الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخنساء والشهداء الأربعة حقيقة أم خيال؟

نارت اسماعيل

2009 / 11 / 23
كتابات ساخرة


أعيني جودا ولا تجمدا ألا تبكيان لصخر الندى
قذى بعينك أم بالعين عوار أم ذرفت إذ خلت من أهلها الدار
وإن صخرآ لتأتم الهداة به كأنه علم في رأسه نار
هذا نذر يسير من بعض الأبيات والقصائد الكثيرة التي كتبتها الشاعرة الكبيرة الخنساء والتي قضت جل عمرها قبل الاسلام ترثي أخاها غير الشقيق صخرآ حتى لقبت بشاعرة الرثاء
ماذا قالت الخنساء عندما قتل أولادها الأربعة في معركة القادسية؟
الحمد لله الذي شرفني بقتلهم وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته
قالت ( قتلهم ) ولم تقل استشهادهم، هذا كل ما وصلنا عنها حول هذه الحادثة
أين ذهبت مشاعرها وأحاسيسها؟ لم ترتكس لموت أولادها الأربعة فلذات كبدها بينما صرفت عمرها تبكي أخاها غير الشقيق!!!

منذ حوالي خمسة سنوات كنت في صالون حلاقة في دمشق أنتظر دوري فوقعت يدي على عدد من أعداد مجلة العرب الكويتية المعروفة وشدني مقال عن الخنساء لكاتب فلسطيني مغمورمقيم في سوريا اسمه طه عمرين كان يعمل مدرسآ في إحدى ثانويات مدينة دوما قرب دمشق وقد توفي منذ عدة سنوات، في مقاله يشكك الكاتب بصحة قصة الخنساء وأولادها الشهداء المعروفة
نسيت الموضوع إلى وقت قريب وبينما كنت أقلب قنوات التلفزيون، حيث من عادتي أن أذهب أحيانآ الى قنوات إسلامية تجعلني مشاهدتها أحمد ربي على النعمة التي أنا فيها، وتتيح لي الفرصة لكي أطلع على أمور هؤلاء القوم والى أين وصلت أحوالهم العجيبة
بالصدفة وقعت على برنامج يروي فيه أحد الشيوخ بتأثر واضح قصة الخنساء وأولادها ويفعل ذلك بطريقة تمثيلية مصطنعة ويحرك يديه أمام وجهه والى الأعلى بطريقة تذكرك بحركات يدي راقصات فرقة السماح وهن تتمايلن على أنغام موشح إسقي العطاش تكرمآ ومن حين إلى آخر يمرر يده على لحيته الرهيبة التي تكاد تغطي معظم شاشة التلفزيون ويصف لنا والدموع تنساب على وجنته قبل أن تضيع في الغابة المطرية الكثيفة كيف رافقت الخنساء أولادها الأربعة إلى المعركة وكيف أنشد الأول :
يا أخوتي إن العجوز الناصحة قد نصحتنا إذ دعتنا البارحة
مقالة ذات بيان واضحة فباكروا الحرب القدوس الكالحة
فقاتل فقتل ثم حمل الثاني منشدآ :
إن العجوز ذات حزم وجلد والنظر الأوفق والرأي السدد
فباكروا الحرب حماة في العدد إما لفوز بارد على الكبد
أو ميتة تورثكم عز الأبد في جنة الفردوس والعيش الرغد
فقاتل فقتل ثم حمل الثالث وأنشد :
والله لا نعصي العجوز حرفآ وقد أمرتنا حدبآ وعطفآ
إنا نرى التقصير منكم ضعفآ والقتل فيكم نجدة وزلفى
فقاتل وقتل ثم حمل الرابع منشدآ :
لست لخنساء ولا للأخرم ولا لعمر وذي السناء الأقدم
إن لم أرد في الجيش جيش الأعجم ماض على الهول خضم خضرم
إما لفوز عاجل ومغنم أو لوفاة في السبيل الأكرم
فقلتل فقتل

