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كواليس العمل مع -يحيى الفخراني- لأول مرة.. الفنانة جمانة مرا


.. -لقطة من فيلمه-.. مهرجان كان السينمائي يكرم المخرج أكيرا كور




.. كواليس عملها مع يحيى الفخراني.. -صباح العربية- يلتقي بالفنان


.. -بين المسرح والسياسة- عنوان الحلقة الجديدة من #عشرين_30... ل




.. الرباط تستضيف مهرجان موسيقى الجاز بمشاركة فنانين عالميين