الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفصل 18من رواية حفريات على جدار القلب

حبيب هنا

2009 / 11 / 20
الادب والفن





ـ 18 ـ

في الليل احتلت ميسون مكان الصدارة في حلم متصل .. وفي النهار زارتني في الجامعة .. انفردت معها في مكتبي وبادرتها بالسؤال :
ـ هل نحن من جيل المراقبين الذين تحدثت عنهم عندما زرتني في البيت ؟
ـ لم آت من أجل هذا الغرض ..
ـ ولكن ..
وضعت إصبعها على شفتي .. ابتلعت الكلمات وأشبعتها بنظرات العتاب .. تحررت دمعة من عينيها كانت حبيسة العناد والكبرياء .. تناولت لفافة وأشعلتها تحاشيًا لاستمرار تقاطع العيون .. قالت :
ـ منذ متى تدخن ؟!
ـ منذ تأكدت من الكارثة التي ستصيب المجتمع جراء حجم تلوث البيئة ..
نظرت إليّ وفي عينيها تنتصب علامات التعجب بلا نهاية ( !!! ) .. شعرت فجأة بخلو الكون من الناس تماماً ، فامتدت يدي تداعب السنين والأحداث التي مرت بها : كنت طفلاً عندما داست حوافر الخيل رقعة الشطرنج .. وصرت صبيًا عندما بنى الحاضرون غياب الوطن من أعمارهم .. وغدوت شابًا عندما غدا للاجئ معنى غير النكبة والتشرد .. والآن ..
نظرت إليها بكثير من علامات التساؤل ( ؟؟؟ )
جاء صوتها قادمًا من أعماق البعيد كأنه يحمل القرار والمصير !
ـ دور الجامعات في حالة تراجع مستمر عما كانت عليه سابقًا .. أين دورك كمعيد في تفعيل المشهد ؟
ـ ليس هناك من صدى ليد واحدة تصفق في الريح .
ـ كنت أتوقع أن تكون بنفس النشاط والحيوية التي عهدناها فيك عندما كنت طالبًا ..
ـ إنني ما زلت بنفس الحيوية ، ولكن غياب تفاعل الأصدقاء مع المستجدات حال دون تكثيف النشاطات والتأثير بالمجريات التي عصفت بالمناخ العام ..
ـ ماذا يمكن لنا أن نفعل من أجل تجميع جهد الأصدقاء القدامى حتى نتمكن من الدخول إلى السياق العام بقوة تدفع نحو مزيد من العطاء بغية كسر إيقاع الاتكالية والركون إلى النتائج ذات السقوف المتدنية ؟
لم أعط جواباً .. كنت أحل معادلة ذهنية أجريت خلالها مقارنة بين لبنى الثانية التي امتلكت عقلي فصارت جزءًا منه .. وبين لبنى الأولى التي تلاشت ملامحها فلم يعد لها الحضور ذاته الذي كانت تفرضه عليّ .. وبين ميسون التي تجلس أمامي بعد أن أضاعت ، في لحظة غضب ، كل ما كان ينتظرها من سعادة ، وقتلت بالتالي الحب الذي كان بيننا واستسلمت لعنادها مما أدى إلى إنهاك جسدها سريعاً ، فلم تعد كما كانت بالنسبة لي ..
ـ ربما جئت في وقت غير مناسب .
ودون وعي قلت :
ـ ربما !
ـ بل أكيد . فعقلك مشغول بغير حديثي ..
صمتت لحظة ثم أضافت :
ـ الأفضل أن أرتب هذا الأمر مع الأصدقاء الآخرين ثم نأتي إليك جميعًا حتى لا يذهب عقلك إلى غير ما قصدت من وراء المجيء إليك .
نهضت فنهضت خلفها .. رافقتها إلى الباب المفضي إلى السلم ثم عدت أدراجي بعد أن شيعتها بنظراتي التي تحمل مختلف المعاني باستثناء الوداع .. دخلت مكتبي وعندما جلست خلف المكتب رأيت ورقة في المكان التي كانت تجلس فيه .. تناولتها ثم وضعتها في درج مكتبي في محاولة لمقاومة الفضول ، غير أن عقلي انشغل كليًا في الورقة التي لم يسعفني الحظ لمعرفة ما إذا كانت قد تركتها عن عمد أم الصدفة وحدها هي التي أوقعتها في يدي ..
