الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هروب الذات - قصة قصيرة

رائف امير اسماعيل

2009 / 11 / 20
الادب والفن



لم يعرف بانه سيموت بعد لحظات .فهو لم يشكو من مرض ولم يعاد احد .وكل شيئ من حوله كان يبدو طبيعيا ،فكانت الضربة مفاجئة وشديدة شلت احاسيسه الخارجية كلها، الا من نظرات وداع اخيرة لم يعرف كيف يوزعها .
شل جسده وسقط على الطريق وكأنه غير ابه لكل مايجري من حوله . كل شيئا اصبح صفرا على الشمال ..الارض والسماء .. الناس والحجارة ..كل شيء صفر .. حتى صرخات عائلته .وانزوى الى الداخل فلم يعد هناك حل اخر .
تجربة جديدة لم يخضها من قبل ولم يعرف دماغه كيف سيتصرف حين لفظ جسده انفاسه الاخيرة .
قبلها كان احيانا يفكر في الموت كنتيجة حتمية للانسان .فتمنى مرة ان لايموت الانسان اولايموت هو . ومرة تمنى ان يعيش الانسان مئات اوالاف السنين ثم يقرر بنفسه بعد ان يمل الحياة كيف ومتى سيموت .وفكر يوما في طريقة دفن الموتى فتمنى ان يغطى الميت بطبقة رقيقة من الرمل الابيض الجميل ويكون القبر عبارة عن زجاجة كبيرة تحيط بالجسد يلتصق بها انبوب لخروج الروائح الكريهة المنبعثة من تحلل الجسد الى خارج المقبرة التى تكون عبارة عن غرفة مضاءة ليلا وحبذا ان تجهز بالتلفزيون فتلك طريقة في نظره تقلل الفزع من الموت وتحافظ في نفس الوقت على الجينات التي ربما بتقدم العلم ترجع الى الحياة ومعها الجسد...تمنيات لم تتحقق وعليه ان يواجه نفس المصير.
توقف قلبه وانحبس جزء الدم الواصل الى الدماغ فيه وبدأ يتعفن وهو ساكن بلا ضغط، وبدأت نسبة الغذاء فيه بالتلاشي ومع هذه الحالة قرر الدماغ ان يوفر ماتبقى من هذه الطاقة له وحده فقطع الصلة تماما مع الجسد ..لااريد سوى الانا..فبقيت الانا تحوطها الذكريات تركب على الاتجاه ..اتجاه الدفع الاولي الذي بدأ منذ الولادة وربما قبلها ثم نما واستطال فوق سلسلة الذكريات وبدأ الان يتفكك مع السلسلة ويتغير اتجاهه في كل لحظة مع تغير الانا في ما ترى اوتسمع من هذه الذكريات المرتبط انبعاثها مع نسب مكونات الدم . لحظات قلائل ضغطت كل الذكريات ورمزت ودمجت مع الانا … المصفوفة الكيميائية الاولى التي انبثقت من جينات مركز العقل ، في خلية عصبية واحدة ... كل الجسد اكله التراب والزمان الا هذه الخلية التي دفعها آخر اتجاه لاخر لحظة زمان ،الى خارج الزمان والمكان .. الى المعنى الجديد ... الى حياة اللاحياة ... فوجد نفسه طافيا فوق ضحكة كبيرة . فضحك وفهم .
9 / 11/ 2009








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة أخيرة -درس من نور الشريف لـ حسن الرداد.. وحكاية أول لقا


.. كلمة أخيرة -فادي ابن حسن الرداد غير حياته، ومطلع عين إيمي سم




.. إبراهيم السمان يخوض أولى بطولاته المطلقة بـ فيلم مخ فى التلا


.. VODCAST الميادين | أحمد قعبور - فنان لبناني | 2024-05-07




.. برنار بيفو أيقونة الأدب الفرنسي رحل تاركًا بصمة ثقافية في لب