الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مؤشرات الثقافة العربية

بريهان الجاف

2009 / 11 / 17
الادب والفن



في السنوات الأخيرة برزت بشكل كبير ظاهرة صناعة التقارير التي ترصد حال الثقافة والمعرفة في عالمنا العربي، على الرغم من عدم توفر البيانات الرقمية الدقيقة والأمينة من قبل المؤسسات الرسمية العربية المرتبطة بالحكومات ، لأنه بتلك الأرقام الدقيقة ستكشف سؤ حال ثقافة ومعرفة المواطن العربي الذي يحيا في ظل أنظمة ما تزال تقمع الحريات الثقافية العامة و«حرية المبادرة» كبيئة أولية لتشكل المناخ الثقافي والمعرفي الحيوي، بل وأن الكثير من هذه الأنظمة السياسية، ما زال يعتبر «الأمن الثقافي» جزءاً من منظومته الأمنية العامة. وحين نطالع تقرير المعرفة العربي لعام 2009، الذي صدر في دبي من خلال المنتدى الاستراتيجي العربي، بشراكة بين برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومؤسسة محمد بن راشد. ففي شأن الأمية المعرفية يبدو التقرير متشائم في رصده لهذه الظاهرة الثقافية. فقد عبر عن ذلك بأن ثلث السكان في الوطن العربي الكبار عاجزين عن القراءة والكتابة، ولا يزال هناك 60 مليون أمي عربي، ثلثاهم من النساء، وما يقارب 9 ملايين طفل في عمر المدرسة، لكنهم خارج أسوار الدراسة». وهذه دلالة لا تقبل الجدل في الحالة السوداوية لواقع انتشار الأمية في العالم العربي، فستون مليون أمي غير قادرين على القراءة والكتابة وهم كتلة سكانية بحجم الأمة الفرنسية، ما زالت دون القدرة على أبسط أشكال التفاعل الحديثة، وبالذات منهم نحو أربعين مليون امرأة، أي أن أربعين مليون عائلة عربية، راهناً ومستقبلاً، ستنشأ في ظل رعاية أم أمية. أما تقرير التنمية الثقافية الأول الذي أصدرته مؤسسة الفكر العربي بالتعاون مع المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا ومركز دراسات الخليج العربي يذهب إلى زاوية أخرى لتشكيل نوع من التفاؤل في هذا الجانب. فقد عبر عن ذلك بـ «إن واقع وجودة التعليم في العالم العربي يتصاعدان بطريقة ممتازة، فقد قفزت نسبة مرتادي المؤسسات التعليمية في كل مراحلها إلى 800 في المئة بين عامي 1975 -2008، وهي من أعلى نسب التنمية التعليمية في العالم». ما يلاحظ أن التقرير الأول أعتبر أن الأرقام هي المعيار في رصد تشاؤمها عن واقع الأمية في العالم العربي، ومن دون أن تراعي أن الزيادة السكانية الهائلة في العالم العربي، خلال العقود الثلاثة الماضية، هي من شكلت هذا العدد الهائل من الأميين، ومن دون أن يعني ذلك زيادة في نسبتهم. فلو كان عدد سكان العالم العربي منذ نصف قرن يبلغ 100 مليون نسمة ومنهم 30 مليون أمي، ومن ثم بلغ عام 2009 عددهم 300 مليون، والأميون منهم 60 مليوناً، ذلك لا يعني فقط أن الأميين العرب قد ازدادوا ثلاثين مليوناً فحسب، بصورة متشائمة، بل أيضاً يعني أن نسبة الأميين في العالم العربي قد خفضت من 30 % إلى 20 %. لذا تبدو الأرقام المجردة من دون النسبية، تعاني نوعاً من الانزياح إلى رؤية إيديولوجية في حقل معرفي. وعلى عكس ذلك يمكن أن يقال بشأن النسب التي أوردها التقرير الثاني، حيث