الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الزنزانة رقم 3

البتول المحجوب

2009 / 11 / 17
الادب والفن


الزنزانة رقم 3

الباب حديدي،والرقم ثلاثة.المكان زنزانة موحشة باردة، تنبعث منها رائحة الموت،والخوف والغياب المفاجئ…كنا هنا،نتعفن كعلب سردين نتن.وكان ينزوي في ذاك الركن موليا وجهه نحوالجدران. !
كلما ضاقت به أمتارالزنزانة.
أشار أحد رفاق دربه قائلا.
تقدمت° حيث أشار رفيقك بخطوات غير ثابتة.. صوب ركن الزنزانة الضيقة.جلست في المكان ذاته. تتحسس الجدران بأصابع مرتعشة.اقتربت أكثر،بحثا عنك،عن رائحتك،وعن أثرك هناك.
شعرت بصقيع الزنزانة،حين بدأت ذاكرتها تضج بالسؤال عنك وعن ليال الشتاء الباردة،كيف كانت وكيف كنت..؟وعن ليال الصيف الحارقة،الخانقة في هذه الزنزانة الضيقة جدا،وعن سوط جلاد لايرحم..وعن..وعن..
كلما لمست جدران الزنزانة بأناملها المرتعشة..تشعر أنك هنا،قريب منها،.تربت على كتفها،تمسح
بدفء كفك دمعة منسكبة على خدها الشاحب.وترد على أسئلتها الحارقة المعلقة لسنين طوال.تصيخ السمع،فيتردد صدى صوتك الدافئ، في هذا الفضاء الضيق،رغم برودة المكان..هامسا لها:
-.صغيرتي آم آن لك أن تكبري..آم آن لك أن تبسمي..؟
كيف تبسم ..؟وكيف تكبر..؟والطفلة الصغيرة مازالت تحن لدفء حضنك.الطفلة الصغيرة تأبى
أن تكبر في إنتظارأن تعود يوما ما وتحكي لها الحكاية..
إلتفتت بحثا عنك هنا وهناك.لكنها لم تجد غيرالوحدة والوحشة الباردة، في هذا المكان البعيد عن دفء الأحبة.أحبة أّرغمت على تركهم ذاك الفجر الضبابي القسمات.أحبة دونهم “بيدا دونها بيد”. انتشلها احد رفاقك بكلماته مشجعا عندما شعر ببحر صمت مخيف يطوق أنفاسها.
-لك الأمل عزيزتي،لك الغد والفرح الجميل،لك الفخر به أيضا..
كلماته ممزوجة بوجع الغياب،وبمرارة من مروا هنا..لاشئ ،لاشئ غير جدران صماء،باردة وصوت حارس كريه كان يسمعك ألفاظا قذرة،وأنت الذي سمعت أذناك أعذب الكلمات..وأنقى الألفاظ.
تغمض عيناها علك تتراء لها في زاوية من زوايا زنزانة، تناثرت سنين عمرك الهاربة بين حيطانها الموحشة..وتناثرت سنين عمر صغيرتك على أرصفة الانتظار..
في ذاك الركن كان ينام متوسدا ساعده الأيمن.أردف رفيقك قائلا.
أخذتها الذكرى بعيدا ،بعيدا بحثا،عن حلمها المغتال.وعن دفء مفتقد.فلاساعد بعد ساعدك استراحت عليه.ولاساعد بعدك حماها من صقيع الليل الطويل…
كل أحلامها أَجهضت ،وكل الحكايات ابتلعها المجهول.لم يبق في ذاكرة صغيرتك إلا دفء ساعد توارى وراء الغياب…
لم ينقذها من شرودها العميق غير وقع خطى رفاق درب المعاناة.وأصوات جريحة،تنضح بمرارة الذكرى..فلان كان هنا،وفلان كان هناك..وفلان لفظ أنفاسه الطاهرة هنا، وذاك هناك.. ذاك وذاك والائحة تطول..
لاشئ غير مكان بارد تطوقه رائحة الغياب،على ذكرى من ابتلعهم ظلام دامس، وداستهم أقدام
قذرة صباح مساء.لم يبق غير جدران صماء،لونطقت يوما ما،لملأت الأرض صراخا وبوحا جريحا..
لم يبق غير الزنزانة ذاتها،ببرودتها،بوحشتها،برائحتها،بحيطانها،بصريرأقفالها،بسقفها،بشقوق جدرانها
وبخيوط عنكبوتها..شاهدة على يوم شاحب لفظت فيه أنفاسك الطاهرة على إسفلت
زنزانة باردة،وحيدا بعيدا عن أمكنة الدفء والحنين.
وحيدا دون دمعة مواساة أو دفء كلمة لحظة احتضار باردة..رحلت بعيدا بعيدا،وبقي مكانك
شاهد على غروب شاحب..
البتول المحجوب لمديميغ











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كم أنت قاصة مبدعة ورائعه يا بتول
عبد الوهاب المطلبي ( 2009 / 11 / 17 - 13:53 )
القاصة المبدعة بتول المحجوب... يشرفني ان اكون قارئا لآقاصيصك التي تنفرد بحزنها ووصف الزنزانات والقضبان والموت الانفرادي ولكن تشيعه غيمات حزن ماطرة....؟؟
الا تسحبي يديك من الجمر سيدتي ؟؟؟
اكان نصب البعض فقط اشة الحزن السوداء
لله درك
مودتي بلا حدود ايتها السامقه كحقول النقاء


2 - سعيدة بوجودك
البتول المحجوب ( 2009 / 11 / 17 - 16:06 )
تحية تقدير عميق ومحبة
لك ايها المبدع الشاعر عبدالوهاب المطلبي
سعيدة لانك هنا ويعسدة اكثر برايك في النص
لك مني كل المحبة والتقدير


3 - تراجيديا رائعة عن النضال الانساني
مباده الاسدي ( 2009 / 11 / 17 - 18:06 )
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
القاصة المبدعة بتول المحجوب وصف مؤثر عن الالم الانساني لايسعني الا ان اسجل لك تقديري


4 - تحية تقدير
البتول المحجوب ( 2009 / 11 / 17 - 19:52 )
وعليكم بالسلام ورحمة الله وبركاته
الاستاذة ميادة الاسدي
تشرفت بك وبقراءتك
سعيدة بتوقفك البهي هنا
شكرا جميلا لك
محبتي وتقديري لك

اخر الافلام

.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس


.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل




.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة