الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محمد ولد السلطان

طارق الطوزي

2009 / 11 / 22
الادب والفن


السؤال المؤلم، أم هو العجز المطبق؟
كان المكان صامتا مختنقا، و الأفكار تتلاحق في ذهني بتوتر حاد. الأشياء على توزيعها المعتاد، دون تحريف أو تغيير؛ الطاولة تتوسط الغرفة في وقّار مخادع، الكراسي تلازمها في خفّة النفاق، السرير في عزلة كئيبة تعلوه صورة رخيصة معلّقة بإهمال على جدار قديم، كتب تتناثر في فوضى اللامعتقد، و لا شيء آخر.
غرفة واحدة، و أشيائي على استقامتها حاضرة في جمود، فما الذي يحدث؟
أصبحت اليوم يملؤني شعور بانقباض رهيب: رعب ما يحتوي أجزائي المتجمدة، يسري في جسدي بعبث صاخب، يورثني رغبة متحرقة في الكتابة. القلم يدور بين أصابعي، يرسم في قلق بعض الكلمات الباهتة، يختفي في خجل بين الصور المرمزة، يكتفي بالصمت حينما يخشى الأفول.
"عندما أفاق من ذهول مقام الغياب، آثر الرحيل إلى أبعاد الأفق الملعون؛ ليكتب برسم مشفر شقاء البداية، و يدرك المدى الصاعد في نقاء الخلاعة."
ليست الكلمات كما أردتها تبعث على غموض الوجد؛ إنّها مفارقة لمخاض الكون، عاجزة عن إثبات مطلق ...
طرق خفيف على الباب، نهض من على كرسيّه، ألم يحتوي جسده بسخرية، أدار مفاتيح الأقفال الثلاث، فتح الباب بحذر و هو يتطلّع إلى الطارق. الخادمة في ميعادها الأسبوعي؛ جاءت تنظف الغرفة.
كان عليه أن يتركها عند الباب حتّى يضع على جسده المشوّه ملابس الخروج متعجلا.
- عذرا
الطريق يغشاه النور بقسوة، ألوان ساطعة مشوّهة لبيوت أرهقها الثبات عند حافة الهاوية، و كائنات مزعجة تمرح بتحذلق على حبل دقيق يربط برجين. ألج في صمت الضياع مقهى مدخل المدينة، أجلس على طاولة تعتزل الجماعة، أدقق النظر في وجوه أخرى شاردة تبحث في قلق الفراغ عن صمت معتاد، لا شيء، لا شيء يا محمد...
- " اكسبرس "، من فضلك
أبحث عن زمني الهمجي؛ بداية الخرافة التائهة في لجّة الواقع القاتم، الركن العجيب من مسافة الغرابة، و قدري الهامس بأحجيات قديمة يسخر من مقامي البليد ...
- تفضل القهوة، سيد جمال
- السيد محمد من فضلك
- عفوا، و لكن اعتدّت على تسميتك منذ زمن بالسيد جمال القاسم
- لا، أنا من يحقّ له تسميتي، و أعتقد أنّي محمد ولد السلطان
بضيق أغادر المقهى، عيون حمقاء مبتسمة تربك حركتي. كان لابدّ لي من البحث في مقام الهذيان، عن مكان يصلح خبيئة لفكري المعذب من هول الصور المطلقة... قيل لي حديثا ساحرا؛ كي أنتهي إلى خلاصي، لكن ينقصني الفهم أو إرادة الغياب...
ربما البحث عن السبيل؛ هو عنواني المدهش لكتابة أخرى تحاول الفرار، و ماهية الأشياء التي أراها تعاند مطلقي كي تكون ...
أقارن نفسي بفضاء المطلق البعيد، فأنتفي صاغرا كهشاشة التفاهة؛ نقطة صغيرة تالفة في مدى الهياج؛ كائن سقيم في عمق الاتساع. أحتقر ملامحي القاصرة عن إدراك سأمي...
- اللّه، اللّه، اللّه...
عقم التولد الخائب في رسم غامض.
كنت أبحث في خبايا الغربة، عن الغرفة السابعة المخفيّة. قيل الخبر في صمت السرّ، رياض مشرقة في غسق اليمّ. تألمت، لحرقتي العنيدة في الفهم؛ المنشأ العابث لدلائل الوجد.
- أحد، أحد...
لم ألبث إلّا قليلا، حتّى اهتديت إلى الحديث: "الرائحة الرطبة المتخثرة تخنقني؛ برودة الموت سقوطا في هوّة اللانهاية..."
حين فتحت الباب، كنت لاشيء، تلقفت القلم بخفّة الانتفاء، و كتبت : "جرثومة حقيرة على قفا فأر، لا ترى". بدا لا شيء يعني معنا، فعدّلت بعض الكلمات: " حقير لا يرى ". لا أفهم غريب القول المحدث، ربما لو كان قديما لوجدت تفسيرا لمتاهتي: "نفثات العجز تلهمني انعداما". أضرب رأسي على الجدار، أصحح: "حقير العجز يعدم على مقصلة المطلق".