والغريب أنهم يدعون أمهم بالعجوز وهي الشاعرة الكبيرة والتي كانت سيدة قومها قبل الاسلام، ما قلة التربية هذه؟ لماذا لا يدعونها أمنا ، حبيبتنا، كبيرتنا؟
ولماذا لم يذهبوا الى المعركة دفعة واحدة بدلآ من الذهاب واحدآ تلو الآخر؟ وكل واحد فيهم ينتظر دوره بالانقضاض وفي الأثناء يراجع مع أمه قصيدته التي سوف يلقيها قبل انطلاقه
تذكرني هذه الأبيات بمسرحية سهرة حب للرحابنة حيث يتحدى وديع الصافي غريمه نصري شمس الدين بهذا الزجل :
اووف اووف اووف
أنا سيد الماعنة والفصاحة بهالساحة العليي وبكل ساحة
وسيفي بيمسح الأعدا بحدو مثل ما بتمسح الأرض المساحة
فيرد نصري شمس الدين
اووف اووف اووف
رماني الدهر بللي متلك رماني وفوارس راكعة تسقي حصاني
إنت وبنت أختك والسلالة بدي متلكم سبعة تماني
هل كانت تقام مسرحيات غنائية أو حفلات زجل أيام الخنساء؟
من يصدق أن الإنسان وسط معركة رهيبة، وسط كل هذا الضجيج والغبار والدم والموت يلقي شعرآ وهناك آخر يسجل هذا الشعر وينقله بحرفية
كم فتاة ارتدت الحجاب وكم فتى أطلق لحيته واعتكف في المساجد، وكم إنسانآ دخل عالم الغيبيات والظلام بعد سماعه مثل هذه القصص التي لا يصدقها إلا السذج والبسطاء؟
أصبح تاريخنا القديم مثل سلة كبيرة مملوءة بالقصص والحوادث والأساطيرتجد فيها ما يرضي كل الأذواق، كل الأطراف المتدينون والعلمانيون،المعارضة والموالاة، جماعة شباط وجماعة آذار، كل واحد يستطيع أن يجد في هذه السلة ما يعزز به رأيه وقناعاته
يأتيك واحد يقول لك: انظر كيف كان الرسول يعامل جاره اليهودي الذي كان يلقي القمامة كل يوم عند بابه وعندما لم يفعل ذلك في أحد الأيام ذهب إليه ليطمئن عليه، فيرد آخر : انظروا ما فعل باليهود، اخرجهم من ديارهم وحرق زرعهم وقتل رجالهم وسبى نساءهم
والحقيقة أننا لن نستطيع النهوض إلا بالنظر للمستقبل وترك الماضي المشكوك فيه الى غير رجعة

المقال المشار إليه في مجلة العربي موجود في العدد 549
يمكنكم الاطلاع عليه بالذهاب إلى موقع المجلة الالكتروني التالي
http://www.alarabimag.com/main.htm
أو مباشرة بواسطة الرابط التالي :
http://www.alarabimag.com/arabi/common/showhilight.asp
أتمنى لكم قراءة موفقة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحياتي
شامل عبد العزيز ( 2009 / 11 / 23 - 12:10 )
الأستاذ نارت / ما بين أيدينا تراث . العلم مع استخدام العقل يجعلنا نفكك هذا التراث / سوف اختصر لك رائي / عام 1959 حدثت في العراق ثورة / حركة سميها ما شئت / لم نكن موجودين في تلك الفترة / في الثمانينات صدرت مجموعة كتب عن هذه الثورة / كل كتاب يختلف عن الثاني في رواية الحدث / علماً بأن هناك رجال ونساء عايشوا تلك الفترة وقصوا علينا الرواية بطريقة أخرى / هذا في خلال 50 عاما وفي العصر الحديث ؟ فما بالك في 1400 عام ؟ الجواب لديك
شكراً جزيلاً / هي ثورة عبد الوهاب الشواف


2 - دراسة تاريخنا وتراثنا
T. khoury ( 2009 / 11 / 23 - 13:11 )
الاخ العزيز نارت,

مقالكم شيق واشكرك عليه , ولكن اسمح لي ان اختلف معك باخر استنتاج وهو التالي:-
والحقيقة أننا لن نستطيع النهوض إلا بالنظر للمستقبل وترك الماضي المشكوك فيه الى غير رجعة-
براي يجب علينا دراسة تاريخنا وتراثنا بطريقة علمية بحثية واكاديمية (كما فعلت بمقالك) بعيدة عن المحرمات والغيبيات والخرافات لكي نستنتج العبر التي تساعدنا على بناء المستقبل بطريقة علمية مدروسة! هذا مافعلته كل الدول المتحضرة ..وهذا من اهم اسباب نجاحها..وعدم قيامنا بهذا هو من اهم اسباب تخلفنا.!بالاضافة الى ذلك, علينا دراسة تجارب الاخرين والتعرف على ثقافتهم وحضارتهم وتاريخهم والوقوف على اسباب نجاحهم واسباب فشلنا لكي نستفيد منها في التخطيط لمستقبلنا لكي نلحق بالركب الحضاري.

