الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صراخ وصمت

عباس جبر

2009 / 11 / 17
الادب والفن



قصة مهداة الى دعاة الديمقراطية ، والى روح المرحوم صباح العزاوي
سنوات الصمت مرت عليه دونما يجرؤ ان يقول شيئا ،الصمت ملاذه الامين الذي اختاره كما اختاره مواطنيه في بلد اصبحت فيه صرخات الالم يعاقب عليها القانون ، حتى الكلاب النابحة اقلعت عن عادتها السيئه في النباح ليلا ، بعد ان استبدلت بازلام النظام اوكما حبوا ان يطلقوا على انفسهم نواطير الليل، اوقات الكلام القصيرة يشوبها الخوف ، استعار الهمس وسيلة ليصل افكاره للاخرين الذين منحوه الثقة ليقول مايشاء ، لحظات شجاعته التي تنتابه كالحمى احيانا ترغمه ان يهمسها
مع زملائه ليلوذ بالفرار يختفي اياما من مكان جريمته كما يتصورها لان اخترق المحظورات وتكلم رغم انف النظام بكلام لايليق اعضاء فريق الشعبة الخامسة ، استطاع هذه المرة ان يفلت من مخالبهم لم يصل الى مسامعهم ماقاله قبل ايام يال بلادتهم بالرغم من حضورهم الكثيف في شارع المتنبي ، وعيونهم المتنمرة التي تصطاد الفرائس الغافلة ، اغلب تلك الفرائس كانت من اولئك الذين يروجون لبيع اصدارات ممنوعة ، او كما يحلو للنظام ان يسميها افكار صفراء ، عادة ما يبدا عملهم منذ الصباح الباكر ينتشرون في السوق ، ويجالسون بعض وكلائهم ، ويستمعون على اخر التطورا ت واخر الاصدارات والمبيعات ، اغلب الباعة اعتادوا التعامل معهم بدس الرشوة لمن يشكل خطرا على مصيرهم ويقطع ارزاقهم ، الحقيقة ليس هناك خطوط واضحة للمسموح ببعيه والممنوع لانهم يستطيعون تركيب التهم على من يشاؤون بسهولة ليمتصوا اموالهم ويبتزوا ذويهم، الى جانب هذه الاعمال اليومية فانهم يروعون الباعة بسؤالهم عن اسماء الباعة المشتبه بهم في بيع الممنوعات .
ما ان يرى صاحبه الذي شاركه جريمة الاستماع مبتسما حتى يتنفس الصعداء ، ويوطن نفسه على الامان مستانفا حياته من جديد ، ومع نفسه يتبادل التهاني على قدرته في تضليل رجال الامن، الذين فقدوا الرافة ، فقد رائ في ام عينه ذات يوم وهو طالب جامعة في بداية الثمانينات ، القاء القبض على احد الطلاب لتدواله نكته تمس النظام ، بعد عام من اختفاء الطالب التقاه عند بوابة الجامعة وقد استطاع بالكاد ان يعرفه ، لان سحنته تغيرت تماما الى اللون الاصفر وقد اصبح نحيلا اكثر مما عرفه من قبل ، كما ان ابتسامته التي اعتادها تحولت الى تقطيبه وعبوس ، وعيناه لم تستقر في محجرهما كما كانت بالسابق بل انها تتحرك لااراديا باتجاهات مختلفة وكانها تبحث عن شئ مفقود ، ما ان عرفه حتى حاول احتضانه ،
- اين انت يارجل ، لم نعرف اخبارك،
لم يسمع جوابه ولكنه تواصل معه ليدعوه الى النادي ليحتسيا قدحا من الشاي ولكنه حاول الاخير التملص ، ومع اصراره ان يقوده باتجاه النادي ، اعتذر منه وسرعان ماتلاشى في زحام الطلاب وبعد ايام عرف من زميل اخر حكاية النكته وقضية اعتقاله ، لم يره بعد ذلك في الجامعة .
كما مر على خاطره ماحصل لزميل اخر وهو في المرحلة الاخيرة من الدراسة الذي اتهم الاخر بتناول الكتب الممنوعة والتقاءه باشخاص مشتبه في انتمائهم لتنظيمات محظورة ، لم يكن صديقه الحميم ولكنه كان يكن له الاحترام لدماثته وتفوقه في الدراسة ،
اختفاؤه المفاجئ اوقع في نفسه الخوف والهلع ، وقد زاد من خوفه ان زميله نفذ فيه الاعدام ، وانه كان ضحية لمكيدة احد الزملاء الذين تجندهم المخابرات للتجسس يالها من ذكريات حزينه ، مابرحت تطارده حتى في احلامه ، كوابيس الموت تلاحقه في كل مكان وتهدد حياته بمزيد من الرعب ، ليله طويل ، الحلم بالخلاص كان محظورا ايضا لانه سمع ذات يوم ان احدا قد حلم بعبوره الى دولة مجاورة حتى وشي به لرجال الامن ليستودع في السجن بتهمة اجتياز الحدود،
كان عليه ان يكمم احلامه ويوؤدها ، وكي لايقع في محظور الاحلام ، كان لايسمح لنفسه بالنوم العميق ، وقد اعتاد ان يقوم ببعض الاجراءات بعد نوماته المتقطعة ، ينظر الى جوانبه وتحت سريره ، يتفحص وجههه في مراته الصداة ويمسح باصابعه جريمة النوم ويخفي اثره من احداقه ،لم يصدق بعد سنوات الرعب انه تجاوز المحنة ، فعلى الرغم من دخول قوات الاحتلال الى بلده والاطاحة بالنظام ، واختفاء صور الطاغية وانسحاب اللون الزيتوني من الشوارع الاانه مازال يتوجس خيفة ان يعود النظام من جديد ، الحقائق امام عينيه لم تكن الا كوابيس واضغاث احلام لم يتالف معها ولم يصدق حدوثها ، اعدام الطاغية لم يتقبله عقله المكبل باكاذيب اعتاد ان يمررها الاخرون ، الحقائق امامه الان هلوسات ذهنية ماعاد يميز بينها وبين زيفها ،
تلمس اجزائه ليتاكد من سلامة بدنه مرر يده على فروة راسه ليتاكد من صلاحية دماغه المشوش ، اصبح الشك لديه عادة يومية يمارسها ويتقياها ، ماهو الا بقايا انسان حكم عليه بالانشطار ، فقد اهتمامه بلذة الحقيقة ، ليكون شخصا اخر لايعرفه ، جرب ان يكون واقعا ، ان يصرخ ليعوض سنوات الصمت ، تحول همسه الى كلام بدا كانه طفل يتعلم الحروف الاولى ، تناهى الى سمعه صوت لم يسمعه من سنين فيه حشرجة وبحة متصداة ،