- 2 -

الطير اللي يغنّي و جناحه يرد عليه
السقوط علامة الكيان المشرق؛ الرقصة القتيلة تحت قوائم براق النهاية، علمتني الصمت اللامصدق لنبرات الوقار. عليّ الآن البحث في زمن العلياء عن المسيح الأعور؛ كتابة متضائلة بنقش قديم مبهم. ليس الآن، تظلّ الطريق في معالم الامتداد المطلق.
هل أكتبك، يا كلماتي؟ أم يتخفى سلطان الجبر بين حروفي.
تثب إلى درجك تبحث بين أوراقك عن دليل، المساحة لا تغطيها السذاجة، مع ذلك كنت غريبا تتوق الفرار إلى اللاشيء. ستحاول مجدّدا بعجز الموت فهم كآبة المعنى...
- أتقارن جزيء الكيان المبعثر في سخافات الخزي، باللانهاية ؟
- يجبرني فكري المعذب على النبش في المعادلات الخاسرة!

- 3 -

التفاح اللّي يفوح و يردّ الروح
غموض الأفول، رقصة المريد في المكان الضائع، طقوس الغياب، هذاء: زمني التعب من الإطلال على البعيد، يسخر من قصوري عن الانطلاق في المدى البهيم. لنفترض أنّي فقدت ذاكرتي التقويّة و تقرّر عندي فقط أن أفكّر، فكيف تكون ذاتي من غير مقارنات، من غير قامتي الضئيلة أمام الإطلاق؟...
- هل تحتاج إليّ ؟
- نعم، أكثر من كلّ شيء
- و لكنّك لن تفهمني أبدا
- سأحتاج فقط لنسيانك
- أتستطيع ؟!
أضحك في خفّة البلاهة، ثمّ أبكي محتضرا ...

- 4 –

- محمّد، أفق إلى اللاشيء، و انتظر خبرا ينتقص الكلّ ...
عندما أفقت تأملت المكان من حولي مرّة أخرى، كان كلّ شيء كما تعودته ثابتا كالصخر. فتحت نافذتي. تملكتني رغبة متحرقة في الضحك. ما يزال هناك بعيدا خلف التلّة، أبطأ الحضور. الثقل ميثاق التقوى، الحركة المتزنة تنشئ راهبا آخر، و الميزان كما تعودته يقارن كلّ شيء بشيء واحد...
ينسكب الماء في قدحي من حنفيّة قديمة. يسكرني البعد عن الصفاء؛ فأستحمّ بالمخمر من الماء الآسن.
هل تفهم علّتي؟
لم عليّ دائما أن أكون الناقص المشوّه حتّى أنفي عنّي القدم؟
كيف أتيقن معنا يفرّ منّي كليّا؟ لأكون خفيفا كالإله

- 5 -

تحت ذرّات المياه الساخنة و المتساقطة بلؤم على جسدي المرهق، أختنق داخل وحدتي، فأبكي. سئمت الكلمات القلقة، الخائفة، المعذبة. أحاول أن أجتذب خفّة النطق الغبيّة، لكنّي آسف؛ لأنّه عليّ أن أفشل مثل الجميع. لن أفهم أبدا غربتي بين الكلمات... أنشّف جسدي من عار الماء، أقف أمام مرآة الحوض، أنظر إلى هذا الرأس. يملؤني شعور كريه بالغضب الحانق. الفكرة كانت مبعثرة خلف الأطياف العقيمة. أغطي رأسي بالمنشفة، ثمّ أنزعها بقوّة. الرقص على الوجع ألم ملتذّ. تأملت مليّا العينين السوداوين، و الأنف الكبير، و البشرة السمراء. الغبن في تكسّر الخطوط المفاجئة. الحلم سقوط وثني لعبارات هاربة... ما زلت أمام مرآتي، أتأمل النطق في ثورة الغضب، أحلّق بعيدا إلى الإطلاق، أقع إلى عمق الهاوية. الركن المنسيّ من غرفتي القديمة، و أشياء العمر التافهة، و أسباب الحياة... تأملت هذا الوجه في المرآة، ثمّ طفق الكلام يندفع بعمق اللقاء؛ لقائي: القذر، اللعين، الساذج، الخبيث، اللئيم، المنافق، المشرك... صفات النقصان شفائي من ضياع ما خلف الستار.

عندما يضطهدني الرسم الأكمل؛ لأنّي آثرت صفة الخلق، عليّ أن أتذكر بأنّي النزر القليل من أيّ شيء، بأنّي في الحقيقة لا شيء، فأقنع بأنّي ممكن الخلق في الفضاء السفلي في رحاب مساحة الموت.












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف نجح الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن طوال نصف قرن في تخليد


.. عمرو يوسف: أحمد فهمي قدم شخصيته بشكل مميز واتمني يشارك في ا




.. رحيل -مهندس الكلمة-.. الشاعر السعودي الأمير بدر بن عبد المحس


.. وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبد المحسن عن عمر ناهز الـ 75 عام




.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد