الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مزيدا من المساجد للفقراء و المهمشين

أحمد عصيد

2009 / 11 / 17
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


في بداية السبعينات، عندما كان المثلث المركزي الرباط ـ فاس ـ الدار البيضاء يستقطب كل جهود الدولة المغربية و رساميلها على حساب المناطق الأخرى المهمشة، ارتفعت أصوات من مدينة أكادير و مناطق سوس (جنوب المغرب) تطالب بمعهد للتكنولوجيا و بكليات العلوم و الطب و بمختلف المعاهد العصرية التي شيدت في المركز، جواب السلطة لم يتأخر كثيرا، فقد كلّفت السلطة المركزية السيد صالح المزيلي الذي كان وزيرا آنذاك بأن يستقطب كل النخبة السوسية الأمازيغية من أرباب الأموال من أجل مشروع هام يخصّ سوس بالذات، و لم يكن هذا المشروع غير ترميم المدارس العتيقة و بناء المزيد من المساجد.
كان الملك الحسن الثاني قد قرر آنذاك، بعد الإنقلابين العسكريين 71 - 72 و بعد أن تصاعد تأثير المعارضة اليسارية و الماركسية، استعمال الدين بكثافة في المجال السياسي، و من ضمن التدابير التي اتخذها حقن المنظومة التربوية بكميات كبيرة من المواد الدينية التي كان لها على التعليم المغربي آثار مدمرة، و محاصرة الفلسفة والسوسيولوجيا، و إشاعة السلفية الوهابية و التصوف الطرقي المغربي في المجتمع، و نشرالمدارس القرآنية المعروفة بتشددها و انغلاقها، و هي المدارس التي كان دورها قد انتهى تماما بعد إقامة هياكل الدولة العصرية التي أصبحت تجلب أطرها من المؤسسات الحديثة، الشيء الذي شعر به ـ و تأسف له ـ العلامة المختار السوسي عندما كتب رثاءه الشهير لهذه المدارس في "سوس العالمية".
كانت السلطة و ما تزال تعتبر الدين و التصوف و الزوايا من وسائل التخدير الرئيسية للفئات العريضة من المجتمع، لأنها تقي دماغ الإنسان من الأفكار الجديدة، و تسمح بخلق فضاء مغلق منعزل عن تطورات العالم و انفجاراته المعرفية و فتوحاته العلمية و الحقوقية، كما أنّ الإغراق في تفاصيل العبادات و جزئيات الأحكام الدينية و المظاهر الخارجية للتدين، أو الحلم بلقاء الذات الإلهية في الحضرة الصوفية، من شأنه أن يجعل المرء "مسالما" تماما، ليس تجاه غيره، بل وتجاه السلطة على وجه الخصوص، و يبدو أنّ هذا ما جعل سخاء السلطة يجود بمزيد من المساجد و المدارس العتيقة لمناطق يموت فيها الأطفال من البرد القارس ، و النساء من آلام الوضع، مناطق أنهكها الجفاف و النسيان و الكوارث الطبيعية، و وصلت فيها درجة الإحتقان مستوى ينذر بالإنفجار، مستوى جعل سكان منطقة مغربية يلجؤون إلى الحدود الجزائرية مطالبين بالإنتماء إلى البلد الجار، (الذي من المؤكد أن أحوال الناس فيه ليست بالشيء الأفضل)، كما جعل سكانا آخرين يجمعون كل بطائقهم الوطنية في كيس و يسلمونها إلى السلطة المحلية إشارة إلى "شق عصا الطاعة " حسب التعبير المخزني القديم، و جعل سكانا آخرين يغادرون مناطقهم إلى غير رجعة في اتجاه المجهول.
بهذا الصدد نتساءل هل كان المسجد أو المدرسة العتيقة في يوم ما مطلبا ملحا لسكان أنفكو أو تنجداد أو آيت عبدي؟ أين يقع المسجد في لائحة المطالب الطويلة للسكان البسطاء الذين ينقصهم كل شيء، و الذين يعرف الخاص و العام أن شؤون القِبلة ليست من همومهم اليومية في تلك المناطق التي كاد الفقر أن يصبح فيها كفرا ؟ ما الأسبق في ترتيب الأولويات، هل الصلاة أم الحفاظ على البقاء ؟ هل يمكن للشخص الذي مات من البرد أو من الجوع أن يصلّي ؟ و هل يمكن للشخص الذي لا يجد أبسط مقومات الكرامة أن يمارس العبادة أو يشغله حفظ القرآن ؟ و ما جدوى ذلك ؟ هل سيكون للعبادة دور تعويض المواطن المنبوذ من طرف الدولة، و هل يصلح الله ما أفسده البشر ؟ أعتقد أن هذا ما تعتقده السلطة فعلا، فدعاء "الله بنوب" هو دعاء مستعمل في الأوساط الشعبية و يقال عادة للمتسولين لصرفهم عن الإلحاح في الطلب و الإستجداء، أي أنّ الله "ينوب" عن كل واحد في العطف على المتسول، الذي يصبح في ذمة الله طوال حياته إلى أن يغادر العالم الفاني.
إن لفقراء المغرب أولوياتهم الملحة التي لا يمكن التعمية عليها بالمساجد و لا بالمدارس القرآنية، و منها التقسيم الإداري الذي يحترم الخصوصيات الثقافية و الإنسجام السوسيوثقافي بين السكان، و يسمح بقربهم من المصالح الإدارية التي ينبغي أن تكون في خدمتهم، و منها أيضا المواصلات و الطرق المعبدة ، و المستوصفات الطبية المجهزة و سيارات الإسعاف و المدارس العصرية الكافية حتى لا يجد أطفال الهوامش أنفسهم في ستة مستويات داخل القسم الواحد، و منها الماء الشروب و الكهرباء، و التوعية و الإرشاد للسكان بحقوقهم و واجباتهم و بأساليب الوقاية من الأمراض و طرق تدبير مجالهم و تطوير أعمالهم و إنجاح مشاريعهم ، و منها حماية تراثهم من الإندثار و الحفاظ على شخصيتهم الثقافية الجهوية لتكون إحدى ركائز التنمية المحلية.
ليس من قبيل الصدفة أن أكثر المناطق إنتاجا للنكات الدينية التي تسخر من المقدس الديني هي المناطق الأمازيغية المهمشة بالمغرب الأوسط و الجنوب الشرقي، و هي ذاتها المناطق التي يمكن للملاحظ العابر أن يلمس فيها قلة اكتراث السكان بالدين و بمظاهره، و هي أيضا مناطق فشل فيها المتطرفون فشلا ذريعا مما يكذب القاعدة التي يروج لها البعض، و التي مفادها أن الفقر هو السبب الأكبر لانتشار الإرهاب، و هذا معناه أن السكان واعون تماما بوضعيتهم و بأسبابها، و لا يمكن استغفالهم بسهولة أو إخماد غضبهم بالصلوات أو بالأذكار الصوفية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لقد جانبت الصواب, استاذ
عبد الله بوفيم ( 2009 / 11 / 17 - 12:44 )
استاذ أحمد عصيد, إنك تنطلق ليس من دفاعك عن التعلم وليس من رغبتك في تحسين أوضاع المغاربة في القرى المهمشة والنائية, لكن من حقدك الدفين عن الدين الاسلامي, حقد تولد لديك مؤخرا بعد أن كثر المصفقون لما تكتب وتقول, ودفعوك دفعا لقبول نظرتهم العدائية للدين الاسلامي, بعد أن كنت في بداية دعوتك للأمازيغية في بداية التسعينات, معتدلا واعيا ومدركا لواقع المغرب المتدين والذي يعتبر فيه كل محارب للدين مسفها ومنبودا
استاذ, إن المدارس العلمية والعتيقة وكل المساجد في قرى المغرب, بناها ويرممها ويمولها المحسنون, وإلى اليوم, وليست مساهمة الدولة إلا أقل من عشر في المائة من تكاليفها
صحيح ما قلت عن انتشار الطرق الصوفية وتشجيع التدين من طرف البرامج الحكومية والمقررات الدراسية, وذلك حق مشروع للحاكم الذي يرى صبية ماركس وماو تسي تونغ استأسدوا, وتعالوا وتطاولت اعناقهم لما لن يدركوه أبدا, فقاومهم بالدين, وغلبهم وهزمهم شر هزيمة
ذلك من فضل الله, اليوم يا استاذ, تقوم بالدور الذي كان يقوم به المتدينون, وتعزف على وثر الأمازيغية, لعلك توقف انتشار التدين , لكنك ستفشل لا محالة, لأن المغاربة ولله الحمد كلهم مسلمون, عربا وأمازيغ
ولو استطعت أن تقنع والدك ووالدتك بما تدعوا