مضى اليوم الأول ، وأنا أقاوم بقوة الرغبة في معرفة ما بداخلها ، وفي اليوم الثاني ضعفت .. خارت قواي ، وتعطل تفكيري عن الذهاب إلى أي موضوع الأمر الذي دفعني مكرهًا إلى فضها وقراءة ما فيها :
" أعد لي الأرض كي أستريح .
فإني أحبك حتى التعب ..
أشبه نفسي حين أعلق نفسي
على حلم لا يعانق غير الغمام ..
وأنت الهواء الذي يتعرى أمامي كدمع العنب
وأنت بداية الموج حين تشبث
بالرمل .. حين اغترب
وإني أحبك .. أنت بداية روحي
فنم يا حبيبي
ليصعد صوت البحار إلى ركبتي
ونم يا حبيبي
لأهبط فيك وأنقذ حلمك
ونم يا حبيبي
عليك السلام
رأيت على البحر إبريل
قلت : نسيت التراتيل فوق جروحي
وكم مرة نسيت التراتيل فوق جروحي
وكم مرة تستطيع أن تقتلني لأصرخ :
إني أحبك كي تستريح
أناديك قبل الكلام
أطير بخصري قبل وصولي إليك
إلى أين تأخذني يا حبيبي من والديّ
إلى أين تأخذني يا حبيبي .. إلى أين ؟ تشعل في أذني البراري .
تحملني موجتين .. تشربني .. تدمني عليك ..
حرام .. حرام
أحبك إذ أحبك
أحبك يا لعنة العاطفة
أخاف على القلب منك ..
أحبك يا جسداً يخلق الذكريات ويقتلها قبل أن تكتمل
أحبك ، لأني أحبك
أراك فأنجو من الموت .. فجسمك مرفأ ..
وتمضي السماء إلى أزرق ضاع منها
لماذا تشردني الأرض في الأرض ؟
حبيبي أخاف سكوت يديك ..
فضمني قليلاً إليك ..
حبيبي تطير إناث الطيور إليك
فخذني أنا زوجة أو طفلة لك
حبيبي سأبكي عليك عليك عليك ،
لأنك سمائي
وجسمي أرضك في الأرض .. "
قرأتها وبقى السؤال معلقًا ! أشبعته احتمالات ، غير أن إجابة يقينية واحدة كانت تكفي لوضع الأمور في نصابها .. ولكن لم أتلقها .. وسألت نفسي : متى بدأت تنظم الشعر ؟ وهل كل المحبين هكذا ؟
دخلت عليّ لبنى والورقة ما تزال في يدي .. لم تسأل ما هذا ؟ عرفت الأمر على نحو خاص .. خرجت دون أن تفضي عما جاءت من أجله .. وكنت غارقًا في هواجسي التي جعلتني أطير بين الكلمات التي قرأتها دون موعد .. لحقت بها قبل أن تهبط السلم قلت :
ـ ينبغي أن أراك غدًا قبل أن تغادري الجامعة .. إنني أحتاجك أكثر من أي وقت مضى !
نظرت إليّ وكانت مشاعري لا تحتمل أي مداعبة ، ثم هزت كتفها بحركة فيها من الدلال ما يغوي النفس على الاستسلام ، وقالت عندما وضعت قدمها على السلمة الأولى :
ـ غدًا سأنتظرك في المكتب . فالمرأة لعبتها الرجل !











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهرجان كان السينمائي: تصفيق حار لفيلم -المتدرب- الذي يتناول


.. إخلاء سبيل الفنان المصري عباس أبو الحسن بكفالة مالية بعد دهس




.. إعلان آيس كريم يورط نانسي عجرم مع الفنان فريد الأطرش


.. ذكريات يسرا في مهرجان كان السينمائي • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الفنان السعودي سعد خضر لـ صباح العربية: الصور المنتشرة في ال