رصد النسبة المطلقة بين مرتادي المؤسسات التعليمية في ما بينهم فحسب، غير ملاحظ أن تلك النسبة لا تعني الزيادة في ارتفاع نسبتهم بين مجموع المواطنين، وأيضاً لا يعني نموهم بالنسبة وبالمقارنة مع غير مناطق بالعالم. وهو أيضاً لغط معرفي آخر. التقريران يؤسسان بطريقة غير محكمة لنوع من الرضا عن الواقع الإعلامي في العالم العربي مثلاً. فالتقرير الأول يذهب إلى «أن معدل زيادة مستخدمي اللغة العربية هو الأعلى بين مجموعة اللغات العشر الأولى على الشبكة العنكبوتية، حيث بلغ معدل الزيادة العربية 2064% خلال الفترة من عام 2000 2008، أي نحو 60 مليون شخص.. الخ». أما التقرير الثاني، في رصده لنفس الظاهرة، فإنه يأخذ ذات الصورة وبأرقام ودلالات أخرى: «بلغ عددها الإجمالي للصحف اليومية في الدول العربية عام 2006 حوالي /267/ صحيفة ووصل عدد الصحف الأسبوعية إلى /507/ صحف وبلغ عدد القنوات الفضائية العربية/482/ قناة مضافاً إليها قنوات التليفزيون المشفرة إضافة إلى نمو معدلات أجهزة توفير خدمة الانترنت وارتفاع عدد مستخدمي الانترنت في العالم العربي من/ 700 ألف/ عام 1998 ليصل إلى /5،1 مليون/ مستخدم عام 1999 بزيادة 104 في المئة، علاوة على الزيادة الكبيرة في عدد المواقع العربية المسجلة على الانترنت بنسبة بلغت 353 في المئة خلال الفترة من عام 2000 2007».في مثل هذه الفقرات ثمة انزياح بالغ لتشكيل صورة عمومية وأقل دلالة في رسم الملمح الحقيقي العام. فهل حقاً أن زيادة عدد المواطنين الذين يرتادون شبكة الانترنت يعني فعلاً زيادة فاعلية هذه الشبكة في تكوين وعيهم العلمي المعرفي، ويعني ذلك نمواً ايجابياً في درجة تفاعلهم وعاملاً مساعداً في التنمية الإنسانية. فكم هي نسبة المرتادين للمواقع المعرفية والإعلامية والفكرية من بين الذين يرتادون مواقع الدردشة والألعاب والتواصل الافتراضي مثلاً؟. طبعاً لا جواب لذلك في التقريرين. وهل حقاً أن زيادة عدد الصحف اليومية والأسبوعية والمواقع الالكترونية، دليل مجرد وإيجابي على تطور في حقول الحريات العامة والتعبيرات السياسية والاجتماعية في هذه البلدان. ففي بلد مثل سوريا مثلاً، تم الترخيص في السنوات الخمس الماضية لإصدار المئات من الدوريات الإعلامية، لكن بينها دورية سياسية يومية واحدة، ومضبوطة بخطاب إعلامي يقارب ويزايد على الخطاب الإعلامي الرسمي نفسه. فهل حقاً من الاتساق المعرفي رصد الجانب الكمي العددي المجرد مقابل عجز عن كشف دلالات وتعبيرات هذه الأرقام المرصودة في حقول غير الكمية الوصفية الحسية. فهل يصح مثلاً أن نتفاءل بتقرير يقول إن بلداً ما شهد نمواً في عدد صحفه اليومية، في الوقت الذي يصدر تقرير آخر عن نفس البلد يصف حالة الحريات بـ«لا مجال للتنفس»!؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت


.. عاجل.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة غداً




.. سكرين شوت | إنتاج العربية| الذكاء الاصطناعي يهدد التراث المو


.. في عيد ميلاد عادل إمام الـ 84 فيلم -زهايمر- يعود إلى دور الس




.. مفاجآت في محاكمة ترمب بقضية شراء صمت الممثلة السابقة ستورمي