2 - اقترح على بوفيم
سارة ( 2009 / 11 / 17 - 14:48 )
لماذا ايها الاخ لا تكتب في الحوار المتمدن فانت باين عليك اكبر اوصولي اسلامي
كل واحد تجده يقول هكذا-حقدك على الدين الاسلامي -عدد المسلمين في العالم في تزايد والحمد لله والمنة
وهو لا يعرف ما معنى كلمة مسلم وفي نفس الوقت يعرف ان كل لسبقونا من المؤمنين قبل مجيئ النبي الخاتم هم مسلمون لله تعالى واهم نقطة بوفيم يعيها جيدا وهو ان اجداده اسلموا
تحت تهديد السيف وقتل من قتل وسبي من سبي ولولا تلك الغزوات ماجاء بوفيم مسلم
مثله مثل الامازيغ-وسوف يقول لنا ان الاسلام انتشر بطريقة سلمية
وانا ااسف ان ينسى بوفيم ان يضع نفسه مكان من لم يصلهم الغزو الاسلامي او الفتح كما يحلوا للبعض تسميته فان كان فتحا سلميا فيا حبذا وان كان غزوا يعني قتل وسبي نساء
واغتصابهن بجانب رجالهن وابائهن وهم اموات ثم سيق الجميع مع الاطفال الغلمان العبيد
وطبعا كل الغنائم التي لم تحلل الا للنبي الخاتم في حديث كاذب لابو هريرة الكذاب كاره الكلاب من اجل قطته فما ذنب هذا الحيوان الامين الوفي الحارس حتي ننبذه طيلة 1400سنة؟
عزيزيي بوفيم انصحك ان تقراء تاريخ امتنا الاسود ولماذا قتل ابن ابا بكر وحرق في جوف حمار؟
هذه افعال اول الصحابة
الى اللقاء واتركك نايم في العسل واحلم باقامة الخلافة وانتصار الاسلام هذا- الذ