تحياتي



3 - ردود
نارت ( 2009 / 11 / 23 - 14:25 )
الأخ شامل أشكرك على تعليقك الذي يذكرني بفترة حرب 1967 وكنت طفلآ صغيرآ وكنا مبتهجين بأخبار الانتصارات التي نسمعها بالراديو وأعداد الطائرات الاسرائيلية التي يتم اسقاطها، ونحن بقمة نشوتنا نفاجئ ببيت خالتي يدقون الباب بحالة يرثى لها وقد شردوا من الجولان وقطعوا مسافة حوالي 70 كلم سيرآ على الأقدام ومازال الراديو يبث أخبار الانتصارات
الأخ ت خوري أشكرك على مرورك وأنا أتمنى مثلك أن تتم دراسة التاريخ بطريقة علمية أكاديمية ولكن للأسف أن معظم من يتناول التاريخ الاسلامي يتناوله بطريقة عاطفية انتقائية بهدف تعزيز قناعاته المسبقة وليس بهدف الوصول الى الحقيقة وأنا
لا أخفي تأثري بأسلوب الأستاذ نادر قريط في دراسة التاريخ

تحياتي الصادقة لكما


4 - تحية ياأخ نارت
أبو هزاع ( 2009 / 11 / 24 - 15:08 )
سلام وقصيدة الخنساء كنا نحفظها وقوتها بالنسبة لي هي جمال صوتيات البيت الثاني وعمق البيت الأول الفلسفي الروحاني. هذه الأبيات هي من ضمن الأبيات المحفورة في الذاكرة مثل أبيات عنترة: أعاتب دهراً لايلين لعاتب وأطلب أمناً من صروف النوائب وتوعدني الأيام وعداً يغرني وأعلم حقاً أنه وعد كاذب. والشنفرى ويوم من الشعرى يذوب لعابه أفاعيه في رمضائه تتململ.

مقالك جيد لبدايته بالشعر وتمنيت لو أنك أكملت بالحديث عن الشعر ولم تربطها بالدين وحواره التعيسان.

فرسان الكلام في الفضائيات الدينية ودعواتهم العنيفة يجب أن تواجه بالقانون. هنا المربح المادي هو القصد وكلما شعلوها حصدوا من النعيم الأرضي.
المعارك والقادسية ومشايخ الفضائيات القليلي الثقافة والعلم، مع إدعاؤهم بأنهم أهل العلم مآساة أخلاقية. العلم هنا في الحوار الديني هو علم الكلام فقط وليس العلم التجريبي التطبيقي العقلاني الإنساني.

مابالك بشخصيات أكبر ماتنتجه هو الكلام. وليس أي كلام، وإنما كلام تحريضي عدواني عنيف سخيف، لنجعلها على القافية للضرورة.

سلام...


5 - الأخ أبو هزاع
نارت ( 2009 / 11 / 24 - 16:50 )
كم يفرحني تعليقك على مقالاتي
أنا مثلك أتذوق الشعر وكنت في المرحلة الثانوية وأثناء درس اللغة العربية أترك مقعدي في الخلف وأجلس في أحد المقاعد الأمامية واندمج مع مدرسنا القدير وكان هو بدوره يلاحظ اهتمامي وكان يتوجه إلي بالدرس وكأنني الطالب الوحيد الموجود
بالنسبة للمقال أنا عندي حساسية شديدة من شيء اسمه تخلف وأكثر مظهر من مظاهر التخلف التي تستفزني هم الشيوخ المرعبون الذين نراهم في الفضائيات والذين يبثون سمومهم في شباب وشابات مجتمعنا
الهدف من المقالة هو تعرية هؤلاء ومنعهم من استغلال الشعر العربي الجميل لغايات دنيئة
تحياتي


6 - الى الكاتب الرائع نارت
نادر عبدالله صابر ( 2009 / 11 / 24 - 17:34 )
لك كل الاحترام والتقدير ممزوجا مع الود ,,,, نعم يا نارت لقد استسخفوا بعقولنا كثير بقصص وحكايات لا تحاكي منطقا ولا يستسيغها عقلا ,.ز ما اجمل ما كتبت يا نارت ,, ارفع لك ولامثالك من المتنورين قبعتي عاليا .
بالمناسبة : هل انت الصديق نارت الشركسي الرائع الذي علقت على بعض كتاباتي ؟؟ !!!! بكل الاحوال انت رائع بكل ما تعني الكلمة


7 - الأخ محمد الحلو
نارت اسماعيل ( 2009 / 11 / 24 - 18:02 )
شكرآ على كلماتك الرائعة، نعم أنا نارت اسماعيل الذي أتابع مقالاتك وأكتب تعليقات من حين لآخر
يبدو أن اسمي يسبب لي إشكالات كثيرة لذلك سأكتبه كاملآ (نارت اسماعيل) من الآن وصاعدآ
تحياتي الحارة وأرجو دوام التواصل

اخر الافلام

.. مهرجان كان السينمائي : فيلم -البحر البعيد- للمخرج المغربي سع


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعد خضر يرد على شائعات وفاته




.. من المسرح لعش الزوجية.. مسرحيات جمعت سمير غانم ودلال عبد الع


.. أسرة الفنان عباس أبو الحسن تستقبله بالأحضان بعد إخلاء سبيله




.. ندى رياض : صورنا 400 ساعةفى فيلم رفعت عينى للسما والمونتاج ك