هل حقا هذا صوتي ......ام ان هناك من يتحدث الي ؟
مد بصره على طول الطريق ، نظر الى الناس الذين يشاطرونه السير ، وجوه مالوفه وبعضها لم يرها من قبل ، ردد ماقاله قبل قليل من طلاسم ، لم ينتبه لكلامه احد ، الكل منشغلون ، الكل يسيرون،الكل صامتون ولكنه الوحيد الذي يتكلم ، اطفال يلتفون حوله ، بعضهم يرجمه بالحجارة واخرون يصفقون لما يقول ويصدرون اصواتا لم يكن ليميزها لانه انشغل مع كلامه وعذوبة صوته ومازال يتكلم .......









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اعجاب وتقدير
وفاءتركي ( 2009 / 11 / 19 - 17:04 )
نهنئ حوار متمدن بالذكرى السنوية الرابعة لتاسيسه كما نهنئه بمشاركة الاعلامي والقاص عباس جبر بعد انقطاع عن الساحة الاعلامية وكادت الساحة الاعلامية تفقد احد من ابرز كتابها عرف بقلمه الجرئ وكتاباته الساخرة في الصحف المحلية التي عمل فيها ولانجانب الحقيقة ان الاستاذ عباس كان قلما رشيقا ولسان حال لمواطنيه كان اخا لهم في المحنة ولاندري لماذا انقطع عن الكتابة ولكننا على العموم مسرورين بعودته وان نتاجاته في حوار متمدن قد اعادتنا الى اسلوبه الراثع وما خواطر عاشق الاكلمات رقيقة تدخل اعماق القارئ وهي خواطر تطرح معاناة الناس وتضرب في صميم معاناتهم وما قصصه القصيرة الا صرخة ضد من صادروا حقوق الشعب ورقصوا على رفاته نتمنى منه المزيد ونحن في الانتظاركما نتمنى المزيد من العطاء لحوار متمدن

اخر الافلام

.. كلمة أخيرة -درس من نور الشريف لـ حسن الرداد.. وحكاية أول لقا


.. كلمة أخيرة -فادي ابن حسن الرداد غير حياته، ومطلع عين إيمي سم




.. إبراهيم السمان يخوض أولى بطولاته المطلقة بـ فيلم مخ فى التلا


.. VODCAST الميادين | أحمد قعبور - فنان لبناني | 2024-05-07




.. برنار بيفو أيقونة الأدب الفرنسي رحل تاركًا بصمة ثقافية في لب