3 - يا سارة, الحلوة
عبد الله بوفيم ( 2009 / 11 / 17 - 16:03 )
اجمل ما في موضوعك هو النصائح التي تلقيتها منك بدارسة التاريخ, لأعلم هل كان الاسلام منتشرا في بلاد المغرب بالسيف ام بالاقتناع والاقناع
صحيح أن المغاربة حاربوا المسلمين بادئ الأمر وذلك طبيعي لأن الانسان يعادي ما يجهل, وكان المغاربة لا يعلمون عن الاسلام إلا أنه ينشره اناس يتكلمون بغير لسانهم, وقاوموا بداية الأمر, لكن بعد أن اقتنع القائد الأمازيغي طارق بن زياد بالاسلام, كما اقتنع من قبل قادة القبائل العربية المحاربة للإسلام بادئ الأمر اسلم المغاربة إلا قليلا, وتولى طارق بن زياد قيادة الجيوش الاسلامية, عربا وأمازيغ, ونشر الاسلام بالدعوة بلسانه, وبسيفه لمن هاجمه ولم يكتف بالمغرب بل عبر الأبيض المتوسط ووصل بالجيوش الاسلامية غازيا كما تريدين أن اقول إلى حدود نهر الراين
أما التاريخ يا حلوة, فإني أعرفه ودرست أغلب كتب التاريخ, وهوايتي الوحيدة تقريبا هي دراسة التاريخ, رغم كوني لم أدرس الأدب فإن التاريخ هو اهتمامي, وأعلم جيدا تلك الاشارات التي اشرت إليها
لو تقبلي يا سارة أن تكوني معلمتي لقومت اعوجاجي, ولنورت عقلي الذي طغى عليه ظلام الاصولية كما ذكرت, فلتبادري بتعليمي, وتخصصي لي جلسات ولو عن بعد, تعلمينني مما علمك الله من علم النور, لعل


4 - الى بوفيم
سارة ( 2009 / 11 / 17 - 20:16 )
انا سعيدة جدا لانك قرات تاريخنا المشوه
مثل دخول خالد ابن الوليد سيف الله المسلول على زوجة مالك بن نويرة في نفس اليوم الذي قتل فيها زوجها -اين نضع خالد بن الوليد كبشر من اي صنف هو؟
هو في حرب مع عدو او في اشتياق لجماع نساء العدو المكلومات؟لا عليك لقد فعل ذالك في عصرنا هذا سلفية الجزائر كانوا يغتصبون المسلمات الفقيرات ويكبرن---
لابد لليل ان ينجلي
يا فرحتنا بهذا التاريخ


5 - ----
السيدة الحرة ( 2009 / 11 / 18 - 01:21 )
تحية لاستادنا الفاضل محمد عصيد .
الحل هو اقامة نظام علماني ديموقراطي ,ولجم الكهنوت الاسلامي الدي يحاصر العقل المتنور ...لا للظلام نعم للانوار

اخر الافلام

.. تغطية خاصة - لبنان بعد اغتيال نصر الله • فرانس 24 / FRANCE


.. عاجل | نتنياهو: مقتل نصر الله سيغير موازين القوى لسنوات في ا




.. بدأت باختراق تردداته.. إسرائيل ترسل رسائل مبطنة باستهداف مطا


.. نتنياهو: تصفية نصر الله هي الشرط الأساسي لعودة مواطنينا إلى




.. موازين | الاحتلال وحق مقاومته